"سيدتي الجميلة" التي أغضبت جولي أندروز وأحزنت أودري هيبورن وأعادت اكتشاف شويكار!
كتب الشاعر الروماني "أوفيد" قصيدة سردية تتناول أسطورة إغريقية، عن نحات بارع يُدعى "بيجماليون"، وبسبب إنتشار المجون والإبتذال كره النساء بشدة، وذات يوم صنع تمثالاً من العاج يصور امرأة جميلة ومثالية، وأطلق على التمثال اسم "جالاتيا"، ووقع في حب التمثال، وبدأ يُزينه بالمجوهرات والملابس الفاخرة، ودعا إلهة الحب "أفروديت" أن تدب الحياة في التمثال، وتحققت أمنيته، وبدأ تعليم جالاتيا السلوك البشري بصفات نبيلة ومثالية، ثم تزوجها وأنجب منها إبنة دعاها "بافوس".
البطلة تُصاب بالجنون!
ألهمت أسطورة "بيجماليون" العديد من الشعراء والنحاتين والأدباء وصُناع السينما، وقد كتب الأديب المصري "توفيق الحكيم" مسرحيته (بيجماليون) عام 1942 من وحى الأسطورة، وزاد على حبكة "أوفيد" صراعاً فلسفياً حول حيرة النحات بين مثالية العمل الفني وفجاجة الواقع، فقد رأى "جالاتيا" التمثال أفضل من "جالاتيا" البشرية، وفي النهاية يدعو الآلهة لتعود تمثالاً جميلاً مثالياً لا ينطق.
قبل "توفيق الحكيم" كتب الأديب الإنجليزي "جورج برنارد شو" مسرحيته (بيجماليون)، وهى رؤية عصرية من وحى الأسطورة الإغريقية، وتحكي عن البروفيسور هنري هيجينز، عالم الصوتيات الإنجليزي، الذي يعيش في القرن التاسع عشر، في حقبة غنية بالتطورات الصناعية والثقافية، ويقبل تحدي أحد أصدقائه؛ وهو تدريب بائعة الورد إيليزا دوليتل، وتحويلها من فتاة سوقية إلى سيدة مجتمع، تتحدث وتتصرف كفتاة من الطبقة الراقية.
عرض "شو" مسرحيته على ممثلة المسرح الإنجليزية المشهورة "باتريك كامبل"، وذلك في عام 1912، وقد تحمست لأداء دور إيليزا دوليتل، ولكن أثناء التحضير تُصاب بإنهيار عصبي، ويتوقف إنتاج المسرحية، ولكن بعد ترجمتها للألمانية تم إنتاجها وعرضها باللغة الألمانية لأول مرة في فيينا عام 1913.
بعد تعافي "باتريك كامبل" عام 1914 بدأت الإستعدادات لتقديم المسرحية للمرة الأولى باللغة الإنجليزية، وقد أشرف "شو" بنفسه على توجيه الممثلين؛ وكانت بروفات المسرحية صاخبة للغاية؛ إذ إنسحب عدد من الممثلين احتجاجاُ على أسلوب "شو"، ولكن المسرحية حققت نجاحاً كبيراً وعُرضت 118 ليلة.
من برودواى إلى هوليوود!
الأمر المثير أن "شو" كان يرى أن المسرحية ستظهر بشكل أفضل لو تم تقديمها في السينما؛ نظراً لصعوبة تنفيذ بعض المشاهد على خشبة المسرح، ومنها مشاهد تحتاج أجهزة تقنية معقدة، وقد تم إقتباس المسرحية عدة مرات في أفلام ألمانية وبريطانية خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، لكن يظل فيلم My Fair Lady الذي أنتجته شركة وارنر عام 1964 وأخرجه "جورج كوكور" وشارك في بطولته "ريكس هاريسون" و"أودري هيبورن" هو النسخة السينمائية الأشهر عن مسرحية "شو" المُلهمة.
كان المتوقع أن تُسند بطولة الفيلم إلى "ريكس هاريسون" و"جولي أندروز"؛ فقد قدما مسرحية برودواى الموسيقية المشهورة بنجاح كبير، ولكن شركة وارنر رأت أن "جولي أندروز" غير مشهورة في مجال السينما (وقتها)، ورشحت "أودري هيبورن" لدور إليزا، وقد سعيت كلا من "إليزابيث تايلور" و"شيرلي ماكلين" للحصول على الدور، وعلى جانب أخر شعرت "جولي أندروز" بغضب شديد؛ فلم تتوقع إستبعادها من أداء شخصية قدمتها بنجاح ساحق على المسرح.
