مجموعة المجوهرات الراقية Carte Blanche, Ailleurs من Boucheron.. عندما يلامس الإبداع أعلى درجات الخيال
تمنح دار "بوشرون" Boucheron استوديو التصميم حرية الإبداع المطلقة في مجموعة "كارت بلانش" Carte Blanche التي تكشف عنها في يوليو من كل عام، لترتقي بالابتكار والإبداع، وتضعه في خدمة الشاعرية والمشاعر. بدأت المديرة الإبداعية "كلير شوان" Claire Choisne وفريقها العمل على مجموعة هذا العام خلال فترة الإغلاق العام، فرحلت بمخيلتها وبإبداعاتها إلى عوالم أخرى، فأنتجت مجموعة المجوهرات الراقية "كارت بلانش، آيور" Carte Blanche ,Ailleurs، أي "مكان آخر". تقول "شوان": "كما هو الحال في العديد من القصص، يبدأ الأمر بحلم "مكان آخر"، حيث كل شيء يصبح ممكنا، وتتلاشى الحدود، فتبقى الطبيعة على حالتها البدائية". ابتكرت خمسة عوالم خيالية يمكن لأي إنسان أن يجد جزءا من نفسه فيها، ولم تلتزم فيها بأي قواعد أو حدود سوى الكشف عن جمال وشاعرية الطبيعة.
الابتكار الذي نترقبه، ونتطلع إليه كل عام من دار "بوشرون"”أطل علينا هذا العام عبر استخدام مواد مفاجئة في عالم المجوهرات الراقية. وكان ذلك من مزج الماس بالحصى والخشب المحروق، ومزج الذهب بالقصب والنيازك. تطلب ذلك خبرة ومهارة حرفية بالغة وأبحاثا طويلة للتوصل إلى أساليب تسمح بصياغتها في مجوهرات راقية، لتنتج بعض أبهر ما شهدناه من مجوهرات هذا العام. مثلا استخدم في عالم "فام سابل" Femme Sable سيدة الرمال) قصب الروطان، أما في عالم "فام تير" Femme Terre) سيدة الأرض)، فاستخدم الخشب المحروق. فيما تفاجئنا بعض القطع في عالم "فام غاليه" Femme Galet (سيدة الحصى)، باستخدام الحصى المفرغة.
تميز كل عالم بأطياف ألوان معينة توحي بذلك العالم الخيالي، مثلا اكتسى عالم "فام سابل" Femme Sable (سيدة الرمال) بالبيج واللون الرملي والأشقر، فهو يدعونا إلى صحراء حالمة تقطنها حيوانات غير مألوفة، ويتآلف فيها المعدن والنبات. أما عالم "فام فوي" Femme Feuille (سيدة أوراق الشجر)، فيذكرنا بالأجواء الاستوائية، ويكتسي بالأخضر والألوان الزاهية، ويقطنه سوار "التوكان" بمنقاره المصوغ من حجر السترين، وسوار الزخرفة النباتية المرصع بحجر تورمالين أخضر عيار 37.97 قيراط وبالماس، وقد صنع تأثير الضفائر النباتية من الألمنيوم. ألوان التراب والطين البنية تقترن بأشكال عضوية ونباتية وحيوانية في عالم "فام تير" Femme Terre (سيدة الأرض)، فيما يضفي الأبيض هدوءا وشفافية على المحيط القمري وشواطئه النجمية في "فام غاليه" Femme Galet (سيدة الحصى). تنتهي المجموعة بعالم الرجل "أوم فولكان" Homme Volcan (سيد البركان) الذي يغوص في أعماق الأرض، ويستكشف القوة الصخرية، ويقترن فيها الأسود بالأبيض. في باريس التقينا بالمديرة الإبداعية "كلير شوان" التي أخذتنا في رحلة عملية إبداع هذه المجموعة الاستثنائية، ودار بيننا حوار شائق.
في كل عام تضع مجموعة "كارت بلانش" الابتكار في خدمة العاطفة، يبدو أنها في هذا العام تتساءل عن معنى ما هو ثمين. ما الذي دفعك إلى هذه المغامرة الفنية؟ وهل هي إشارة إلى "فريدريك بوشرون" الذي أدخل مواد جديدة إلى عالم المجوهرات؟
إنني محظوظة، لأنني عملت في هذه الصناعة لأكثر من 25 عاما، وفي "بوشرون" لأكثر من عشر سنوات حتى الآن. عندما أستذكر الماضي، أدرك مدى أهمية طرح الأسئلة وفهم معنى ما هو ثمين اليوم في المجوهرات الراقية، لأنني في معظم الأوقات أختلف في رأيي مع الآخرين. في هذا الزمان، يرتبط ما هو ثمين بحجم الأحجار الكريمة، وكلما زاد بريقها زادت قيمتها. بالنسبة لي، أرى أن المجوهرات الراقية هي في خدمة العاطفة والشعر، ومن واجبنا أن نتساءل عما هو ثمين. كان هدفي في مجموعة المجوهرات الراقية "كارت بلانش، آيور"Carte Blanche, Ailleurs الإشادة بجمال الطبيعة الخام، وإعادة طرح السؤال عما هو ثمين، وأردت أن أظهر أن الثمين موجود أيضا في الطبيعة، حيث أعتقد أنها أفضل مصمم في العالم. إن الطبيعة تقدم لنا ما هو ثمين، ويجب علينا أن ندركه ونراه. كما أن استخدام المواد الجديدة هو استمرار على نهج الدار. إن "فريدريك بوشرون" كان رائدا حقا في عالم الإبداع والتقنية منذ البداية في عام 1858، وكان أول من استخدم الكريستال الصخري ومزجه مع الماس، الأمر الذي كان بالغ الجرأة في زمنه. اليوم نستمر في تقليد الابتكار والجرأة من خلال الحفاظ على هذه الحرية في الإبداع.
