"Finch" .. كيف صنع "توم هانكس" وكلب وروبوت من دراما نهاية العالم أمراً لطيفاً؟!
يغلب على أدوار "توم هانكس" طابع الشخص الطيب؛ ولهذا أصبح لقب "الرجل اللطيف" لصيقاً به، وربما تكون شخصيته الحقيقية عاملاً في تأكيد هذه الصورة الذهنية، فهو رجل طيب ومؤدٍ بارع لشخصيات تمتاز بالطيبة والاهتمام بغيره من البشر، وربما تبدو علاقته اللطيفة بكلب وروبوت في فيلمه الأخير Finch "فينش" إمتداد لتلك الشخصية السينمائية التي لا تبخل بلُطفها وإنسانيتها حتى على الحيوان والجماد، ولكن حالة مهندس الروبوبات "فينش" ليست كذلك تماماً؛ فعلاقته الطيبة بكلبه الأليف، والروبوت الغريب الذي صنعه من الخردة بدت تعويضاً عن خوفه وتجنبه لكل البشر من حوله، ولكنها كانت أبعد وأعمق من ذلك أيضاً.
المنبوذ ونهاية العالم!
في عالم انتهت فيه أغلب عوامل البقاء على قيد الحياة، يعيش مهندس الروبوتات فينش واينبرج (توم هانكس) وحيداً من الرفقة البشرية، يُحاول حماية نفسه من أثار دمار طبقة الأوزون بعد كارثة انفجار شمسي؛ تسببت في ارتفاع درجات الحرارة إلى 70 درجة مئوية، وانتشار الأشعة فوق البنفسجية الضارة، وتطرف الأحوال الجوية، ولا يُصاحب فينش سوى كلب يدعوه "جود يير"، وروبوت بدائي صغير الحجم يدعوه "ديوي"، يستخدمه لمساعدته في أداء المهام البسيطة، ومن هذه المهام بناء روبوت أخر، أكبر حجماُ وقوة وذكاء، وأكثر قدرة على التعامل مع الظروف والأزمات، ولكنه نزع عيون "ديوي" أو الكاميرات المثبتة برأسه لتكون عيون الروبوت الجديد، وقد فعل ذلك مُتأثراً، ووعد الروبوت أنه سيمنحه عيوناً أخرى حينما يستطيع ذلك.
نعم يستطيع "توم هانكس" التمثيل مع كرة جامدة ويصنع مشاهد عاطفية مؤثرة؛ كما فعل في فيلم Cast Away "منبوذ"، ورُشح عن دورة لأوسكار أفضل ممثل لدور رئيسي عام 2000، ولكن الحال في فيلم "فينش" مُختلف تماما؛ فالكرة التي أسماها في الفيلم "ويلسون" كانت وسيلة تُتيح له التحدث إلى شيء يتخيله وجه إنساني، حتى لا يفقد عقله، بعد أن فقد كل وسيلة للتواصل الإنساني، إثر سقوط طائرة كان على متنها، وبقى وحيداً على جزيرة معزولة لسنوات، يحلم ببشر يُنقذه، ويقاوم اليأس والإحباط؛ بالتحدث مع الكرة "ويلسون".
الروبوت وسن الرشد!
في فيلم "فينش" يصنع البطل جزيرته الخاصة، وهي معمله القديم تحت الأرض، داخل بناء خرب ومهجور، كان ذات يوم الشركة التي يعمل بها، وهو يحرص أن يكون بعيداً عن أى بشري؛ فبعد كارثة الإنفجار الشمسي وفناء ملايين البشر، لم تعد الحياة آمنة؛ وقد حول نقص الغذاء وموارد الحياة الناجين من البشر إلى وحوش تسعى للبقاء حتى ولو على حساب حياة الآخرين؛ ولهذا نجد البطل الذي يعيش داخل كهفه الاضطراري يصارع التقلبات الجوية العنيفة، ويشعر بقرب أجله؛ بسبب المرض، ويخشى ألا يستطيع إكمال رحلته إلى سان فرانسيسكو؛ حيث قرر الرحيل والابتعاد عن عاصفة مُدمرة تقترب من مكانه.
