سرطان الثدي ثلاثي السلبية.. يصيب أكثر النساء ذوات الطفرات الجينية
يُعرف سرطان الثدي على أنه أحد أنواع السرطانات التي تنشأ نتيجة تضاعف خلايا مُعينة في الثدي بشكل غير طبيعي وغير مُسيطر عليه، ويُسفر عن ذلك نمو ورم في الثدي. ولحسن الحظ، فإن معظم الكتل التي تنمو في الثدي عبارةٌ عن كتل حميدة غير سرطانية؛ إلا أنه يُنصح بمراجعة الطبيب في أقرب فرصة ممكنة عند ملاحظة أية تغيرات في الثدي، وذلك لإجراء الفحوصات اللازمة.
على الرغم من أن سرطان الثدي يُعد شائعاً أكثر بين النساء، إلا أنه يصيب الأفراد ذكورًا وإناثًا. ويُعد سرطان الثدي الذي يبدأ نموه في الخلايا المُبطَنة لقنوات الحليب الذي يُطلق عليه اسم السرطان القنوي، أحد أكثر أنواع سرطان الثدي شيوعًا بين كلا الجنسين؛ أما السرطان الذي يبدأ نموه وتطوره في الغدد المُنتجة للحليب، والذي يُعرف بإسم السرطان الغدي أو المفصَّص، فغالباً ما يصيب النساء على وجه التحديد ونادراً ما يصيب الرجال، ويُعزى ذلك إلى قلة أو انعدام كمية النسيج الغدي أو الفصيصي عند معظم الرجال.
إن لتحديد نوع سرطان الثدي أهميةٌ في معرفة سلوك السرطان ونهج العلاج الأنسب لحالة الشخص.
تطلعنا الدكتورة زهراء الحلي، جرَاحة الثدي في عيادة كليفلاند كلينك، في موضوعنا اليوم على كافة المعلومات المتعلقة بسرطان الثدي ثلاثي السلبية وهو من الأنواع الأقل شيوعًا من سرطانات الثدي، كما تُعلَق على لقاح سرطان الثدي ثلاثي السلبية الجاري العمل عليه من قبل مستشفى كليفلاند حاليًا.
ما هو سرطان الثدي ثلاثي السلبية، ولماذا يُطلق عليه هذا الإسم
هناك عدة أنواع لمرض سرطان الثدي، ويتم تحديد النوع من خلال فحص مُستقبلات خلايا سرطان الثدي تحت المجهر. وعند تصنيف مرحلة سرطان الثدي، يُراعي الأطباء المُستقبلات الثلاثة التي توجد على جدار الخلايا السرطانية وهي مُستقبلات الإستروجين ومُستقبلات البروجسترون ومُستقبِل يسمى HER2. وتُعد مُستقبلات الإستروجين والبروجسترون، إذا كانت إيجابية، حساسة للهرمونات الأنثوية التي تحدث بشكل طبيعي مثل الإستروجين والبروجسترون. ويُشكل وجود مُستقبٍل هرمون إيجابي مؤشرًا على أن العلاج بهرمون مضاد للإستروجين يمكن أن يعيق نمو الورم السرطاني.
ويُمثل سرطان الثدي ثلاثي السلبية حوالي 10-15٪ من جميع أنواع مرض سرطان الثدي. ويتصف هذا النوع من سرطان الثدي بسلبية المُستقبلات الثلاث الإستروجين والبروجسترون وكذلك مُستقبل عامل نمو البشرة البشري 2 (HER2). وتميل أنواع سرطان الثدي ثلاثية السلبية إلى أن تكون أكثر عدوانيةً، وتنمو بوتيرة أسرع ويصعب علاجها؛ لأنها لا تستجيب للعلاج بهرمون الإستروجين المضاد أو العلاج المُوجَه HER2. ويتم عادةً علاج هذا النوع من مرض سرطان الثدي بشكل أساسي بالعلاج الكيميائي بالإضافة إلى الجراحة والعلاج الإشعاعي إذا لزم الأمر. كما أن هذا النوع من سرطان الثدي هو أكثر عرضةً للعودة للظهور بعد العلاج مقارنةً بأنواع أخرى من سرطان الثدي.
ما هي أسباب وعوامل الخطر المرتبطة بسرطان الثدي
هناك عدد من عوامل الخطر المرتبطة بمرض سرطان الثدي بما في ذلك التقدم بالسن، التاريخ الشخصي والعائلي لسرطان الثدي، الخزعات السابقة للثدي والتي تُظهر وجود آفات عالية الخطورة (تضخمٌ غير نمطي أو سرطان فُصيصي موضعي) أو التعرض للعلاج الإشعاعي للصدر.