حدثينا عن اختيارك للمواد في هذه المجموعة.
عندما أصمم، أبحث دائما عن أفضل مزيج جمالي. أختار المواد وفقا للطريقة التي تعبر فيها عن الفكرة والمشاعر وتنقلها. بالنسبة لمجموعة المجوهرات الراقية "كارت بلانش، آيور"، كان هدفي الإشادة بجمال الطبيعة الخام. استخدمنا مواد أولية مثل الحصى والأصداف وأجنحة الفراشات وقصب الروطان، لما تحمله من قيمة جمالية مهمة، وربطناها بالمواد التقليدية مثل الماس والذهب. كنا جريئين للغاية في مزج هذه المواد، الطبيعية والاصطناعية، الهشة والصلبة، الثمينة والعاديةـ مزجناها بطريقة قد تبدو متناقضة في حين ما، لتكشف عن تباين غير متوقع. مثلا بدأ تصميم عقد "روتان ديامان"Rotin Diamant باستخدام قصب الروطان، وأتى باقي التصميم بعده.
ما التحديات التي واجهتـِها في استخدام هذه المواد في قطع المجوهرات الراقية؟
كنت أعلم منذ البداية أن هذه المجموعة ستشكل تحديا كبيرا. ولكني كنت أدرك أيضا أنني محاطة بأفراد مذهلين، حيث إن حرفيي الدار فنيون أفذاد. خلافا لمجموعة "كارت بلانش، هولوغرافيك"Carte Blanche ,Holographique التي كشفنا عنها في يوليو 2021 والتي استخدمت تقنية واحدة لجميع القطع، فقد وجب علينا في مجموعة "كارت بلانش، آيور" تطوير تقنيات جديدة متعددة وتحديد مصادر لمواد جديدة لكل قطعة فيها. تتمحور المجموعة حول الابتكار والإبداع، وقد واجهنا العديد من التحديات التقنية عند صياغة القطع، نظرا لأننا نستخدم العديد من المواد الخام للمرة الأولى، فقصب الروطان مادة مرنة، لذلك كان علينا أن نجعلها صلبة كي ندخلها في القطع. أما الحصى، فقد تم تجويفها لتفادي الوزن الثقيل، فيما كان لا بد من العثور على أصداف متطابقة لأقراط أذن وبروش "جاك كوكياج" Jack Coquillage، وكان لا بد من تثبيت أصباغ أجنحة الفراشات أيضا. انتهى بنا المطاف بإيجاد حل تقني لكل من التحديات تقريبا. كانت الجائزة الكبرى عندما شهدت النتيجة النهائية للقطع التي تطابقت مع ما كنت أتخيله في الأصل. فكنت سعيدة جدا، واعتلت وجهي ابتسامة كبيرة. إنه من الطريف أنك عندما ترين القطع تنسين كل العقبات التي واجهتك، وكل الجهود والتحديات، وإنما فقط تقدرين المشاعر. شعرت بالارتياح والبهجة. كانت هذه المجموعة مليئة بالعواطف والمفاجآت.
من الملاحظ في عدد من القطع أنكم استفدتم من الابتكار الذي طوّرتموه للمجموعات السابقة. هل يمكنك إخبارنا عن هذه القطع؟ وكيف خدمكم الابتكار السابق في هذه المجموعة؟
في الواقع، كان علينا تطوير الكثير من التقنيات الجديدة لهذه المجموعة، حيث استخدمنا العديد من المواد الجديدة غير المتوقعة. إلا أننا فعلا عندما صممنا بروش "بوا ديامان"Bois Diamant لعالم "فام تير" Femme Terre أعدنا استخدام قاعدة بيانات البتلات التي تم مسحها ضوئيا لخواتم "فلور ايتيرنيل"Fleurs Eternelles عام 2018وطلبنا من الحرفيين تجسيد شكل البتلات من الخشب. إنه منحنى تعليمي، عندما تنشئين تقنيات جديدة لتحقيق حلمك، ستجدين في جعبتك مجموعة كبيرة من الأدوات التقليدية والجديدة التي يمكنك التلاعب بها.
