"Alcarràs" فيلم الدب الذهبي.. هل سيتركون الأرانب تحيا؟
بعد 4 سنوات تقريبًا من عرض أول أفلامها الطويلة "Summer 1993" (صيف 1993) تعود المخرجة الإسبانية كارلا سايمون لمهرجان برلين، في المسابقة هذه المرة، بفيلمها الطويل الثاني "Alcarràs" (ألكاراس)، الذي حصل على الدب الذهبي للدورة 72.
لم تكن هذه النسخة من المسابقة هي الأفضل بحال، وربما لم يكن هناك ترجيحًا لفيلم بعينه ليكون هو الحاصل على الجائزة الأهم، وإن كان "ألكاراس" بالتأكيد أحد الأفلام التي حصلت على الكثير من الآراء الإيجابية بعد عرضه، لكن فوزه لم يكن أمرًا مرجحًا أو مستبعدًا.
أسرة حقيقية
تدور أحداث الفيلم الذي شاركت في كتابته أيضًا سايمون مع آرنو فيالرو، في القرية الريفية "ألكاراس" التي تقع في مقاطعة كاتالونيا في إسبانيا. نتابع عن قرب عائلة كبيرة من عدة أجيال، يتعيشون من الأرض الزراعية التي يملكونها، ويتعرضون لأزمة كبيرة عندما تأتي شركة للحصول على أرضهم لبناء وحدات طاقة شمسية، ويفاجأوا أن الجد روجيليو (جوسيب آباد) لا يملك أوراق ملكية للأرض.
للوهلة الأولى نظن أن الفيلم سيتجه لمتابعة كيفية مقاومة هذه العائلة لزحف الشركة على أرضها، ومحاولتها لإيجاد حلولًا بديلة أو البحث عن طريقة للمقاومة، ليشكل هذا الصراع الأكبر داخل أحداثه، لكننا سريعًا سنعرف أن هذا لن يكون إلا جزءًا محدودًا من أحداث الفيلم، بينما التركيز الأكبر هو على كيفية تعايش هذه الأجيال المختلفة معًا في هذه القرية.
تتفرع هذه الأسرة من الجد إلى ابنته وابنه كيمت (خوردي بوخول دولسيت) الذي يحمل مسؤولية الأرض على عاتقه، وكلاهما لديه أبناء في مراحل سنية مختلفة. في كثير من الأحيان سنشعر أن الفيلم ينحى إلى الشكل الوثائقي، لكن من خلال قالب درامي، إذ نشاهد كيف يتعايش هؤلاء الأفراد على اختلاف مراحلهم العمرية داخل هذه القرية، سواء على مستوى الأرض الزراعية وكيفية العمل فيها، أو حتى على المستوى الإنساني.
يقدم السيناريو تباينًا واضحًا بين الشخصيات، لكن بميزان دقيق يغيب عن الأفلام المشابهة، إذ رغم الاختلاف فإننا لا نشعر بأنها مجرد توليفة من عدة شخصيات ليس بينهم رابط، جُمعّت بهذه الصورة لإثراء الفيلم، بل العكس سنجد أننا نشعر بالتقارب الواضح، وكأننا نشاهد أفراد عائلة واحدة حقيقية، بها خلافات وترابط وتفضيلات.
يعزز هذا الشعور الاختيار المناسب جدًا للممثلين، والذين سيزداد إعجابنا بهم عندما نعرف أنهم في الحقيقة من السكان المحليين بالفعل وليسوا ممثلين محترفين.
البقاء للأقوى
ينطوي هذا التوثيق الذي يسود الفيلم على جانب آخر حزين، إذ أن محاولات وقف الزحف على الأراضي الزراعية فاشلة، والقضاء على الشكل التقليدي لسكان المنطقة الريفية آخذ في الانتشار. لا نعني بهذا التطور الطبيعي، كانتقال المزارعين لاستخدام الأدوات الكهربائية بدلًا من الزراعة اليدوية، بل عن تضاؤل مساحات الأراضي الزراعية من الأساس.
