خاص "هي"- مهرجان كان 2022: فيلم "تحت الشجرة".. قصة حب في ظلال أوراق التين
في السنوات الأخيرة بات التطور والنضج في السينما التونسية لافتًا، وصار تواجدها بفيلم أو أكثر في المهرجانات الكبرى أمرًا تقليديًا وغير مفاجئ. لا يقتصر الأمر على مخرجين أسسوا اسمهم بالفعل، لكننا سنجد كل فترة اسمًا يقدم عمله الطويل الأول، ويكون بمثابة إضافة جديدة مميزة لمخرجي الجيل الجديد في السينما التونسية.
عدة أفلام تونسية تتواجد في الدورة 75 لمهرجان كان السينمائي، تتباين في موضوعاتها وأساليبها السينمائية. "تحت الشجرة" للمخرجة أريج الصحيري، يشارك في مسابقة "نصف شهر مخرجين"، وهو فيلمها الروائي الطويل الأول، بعد أن قدمت فيلمها التسجيلي الطويل "عالسكّة" (2018) والذي تابع مجموعة من رجال السكك الحديدية في تونس.
قصة من عدة قصص
تدور أحداث الفيلم داخل أرض زراعية، تحتوي تحديدًا على أشجار التين، التي نضجت ثمارها وأتى أوان حصادها. يجمع المشرف على الأرض عددًا من العمال والعاملات من أعمار مختلفة ليعملوا على حصاد التين في مقابل أجر، وخلال أحد أيام الحصاد نتابع ما يحدث بين هؤلاء الحاصدين.
في اختيار صعب تقرر أريج أن تدور أحداث فيلمها في نصف يوم تقريبًا، يبدأ بوصول العمال إلى الأرض الزراعية، وينتهي بانتهاء النهار وعودتهم إلى بيوتهم. نقول إنه اختيار صعب، إذ أن المخرجة التي شاركت أيضًا في كتابة السيناريو، قررت أن توحد الزمان والمكان لأحداث الفيلم، فلا نبتعد عن أشجار التين، ولا نخرج كذلك من الحيز الزمني لنصف اليوم، مما يعني تقييد السرد نسبيًا. لكنها عوضت هذا بتعدد الشخصيات التي نتابعها.
بجانب المشرف على الأرض، تواجد عدد من الفلاحين الكبار في السن، والشباب والشابات الذين شاركوا في الحصاد، وقد أفسحت أريج المساحة الأكبر من فيلمها لهؤلاء الشباب، 4 بنات و3 أولاد في مرحلة المراهقة، يسيطر عليهم بشكل واضح مفهوم الحب والعاطفة. كما هي عواطف المراهقة غير المستقرة، تبدو على بعض الشخصيات تعلقها بشخصيات أخرى بعينها، لكننا لا يمكننا أن نمسك بقصة حب واحدة مكتملة الأركان، الأمر أشبه بالاستماع إلى جلسة نميمة بين عدد من المراهقين أو المراهقات، ولكن الفارق هنا هو أننا لا نستمع إلى هذه الحكايات بل نشاهدها.
تفاوت بين الشخصيات
مع كثرة الشخصيات خلال مدة الفيلم، ووجود عدد محدود من الدقائق لكل منها، فإننا شاهدنا تفاوتًا واضحًا بينها، فمنها من كانت ذات أبعاد واضحة، ويمكن الشعور بأنها شخصية قابلناها بالفعل، مثل شخصية سناء (أماني فضيلي) ومنها من كانت باهتة أو أحادية الأبعاد مثل أغلب شخصيات الشباب في الفيلم. ومنها أيضًا من شهدت تحولات مفاجئة ربما بشكل حاد وغير ممهد له بالقدر الكافي، مثل شخصية المشرف على الحصاد الذي كان مشهد تحرشه بإحدى الفتيات لا يشبه شخصيته التي شاهدناها منذ بداية الفيلم.
طبقًا للديانات الإبراهيمية، عندما سقط آدم وحواء بعدما أكلا من شجرة معرفة الخير والشر، خاطا لأنفسهما مآزر من أوراق شجر التين. ماذا يحدث عندما تسقط تلك الأوراق؟ في الفيلم نشاهد مقاربة للإجابة على هذا السؤال، كيف تستكشف كل الشخصيات نفسها والآخر من خلال الحب بين أشجار التين.
يوم بين أشجار التين
ليست كثيرة هي الأفلام التي تنقل مقاربة حقيقية لعالم المراهقين المعقد وخاصة ما يتعلق بالحب لديهم، تحت الشجرة يذكرنا بفيلم آخر قريب هو "سعاد" للمخرجة آيتن أمين، فكلاهما اقترب من هذا العالم، وأدخلنا جلسات سرية بين الأصدقاء أو الصديقات، وما ميز الفيلمين هو التلقائية الحقيقية في كليهما.
لا يمكن إغفال المجهود الواضح الذي بذلته المخرجة مع الممثلين، الذين لا يظهر فقط في إحساسهم الدقيق بالشخصيات التي يؤدونها، بل أيضًا إحساسهم بالمكان وتفاصيله، وتفاعلهم أيضًا مع الشخصيات الأخرى.
مع عدم وجود خط درامي رئيسي واضح يُبنى عليه الفيلم، كان السؤال الذي يراودنا هو كيف سينتهي؟ يمكننا أن نشعر أن أريج الصحيري قدمت خلال الفيلم جانبًا تسجيليًا واضحًا لعملية الحصاد تلك ولكيفية تفاعل الفلاحين مع هذا الأمر، وهذا الجانب التسجيلي صورته بشكل شديد الجمال، لكنه أيضًا كان على حساب الدراما في بعض المواضع.
عكس الكثير من الأفلام العربية والتونسية التي تتبنى نهايات حزينة، أو ربما مفتوحة تميل إلى الحزن، تقدم المخرجة في هذا الفيلم نهاية متزنة، بانتهاء يوم الحصاد، مثلما صاحبتنا الشمس منذ البداية فإن ننهي الفيلم في أجواء مبهجة، مستمدة ربما من عواطف المراهقين، التي يصعب الجزم في لحظة معينة أنها انتهت بشكل قاطع.