بمناسبة أكتوبر الوردي.. "هي" تحاور هديل الجاسر وهالة أصيل
إعداد: مشاعل الدخيل وجمانة الشيخ
تصوير فوتوغرافي: أفنان عبدالكريم
عباءات: نوف السديري
تم التصوير في: ELNA CAFE في مدينة الرياض
لأن قضايا المرأة أولوية "هي"، ولأهمية شهر أكتوبر لكل امرأة، نستضيف الاختصاصية أ. هالة أصيل، عضو مؤسس في جمعية زهرة، لتحدثنا عن أهمية الدعم النفسي لمحاربات سرطان الثدي. ومن زاوية أخرى تُشاركنا بطلة سرطان الثدي هديل الجاسر بتفاصيل عن رحلة إصابتها وتعافيها، ودور الاحتضان النفسي خلال هذه المرحلة القاسية.
الحمدلله على سلامتك أولا، حدثينا عن القصة، كيف ومتى بدأت قصة الإصابة بسرطان الثدي؟
بدأت قصتي من أحد الأعوام السابقة، حين كانت تلاحقني إعلانات الفحص الذاتي المبكر لسرطان الثدي في كل مكان، لوحات على الطرقات، حملات توعوية، إعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان كل ذلك أشبه بالإشارات لأترك ما بيدي، للخضوع للفحص، وكنت لا أرى سوى كلمة "الآن"، وفعلا هذا ما حدث. تركت كل شيء، وفحصت “الآن”. فوجدتها، لم تكن كتلة عادية، كانت مقلقة، ذات هوية، وكأنها تصرخ “نعم أنا هنا”. أذكر في تلك اللحظة تملكني خوف غير مفسر، سألت نفسي ما الذي تخشينه يا هديل؟ فجاوبني حدسي "السرطان". عشت بعد ذلك حالة نكران مدتها أسابيع، وازداد حجم الكتلة، عندها أخبرت أمي بعدما كانت تلح علي: ما بك؟ فأخبرتني بوجوب عمل أشعة للثدي للاطمئنان. كانت نتيجة الأشعة الصوتية أن الكتلة عبارة عن تليف، ولا داعي للقلق، وكان موعد معاينة الطبيب بعد 6 أشهر، وبدأت صحتي تتدهور تدريجيا حتى جاء الموعد، وطلبت طبيب جراحة ثدي لمعاينتي ومراجعة الأشعة. وأخبرني بأن كل ما أعاني منه مجرد تليفات، وهنا ألهمني الله بشيء لم يخطر ببالي مسبقا، وكان وليدة اللحظة، وهو كلمة رددتها مرارا وتكرارا، وكنت أرجوهم لأخذ "خزعة"، لقطع الشك باليقين بحكم استبعاد إصابتي بمرض السرطان نظرا لصغر سني، وعدم وجود تاريخ عائلي بالمرض. وتم تحويلي إلى طبيبة الأشعة التداخلية التي أنقذت حياتي، وجاءت النتيجة على شكل جملة قلبت حياتي رأسا على عقب: "أنت مصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبي".
كيف كانت رحلتك مع العلاج؟ وماذا عن البداية والآثار الصحية والنفسية والاجتماعية؟
في أكتوبر من العام الذي يليه بدأت رحلة العلاج الكيماوي، وكابدت تبعاته التي أثرت فيّ نفسيا وجسديا. قلت في نفسي: “لن أدع السرطان يسيطر علي”، فحلقت شعري بنفسي، لأسيطر أنا عليه. حدثت نفسي: “هو مجرد شعر وسينمو”، ذهبت بشعري المقصوص النظيف والمبخر بالعود إلى مكتب جمعية زهرة، وتبرعت به، وقبل أن أسلمه للموظفة، طلبت منها أن ألقي عليه نظرة أخيرة، معلنة لنفسي حينها بداية المعركة على كل خلية سرطانية في جسمي.
هل لاقيتِ الدعم النفسي من المحيط الاجتماعي؟ وكيف كان تأثيره؟
لم تكن الرحلة سهلة أبدا، ولكن لن أنسى دعم عائلتي وزوجي وأبنائي وقريباتي وصديقاتي ومساندتهم ما حييت. ولا يمكن أن تكتمل قصة تغلبي على مرض السرطان دون ذكر الداعم الأول لي في رحلة العلاج والتعافي، “جمعية زهرة”، تلك الجمعية التي بدأت قصتي معها ببريق مشع لامس روحي، وأحسست به عندما طرقت إحدى سفيرات الجمعية باب غرفة العلاج الكيماوي.
أكثر ما بهرني هو كيف لتلك الغريبة، والتي أنا عندها مجرد “المريضة هديل غرفة 8”، أن تعرف الكثير عني وعما يجول في بالي من مخاوف، وتفهم وجعي بشكل لم يفهمه أحد حولي، لأني لم أعبر عنه خوفا عليهم. كنت أتظاهر بعكس ما أشعر به، أضحك ولا أشتكي من شيء في سبيل أن أرسم في عقولهم صورة ذهنية جميلة عني، هديل قوية، شجاعة، بطلة، حالمة، سعيدة. ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك كله.