لا يسعى "فينيش" لبناء روبوت الذكاء الصناعي "جيف" من أجل تسلية وحدته؛ بل من أجل رعاية الكلب لو حدث له مكروه، والجزء الأول من الفيلم يُركز على العلاقة بين "فينش" وكلبه، وهى علاقة تشبه علاقة أب بطفل صغير، ولكن باقي الفيلم يُركز على الروبوت الذي صنعه "فينش"، ووضع داخله كم هائل من المعلومات والكتب والمعارف، وخُلاصة تقنيات الذكاء الصناعي؛ ولهذا يبدو الروبوت جيف (أداء صوتي: كيلب لاندري جونز) مثل طفل يتعلم المشى والتفكير، ومن خلال نقلات درامية تُصور مراحل تطور شخصية الروبوت، نشعر أننا أمام فيلم من نوعية أفلام coming-of-age "بلوغ سن الرشد"؛ فتصرفات الروبوت تتطور من الطفولة والمراهقة إلى النُضج والقدرة على تحمل المسئولية، ويتم ذلك من خلال مواقف عديدة، وحوارات إنسانية بين البطل والروبوت الذي أجاد "كيلب" أداء صوته.
أخلاق البشر وذكاء الآلة!
لا يشعر الروبوت "جيف" أنه مجرد آلة، وهو يسعى لإرضاء صانعه "فينش"، ويستلهم منه سلوكه دليلاً لتصرفاته، ولكنه يعجز أحياناً عن الإرتجال البشري، ويفقد القدرة على التمييز بين تنفيذ الأوامر حرفياً، وتجاوزها لو كانت غير ملائمة في بعض المواقف، ولكنه يحاول أن يستخدم الذكاء الصناعي ليقترب من قدرة الإنسان على الإلتزام بالقوانين وخرقها لو دعت الضرورة لذلك، ويحاول أن يًصاحب الكلب دون فائدة؛ فالكلب مُتعلق بفينش بشدة، وخلال سعيه يتقمص "جيف" شخصية الإنسان ويُقلد البشري الوحيد الذي يعرفه، وقد يبدو مُضحكاً أن يجلس روبوت في العراء ليلاً، ملتفاً ببطانية، كما لو كان يشعر بالبرد، ولكن الروبوت يحاول تجربة كل شىء ليقترب من عالم البشر.
الفيلم يحمل خيوط درامية جيدة، ولكنه يفتقر إلى حبكة قوية، وتظل نقطة قوته وجاذبيته هى شخصية البطل، بكل ما تحمله من مشاعر إنسانية دافئة، وصفات نبيلة، وسلوكيات مُلهمة، ولكنه ليس مجرد شخصية فاضلة في المُطلق، بل يحمل نوع من الذنب وتأنيب الضمير نحو أشخاص أبرياء منعه الخوف من حمايتهم أثناء صراعهم مع شخص مسلح، وجزء من دافعه لحماية كلبه هو أنه يحاول التكفير عن شعوره بالذنب، وهو يشير من خلال مشاهد الفلاش باك القليلة جداً أن اللطف والطيبة لا تُغني عن الإلتزام بالواجب الإنساني، حتى لو كان ذلك معناه التعرض للخطر.
فيلم "فينش" إنتاج منصة "أبل"، وإخراج الأرجنتيني "ميجيل سابوجنيك"، وقد أخرج عدة حلقات مُميزة من مسلسل "لعبة العروش"، وهو في هذا الفيلم نجح نسبياً في سرد حكاية قاتمة عن نهاية العالم، لكنها حكاية لا تخلو من المشاعر المؤثرة، واللحظات المرحة. ربما يفتقر الفيلم بعض عناصر الدراما القوية، لكنه يظل مؤثر ومُلهم على نحو ما.
الصور من الموقع الرسمي للفيلم