من ناحية أخرى بدا "ريكس هاريسون" (56 عاماً وقت إنتاج الفيلم) أكبر سناً أمام "أودري هيبورن" التي تؤدي دور فتاة عمرها 21 عاماً، وهذا سيجعل قصة حبهما على الشاشة غير مقنعة، ويبدو أن وارنر تأثرت بصورة "ريكس هاريسون" في دور يوليوس قيصر في فيلم "Cleopatra" "كليوباترا"؛ فسارع "هاريسون" بإرسال صور حديثة له تؤكد أنه في الحقيقة ليس عجوزاً كما ظهر في الفيلم.
دوبلاج أودري هيبورن!
وقعت "أودري هيبورن" على عقد الفيلم، على أن تقوم بالغناء والتمثيل، ولكن "ريكس هاريسون" كان يريد "جولي أندروز" بطلة أمامه، وظن أن "هيبورن" التي قضت معظم حياتها في أوساط مرفهة غير ملائمة للدور؛ وأمام تردده بدأت شركة وارنر في التفكير في ترشيحات أخرى، وكان الممثل البريطاني "بيتر سيلرز" أحدها، ويليه "بيتر أوتول" الذي كان قد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم "Lawrence of Arabia" "لورانس العرب"، ثم تم عرض الدور على الممثل "كاري جرانت" الذي رفض؛ لأنه -حسب تبريره الساخر- لا يصلح كبروفيسور علم الصوتيات؛ ولكنته أقرب لبائعة الورد إليزا.
قامت "أودري هيبورن" بالتدرب على أغاني الفيلم، ولكن تم إخبارها أن صوتها لا يصلح لأداء الأغنيات، وستقوم مغنية أخرى بأداء الأغنيات؛ وشعرت بإستياء وغضب وغادرت موقع التصوير، وفي اليوم التالي عادت وإعتذرت للجميع عن تصرفها، ورغم ذلك ظلت تشعر بمرارة، وربما أرجعت إستبعادها من الترشح للأوسكار سببه أن جزء أداء شخصية إليزا تؤديه مغنية أخرى هى "مارني نيكسون".
من الناحية الفنية "أودري هيبورن" تملك صوتاً مُعبراً وتجيد الغناء، ولكن طبقة صوتها لا تصل إلى طبقة الصوت الحادة الملائمة لأداء إليزا في بعض الأغنيات.
حصل الفيلم على 12 ترشيح للأوسكار، لم يكن من بينها ترشيح "أودري هيبورن" لجائزة التمثيل، ورغم إحباطها وافقت على حضور الحفل لتقديم جائزة أفضل ممثل إلى "ريكس هاريسون" عن دور البروفيسور هيجينز، وفي نفس الحفلة حصلت "جولى أندروز" على تعويضها، ونالت أوسكار أفضل ممثلة عن بطولة فيلم "والت ديزني" الشهير "Mary Poppins" "ماري بوبينز".
من إليزا إلى صدفة بعطشي!
أشهر المعالجات العربية لأسطورة بيجماليون هى مسرحية "سيدتي الجميلة"، إنتاج عام 1969، بطولة "فؤاد المهندس" و"شويكار"، وقام بتمصيرها "بهجت قمر" و"سمير خفاجي"، وغالباً كان التمصير مُتأثراً بالفيلم، وكانت "شويكار" هى مفاجأة العمل؛ فقد اعتادت تقديم دور الفتاة المُدللة الأرستقراطية، وملامحها كانت تؤهلها لذلك، وكانت مُغامرة كبيرة أن تُجسد دور صدفة، الفتاة النشالة السوقية، التي يقوم خبير الإتيكيت كمال بك يترويضها وتعليمها سلوك سيدات الطبقة الراقية.
كشف تألق "شويكار" في هذا الدور أنها قادرة على تجسيد نوعيات مختلفة من الشخصيات، ورغمت أنها إستمرت في تقديم دور الفتاة الدلوعة، لكنها قدمت أيضاً أدوار السيدة الشعبية في أعمال مثل "الكرنك" والكداب" و"الجبان والحب"، والعالمة في "درب الهوى"، وأوسة الراقصة الشعبية في مسرحية "إنها حقاً عائلة محترمة"، وكان دور أم إبراهيم توشكى، السيدة الشعبية البسيطة أخر أدوارها في السينما عام 2010 في فيلم "كلمني شكراً".
الصور من تريلر الفيلم