مثلما يرسم صناع الفيلم الشخصيات بشكل دقيق، فإنهم يفعلون هذا أيضًا مع الحبكة والأحداث. في الكثير من الأعمال المشابهة التي ترصد تراجع الحياة الريفية لحساب الحياة الأكثر تطورًا، واختفاء الأعمال اليدوية في مقابل الآلات الحديثة، نجد تصورًا جافًا أو قبيحًا للوافد الجديد، مشروع ناطحات سحاب ضخم في محل أرض زراعية مليئة بالزهور والفواكه، وربما أيضًا يكون المستثمر الرئيسي هو الشخصية الشريرة في الفيلم، ويظهر كأنه بلا قلب.
في "ألكاراس" نجد أن المشروع الذي سيحل محل الأراضي الزراعية هو وحدات لتوليد الطاقة باستخدام الطاقة الشمسية، مشروع آمن وصديق للبيئة، والعاملين فيه ليسوا مستثمرين أجانب بل مجرد عمال، حتى أن زوج ابنة روجيلو يذهب للعمل معهم بالفعل. ينطوي هذا على عدم شيطنة لطرف على حساب الآخر.
في الآن ذاته نشاهد كيف يتخلص الفلاحون من الأرانب، إذ يخرج الأب كيمت في عملية مسح ليلية للأرض الزراعية لاصطياد الأرانب التي تؤذي أشجارهم وثمارها بالتالي. تحدث هذه العملية بتصالح كامل مع إبادة هذه المخلوقات التي عادة نراها بريئة جدًا، لكن -هنا أيضًا- تضع المخرجة كارلا سايمون كلا الطرفين أمام المشاهد دون اتخاذ جانب على حساب الآخر، فبالتأكيد بريئة هي الأرانب وترغب فقط في أن تحصل على قوتها، بينما لا يرغب كيمت في اصطيادها بسبب عقدة شخصية بل لأنها تضر أرضه.
رغم التوازن الواضح بين الأجيال والشخصيات المختلفة داخل الفيلم، فإننا لا نملك ألا نتوقف بتدقيق أكبر عند شخصية الطفلة آيرس (آينيت خونو)، ليس فقط لأدائها السلس والممتع، لكن لأنها كانت بطبيعة الحال الشخصية الأكثر تحررًا من كل المشكلات الضخمة التي يعاني منها الكبار. لكن هذا لم يمنع أن تعاني هذه الطفلة أيضًا.
يبدأ الفيلم من عند آيرس والطفلين التوأم ابني عمتها، يلعبون معًا داخل سيارة قديمة ويتخيلون أنهم يواجهون هجومًا، لكن هذه السيارة السحرية -بالنسبة لهم- تتم إزالتها سريعًا من قبل العاملين في الأراضي، وهكذا نجد سيارتهم معلقة في الهواء على طرف الرافعة، وتتحرك الستارة المعلقة عليها في خفة كأنها حرملة بطل خارق، مما يكسب السيارة هالة سحرية بالفعل. بينما تبدو ضئيلة هذه المشكلة أمام أزمة خسارة الأرض، لكن هذه السيارة تعني عالمًا كاملًا بالنسبة للأطفال، وهؤلاء الأطفال هم الذين سيعانون لاحقًا من غياب الأرض، هكذا فضلت المخرجة البدء من عندهم.
يتميز فيلم "ألكاراس" عن الكثير من الأفلام الأخرى بأنه أكثر هدوءًا، ولا يُجبر مشاهده على شيء، بل يترك أثرًا فيه، ويمنحه حرية تحديد موقفه من الشخصيات. قد يكون بالتأكيد أحد أبرز أفلام مهرجان برلين لهذا العام، لكن في الحقيقة من الصعب أن يكون من العناوين البارزة التي حازت الدب الذهبي في السنوات الأخيرة، وإن احتفظ بتميزه الخاص.
الصور من MK2