عروض مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2022..المرأة "ضحية" النزاعات والحروب في ثلاثة أفلام
بالتأكيد لا يمكن عزل الرجل عن المرأة عندما يتعرض أي مجتمع لنزاعات أو حروب، لكن العبء الواقع على المرأة يختلف بالتأكيد خصوصا كلما كانت نظرة المجتمع "عنصرية"، غير أن الملاحظة الأهم التي وثقتها عروض البحر الأحمر السينمائي الدولي أن تلك الإشكالية عالمية ومرتبطة بالموروث في العديد من المجتمعات أي إنها ليست عربية ولا إفريقية فقط بل وعابرة للأزمان أيضا وهو ما تؤكد ثلاثة أفلام عرضها المهرجان من إندونيسيا وفلسطين ولبنان .
في الفيلم الإندونيسي "سابقا،الآن ولاحقا" للمخرجة كاميلا أنديني تدور الأحداث في منتصف القرن العشرين حيث تتعرض البلاد لنزاعات أهلية بعد جلاء الإحتلال الهولندي وتفقد "نانا" – جسدتها هابي سلمى- الفتاة الجميلة الفقيرة زوجها العامل في جهاز الشرطة، تهرب عبر الغابات مع ابنها الرضيع وترضخ في النهاية لطلب تاجر كبير في الزواج منها وهو يعرف أن مصير زوجها مازال مجهولا، نرى "نانا" مع زوجها الجديد الذي يكبرها بعدة سنوات في أول مشهد وهو تصبغ له شعره في إشارة لوجودها في حياته كمصدر لتجديد الشباب، ورغم انجابها ثلاثة أطفال منه بعد وفاة الرضيع، لكننا نراها طوال الوقت تشعر بأن حياتها تفتقد شيئا أساسيا، تتوالي الأحداث بدخول شابة في حياة "نانا" تجعلها تنطلق لفترة قبل أن يظهر الزوج المختفي ويبدي التاجر العجوز استعداده لأن تعود "نانا" لزوجها الأول إذا أرادت، يعيش الجمهور لفترة شعور الحيرة مع بطلة الفيلم الإندونيسي لكن الظلال الملقاة خلف القصة برمتها هو كيف تغير النزاعات السياسية بين الفصائل المختلفة حياة أي إنسان بسيط لا يملك حرية التحكم في اختياراته وعندما تأتيه الفرصة بعد فوات السنين يجد نفسه مثل "نانا" في جلسة يسألون فيها الأطفال الثلاثة هل تعيش مع والدك أم والدتك أم العم، ولا يختار الأطفال أمهم العائدة إلى ماضيها الفقير والبسيط.
من إندونيسيا إلى لبنان، فيلم المخرج وسام شرف "حديد نحاس بطاريات" لا يقوم على علاقة حب نادرة وغير معتادة تجمع بين لاجئ سوري وخادمة إثيوبية، الفيلم رغم الرمزية غير المباشرة التي يحملها حيث "اللجوء" هو القاسم المشترك بين القلبين، لم ينظر أحدهما للون بشرة الأخر وإنما طلبا الحماية من بعضهم البعض، يعمل اللاجئ السوري في مجال جمع المقتنيات المستعملة "روبابكيا" في إشارة لكونهم مع رفاقه أصبحوا أيضا "بشر مستعملين" فيما الخادمة محبوبة من الأسرة التي تعيش فيها لكن بمجرد أن حاولت اختلاس لحظات حب مع صديقها في منزل المخدوم اللبناني انقلب الوضع تماما وباتت غير مرغوبة فيها، المطلوب أن تخدمهم وحسب ولا شئ أكثر من ذلك سوى المعاملة الطيبة، لا ينظر باقي الأبطال إلى اللاجئ السوري أو الفتاة الإثيوبية كبشر لهم مشاعر بل مطلوب منهما التعامل ككائنات مهمتها فقط البقاء على قيد الحياة، حتى رفاق اللاجئ لا يحترمون قصة حبه ويعتبرونها علاقة عابرة لكن "أحمد" –زياد جلاد - يتمسك بـ"مهدية" – كلارا كوتور- حتى النهاية التي عابها مبالغة المخرج في استخدام إصابة "أحمد" ببقايا قنبلة دخلت جوا جسده ولم تخرج، حيث تحول ذراعه لاحقا إلى "ذراع حديدي" استخدمه في الانتقام من البعض قبل أن يسقط الذراع أرضا ويسند أحمد ذراعه الثاني على مهدية في رحلة جديدة إلى المجهول.
نظرة المجتمع إلى "مهدية" وكأنها ماكينة بلا قلب حتى من سيدات مثلها، نجدها بشكل آخر في فيلم باسل خليل "نهاية الأسبوع في غزة" الذي عرض ضمن برنامج "مختارات عالمية" حيث أكثر من سيدة من خلفيات مختلفة وكيف تتغير النظرة حسب موقف كل منهما، أجمل ما في هذا الفيلم أنه قدم القضية الفلسطينية من زاوية "ضع نفسك مكاني" دون السقوط في أي إكليشيهات معتادة عن ما يجري في الأرض المتحدة، الفيلم يبدأ بعدم قدرة صحفي إنجليزي وصديقته على الخروج من الدولة بسبب الاغلاق المفاجئ مع بدء جائحة كورونا، يقنعه صديق بأنه يمكن الهروب عبر غزة، ومنها إلى مصر عبر نفق حدودي، "وليد" الشاب الفلسطيني الذي يعاني ماديا يقرر المغامرة مع صديقه "عماد" ويجريان اتفاقا تفسده بالطبع مواقف متناقضة كثيرة، يضطر الصحفي وصديقته للاقامة في منزل وليد وزوجته قرابة يومين، هنا نرى كيف تنظر كل سيدة إلى الأخرى، وكيف تتمسك كل واحدة فيهما في البداية بموروثها الثقافي قبل أن تجمعهما معاناة واحدة، رغبة الزوجة الفلسطينية في مساعدة زوجها للخروج من مأزق تهريب الصحفي وصديقته، ورغبة الفتاة صديقة الصحفي في الهروب من غزة قبل القبض عليهما، لكن المعاناة لا تأتي من رجال الأمن المتحفظين فقط، والذين انتقدهم باسل خليل بشكل غير مباشر حيث يتشددون مع أهل القطاع ويفشلون في مهام أكبر، لكن أيضا كيف تنظر السيدات في نفس الحي لبعضهم البعض، المجتمعات المختنقة تعاني إذن من تبادل الاتهامات وتأليف الشائعات لقتل الوقت ومقاومة الملل، والمرأة هي الضحية طالما استمرت النزاعات والحروب واللجوء من بلد لأخرى.