هل كان العلاج النفسي من الأمور التي أسهمت في إنهاء مرحلة العلاج بسهولة وسلاسة؟
كانت الرحلة طويلة وشاقة جدا، وكانت أمامي جبال شاهقة تسلقتها جبلا جبلا، بدأت بجبل العلاج الكيماوي، ثم جبل عملية استئصال الثديين بأكملهما، ثم جبل العلاج الإشعاعي، وأخيرا جبل العلاج الطبيعي.
بعد الاستئصال أحسست بأني إنسانة عاجزة عن القيام بأبسط الأمور اليومية، فمضاعفات الاستئصال لم تكن عارضا بسيطا فحسب، بل كانت أشبه بالقضاء المحتوم علي بأنه يجب علي التعايش مع الألم والانكسار مدى الحياة، حتى يسّر الله لي جلسات العلاج الطبيعي. ومن حسن حظي كانت الأخصائية عضوا في “جمعية زهرة”، وملمة بجميع مضاعفات استئصال الثدي، كانت جلساتي معها مثرية جدا، وفي أواخر الجلسات ومع قرب الانتهاء من رحلة العلاج بدأت أعبر للأخصائية عن مشاعر ومخاوف كنت أحتفظ بها لنفسي، وأحاول حبس دموعي، لأني كنت أكرر “أنا قوية، أنا لا أخاف”، ولكن ما يجول في عقلي كان العكس تماما. فقلت لها: ماذا بعد العلاج الطبيعي؟ كيف سأعود لحياتي الطبيعية، وأنا ما زلت تحت ظل هذا المرض؟ فقد اقترن اسمي بالسرطان إلى الأبد، أصرت الأخصائية على وجوب انضمامي إلى برنامج تقدمه “جمعية زهرة”، بإسم “بلوسوم” لإعادة تأهيل المتعافيات، وهو مكوّن من فريق متكامل تحت إشراف أخصائيات نفسيات. أنا ممتنة لهن، ولما اكتسبته على مدى 8 أسابيع معهن، كنت دائما أظن أن هناك أمورا تكون عابرة لمجرد أنها عابرة، تراودني وتذهب، ولكن “بلوسوم” كان عبورا أكسبني حياة جديدة، وصديقات لا غاية لهن سوى المحبة في الله.
وختاما، أحب أن أشكر "جمعية زهرة" التي وقفت إلى جانبي في كل مرحلة، وساندتني في كل مرة احتجت فيها إلى العون حتى يومنا هذا. وأشكر جهودها الجبارة والتي أكاد أجزم بأنها كانت فصلا من فصول كتاب كل ناجية، كما كانت معي في قصتي.
لماذا يعد شهر أكتوبر الوردي مهما؟
تتجلى قوة اللون الوردي في كل مكان في شهر أكتوبر، وأصبحت أحمل على عاتقي رسالة نشر التوعية بالفحص المبكر والتثقيف به، فإذا اكتُشف السرطان مبكرا، كانت فرصة التعافي أكبر.
صفي لنا السرطان في ثلاث كلمات.
الصبر والقوة والشجاعة.
ما رأيكِ بالتكتم على هذا المرض لأي غرض غير الخصوصية؟
أنا ضد التكتم على الإصابة بمرض السرطان. أعلم أن الحقيقة مؤلمة، لكن المريض لا يطيق أن يتحمل الوجع الجسدي والألم النفسي وحده، الدعم والمساندة عاملان مهمان جدا في رحلة العلاج.
هل من نصيحة تقدمينها لكل امرأة تمر بمرحلة صعبة لتتخطى الألم؟
نصيحتي لكل امرأة تتألم: كل ما تمرّين به هو فترة وستنجلي. فالقصة لم تنتهِ بعد، بل بدأت، والبداية هي ولادة إنسانة تحب الحياة، وتستشعر كل ما هو جميل من نعم الله التي يراها الكثير أنها من المسلّمات الآن، تستوقفها تقديرا وامتنانا، إنسانة لم يعد يهمها صغار الأمور، لأنها واجهت ما هو أعظم، والأهم أنها إنسانة لها رسالة في نشر التوعية بأهمية الفحص المبكر لتفادي أن يمر غيرها بما مرت به من مصاعب.
هالة أصيل لـ "هي" : دائما ما أكرر لمراجعاتي: أنتن تحملن كل القوة والإيمان والثبات
أ. هالة أصيل عرفينا بنفسك؟
هالة عبدالعزيز أصيل ماجستير في علم النفس الإرشادي أخصائية إرشاد نفسي “مراهقين وبالغين” في مجمع العيادة النفسية بالرياض، وعضو مؤسس وعامل في “جمعية زهرة لسرطان الثدي”، وأحد مؤسسي برنامج “بلوسوم” لدعم المتعافيات من سرطان الثدي، مع خبرة ثمانية أعوام في قسم علم النفس في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية الحرس الوطني، كما عملت لمدة عام في مستشفى الملك فيصل التخصصي في قسم الأورام لدعم مرضى السرطان.