تشتهر "بوشرون" بأسلوبها الفريد في تصوير الحيوانات. كيف أردت أن تقدميها في هذه المجموعة؟
نظرا لأن هذه المجموعة تتكون من خمسة عوالم خيالية لا تحدها أي قيود جغرافية أو إبداعية، حيث تقدم كل منها جوا وأحاسيس مختلفة، فقد تخيلت حيوانات تتطابق مع كل منها. عالم "فام غاليه" Femme Galet (سيدة الحصى) مثلا تخيلته على شاطئ أبيض، ولذلك دعوت إليه فيلين ودبا قطبيا. قد يبدو أمرا غير عادي للوهلة الأولى، إلا أن تلك الحيوانات مرتبطة بألوانها وبشخصيتها الهادئة والبطيئة. إنني حقا أحب خاتم "ماغباي" Magpie لأنه بإمكانك رؤية رأس الطير من خلال الكريستال الصخري، وهذا أمر جنوني! كما أن خاتم "غزال" Gazelle مصوغ بشكل بديع. تكمن كل الصعوبة في صياغة عيون الحيوان لتجعلها تشابه الحيوانات الحية.
أخبرينا عن عقد "روتان ديامان"Rotin Diamant الذي يدخل في صياغته قصب الروطان؟
بدأت أفكر في أجواء عالم "فام سابل" Femme Sable (سيدة الرمال)، وأردت مادة خاما تنقلنا إلى صحراء ناعمة تشبه الحلم. اعتقدت أن الروطان الممزوج بالماس سيبدو جميلا جدا على البشرة. إلا أن العمل مع الروطان شكل تحديا كبيرا، لكن النتيجة النهائية استحقت كل الجهد الذي بذلناه. وكما تعلمين اعتدنا في عالم المجوهرات على العمل باستخدام المواد الصلبة، مثل المعادن وجعلها مرنة. ولكن مع مادة مرنة في طبيعتها مثل الروطان، لم يكن لدى الحرفيين أي فكرة عن كيفية التعامل معها. أما ما أنقذنا، فكان أن حرفيي الدار متمرسون ومتميزون ولم يتوقفوا عن تجربة الحلول المختلفة رغم فشلها في البداية. فأجروا التجارب العديدة للتوصل إلى أساليب تسمح بتشكيلها، إلى أن توصلوا في النهاية الى طريقة ترطب المادة، ثم وجدوا حلا لحمايتها من العطور والماكياج. النتيجة النهائية حقا لا تصدق، وأنا أجد أن هذه القطعة مذهلة.
تبدو القطع ثقيلة الوزن، لكنها في الواقع خفيفة للغاية، مثل بروش الكتف والعقد المرصع بالحصى. كيف حققتم الخفة لهاتين القطعتين؟
بالنسبة لبروش الكتف "بوا ديامان" Bois Diamant، تم تحديد حجم كل بتلة بواسطة الآلة في كتلة من خشب "سانتوس روز وود"، ثم تم صقلها باليد قبل تجميعها لإنشاء هذه القطعة. كمن التحدي فيها في إعادة إنتاج تفاصيل البتلات في الخشب، من حيث دقة البتلات وخفتها وملمسها المجعد وحوافها غير المنتظمة. ولمزيد من الواقعية، استخدمنا خيوط التيتانيوم الرقيقة جدا، التي يبلغ سمكها سمك الشعرة، لتمثيل مدقات الزهرة. أما بالنسبة لعقد "غاليه ديامان" Galet Diamant، فكان على الحرفيين تجويف الحصى، وبذلك طوّروا أدوات مخصصة لتلك المهمة. لا يمكن أن أنسى الأيام الطويلة التي جهدوا فيها بحفر كل حصاة وتجويفها وتخفيف وزنها، واحدة تلو الأخرى. ولتخفيف وزن الحصى، تم تجويف الجزء الخلفي من جميعها وتفريغها. وفي النهاية بلغت سماكة كل حصاة 1.5 مليمتر، وقد نتجت عن هذه العملية مفاجأة جميلة لنا، وهي أن تفريغ الحصى أعطاها مظهرا لامعا.
قد تكون البراعة في صناعة المجوهرات أحيانا من خلال إنشاء قطع تكون صياغتها بالغة التعقيد، لكنها تبدو كأنها لم تتضمن أي تحدٍّ تقني. هل برأيك هناك قطعة في هذه المجموعة تجسد هذه الفكرة؟
نعم، جوهرة الرأس "كوراي ديامان"Corail Diamant التي يمكن تحويلها إلى بروش. فهي تبدو كما لو أننا التقطنا غصنا مرجانيا في جزيرة مهجورة، واخترنا أن نزين به شعرنا. اعتزمنا إنشاء قطعة مخلصة للطبيعة من حيث التصميم والحجم. لذا، وحتى إن صيغت باستخدام التقنيات التقليدية لصناعة المجوهرات، فهي تمثل التحدي في نحت عرق اللؤلؤ باستخدام أرقى التقنيات كي نجعلها ناعمة ورقيقة كالشعاب المرجانية الحقيقية. وفي النهاية كانت القطعة عبارة عن تطعيم بعرق اللؤلؤ، وقد رصعت بأكثر من ألفي ماسة.