كيف تحول مسارك إلى الدعم النفسي لمحاربات سرطان الثدي؟
في البداية كنت مترددة قليلا في المشاركة مع اللجنة الوطنية للتوعية عن سرطان الثدي التي تفضلت وأخبرتني بها الدكتورة سعاد بن عامر، بعد أن التقينا عام 2002، لكني أدركت أن دعم السيدات والفتيات اللواتي هن بأمسّ الحاجة إلى أياد تمسك بهن وكلمات تشد من أزرهن في وقت شدتهن سيكون من أهم انجازاتي الوطنية، ولا سيما أن والدتي، أطال الله في عمرها، مرت بمثل هذه التجربة، وبفضل الله تعالى، ومع العلاجات الطبية والدعم النفسي لوالدتي الحبيبة، أصبحت في أفضل حال، وكان لشفائها حافز قوي لي لكسر التوتر والخوف من المشاركة في اللجنة.
بفضل من الله، كنت جزءا من الفريق الذي اختير لتقديم الدعم النفسي، وبمساندة الدكتورة سعاد بن عامر استطعنا من خلال فريق متخصص ومتطوع من موظفات في الجمعية أن نحدث الفرق في رفع مستوى التوعية. وأنا فخورة لأنني جزء من هذه المنظومة الصحية التي أخذت على عاتقها التوعية بسرطان الثدي، ودعم المصابات به.
حدثينا عن برنامج “بلوسوم” المقدم من جمعية زهرة؟
جمعية زهرة تهتم بجميع فئات مرضى السرطان، فبرنامج "بلوسوم" هو الأول في العالم العربي لدعم المتعافيات من سرطان الثدي، كما أنه برنامج دعم تثقيفي - نفسي تقدمه مجموعة من الأخصائيات في الجوانب النفسية، والتغذوية، والعلاج الطبيعي والطبي"، والذي يهدف إلى تثقيف المتعافيات بالمعلومات الطبية لنمط حياة صحي، والمساعدة على تحسين جودة الحياة، واكتساب مهارات التكيف والتعامل مع الضغوط بعد التعافي من المرض.
عندما نتحدث عن محاربات سرطان الثدي، ما الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند تعامل المحيط الاجتماعي معهن؟
من المهم جدا أن نتذكر أن مرض السرطان هو مرحلة عارضة وفترة علاج، وستنتهي، بإذن الله، بعد العلاج، لذا فإن المريضة ما زالت الأم، والابنة، والأخت، والزوجة والصديقة والزميلة، فكل ما تحتاجه خلال هذه الفترة هو الاحتواء والاستماع وتقديم المساندة سواء من الناحية العاطفية أو العملية.
أين تكمن أهمية التوجه إلى العلاج النفسي أثناء الإصابة؟ وما العلاجات النفسية التي تفيد أكبر شريحة من محاربات سرطان الثدي؟
بعض المريضات أو المتعافيات قد يعانين خلال رحلة العلاج من الضغوط النفسية، وقد يشعرن بالتوتر أو الخوف من مشاعر مختلفة، وقد يصاب البعض منهن باضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة، لذا فإن الدعم النفسي والاجتماعي يساعد على التعامل مع هذه المشاعر، ويساعد على التكيف بشكل أفضل خلال مراحل العلاج المختلفة.
برأيك، كيف تدعم "جمعية زهرة" مريضات سرطان الثدي؟
من أهم أهداف “جمعية زهرة” تقديم الدعم والمساندة لمرضى سرطان الثدي وذويهم، وذلك من خلال برامج توعوية وتثقيفية ونفسية - اجتماعية وصحية، ومن هذه الخدمات برنامج الاستشارات الثانوية، برنامج سفيرات زهرة، بلوسوم للمتعافيات، زهرة أمل، والخدمات الاستشارات النفسية، وبرنامج تمكين المتعافيات وغيرها من البرامج والأنشطة التي تسهم في الدعم والتمكين.
ما البرامج النفسية التي تنصحين بالالتحاق بها أثناء العلاج؟ وما البرامج التي يجب الالتحاق فيها بعد العلاج؟
أثناء مرحلة العلاج أنصح المريضات بالتوجه إلى مكتب زهرة، لتلقي الدعم المناسب، وإرشادهن إلى البرامج المقدمة لهن ولذويهن، وهو ما يسهم في التكيف والتعايش مع المرض بأقل الأضرار النفسية، مثل برنامج زهرة أمل. وبعد مرحلة الانتهاء من العلاج هناك بضعة برامج وأنشطة تساعد على تحسين جودة الحياة، وتيسير العودة للحياة الطبيعية، مثل برنامج “بلوسوم للمتعافيات”.