وتشمل العوامل الأخرى:
- الحيض المبكر أو انقطاع الطمث المتأخر.
- ارتفاع مؤشر كتلة الجسم.
- التدخين وشرب الكحول.
ومن المهم بالنسبة للنساء اللواتي لديهن عوامل الخطر هذه مناقشتها مع الطبيب. ويجب على الأفراد الذين يتم تحديدهم على أنهم معرّضون لخطر الإصابة بمرض سرطان الثدي، إجراء الفحوصات اللازمة بشكل منتظم.
ما علاقة سرطان الثدي ثلاثي السلبية بالطفرات الجينية BRCA1 و BRCA2
يمكن للطفرات الجينية المرتبطة بسرطان الثدي أن تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بمرض سرطان الثدي ثلاثي السلبية، إضافة إلى الإصابة بأنواع أخرى من سرطان الثدي. ومن المُرجح أن تكون أنواع سرطان الثدي المرتبطة بالطفرات الجينية BRCA، ولا سيّما الطفرة الجينية BRCA 1، عبارة عن سرطان الثدي ثلاثي السلبية بنسبة (70-80٪).
من النساء الأكثر عرضةً للإصابة بسرطان الثدي ثلاثي السلبية
عادةً ما تميل الإصابات المرتبطة بسرطان الثدي ثلاثي السلبية للحدوث في كثير من الأحيان لدى النساء الأصغر سناً، والنساء المُصابات بطفرة جينية BRCA1 والنساء ذوات البشرة السمراء أو الأمريكيات من أصل أفريقي، كما هو موضح في دراسات من الولايات المتحدة.
ومن المهم أن نلاحظ أن حوالي 10-15٪ من أمراض سرطان الثدي وراثية؛ ومع ذلك، في حالة الإصابة بمرض سرطان الثدي ثلاثي السلبية، تكون الطفرة الجينية الموروثة أكثر شيوعاً حتى لو لم يكن هناك تاريخ مرضي بسرطان الثدي في الأسرة. ولهذا السبب نوصي بالاستشارات والإختبارات الوراثية للمرضى المصابين بسرطان الثدي ثلاثي السلبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحديد وجود طفرة جينية يمكن أن يساعد في اتخاذ القرار المناسب للعلاج، حيث توجد علاجات محددة (من العلاج الكيميائي) أثبتت أنها مفيدة لدى بعض مجموعات المرضى.
ما معدلات الوفيات والشفاء من سرطان الثدي ثلاثي السلبية، وهل هناك إمكانية لتكرار الإصابة بعد الشفاء
عندما لا تكون الخلايا السرطانية قد انتشرت بعد إلى مواقع أخرى في الجسم، تكون الجراحة إحدى طرق العلاج الرئيسة. وغالباً ما يتم اللجوء إلى العلاج الكيميائي لتقليص حجم الورم قبل الجراحة، وفي بعض الحالات قد يشمل ذلك العلاجات المناعية الأحدث بالإضافة إلى العلاج الكيميائي. وإذا لم يتم اللجوء إلى العلاج الكيميائي قبل الجراحة، فقد يتم إعطاؤه للمريض بعد الجراحة.
والهدف من العلاج الكيميائي هو تقليل فرص عودة نمو الخلايا السرطانية؛ كما أن العلاج الإشعاعي هو علاج آخر لسرطان الثدي، والتوصية بذلك تعتمد على نوع الجراحة ومدى انتشار الورم، وما إذا كان قد انتشر إلى الغدد الليمفاوية أم لا.
وبالنسبة للنساء اللواتي يتم تشخيص إصابتهنَ بسرطان الثدي مبكّراً، فإن لديهن معدلات أعلى للنجاة من المرض مقارنةً بالنساء اللواتي انتشر لديهن المرض إلى العقد الليمفاوية أو أجزاء أخرى من الجسم؛ لهذا فإن الاكتشاف المبكر للمرض واتخاذ تدابير الوقاية مسائل مهمة للغاية. ورغم أن المعدلات الإجمالية للإصابة بمرض سرطان الثدي ثلاثي السلبية أقل مقارنةً بأنواع سرطان الثدي الأخرى، إلا أنه مرتبطٌ بنسبة أعلى بتسببه بالوفيات الناتجة عن سرطان الثدي.
وفيما يتعلق بتكرار الإصابة بسرطان الثدي بعد الشفاء، فبالنسبة للنساء المصابات بسرطان الثدي ثلاثي السلبية، فإن خطر تكرار الإصابة به يكون أعلى في السنوات الخمس الأولى بعد التشخيص.
كيف يمكن الوقاية من مرض سرطان الثدي ثلاثي السلبية، من خلال أنماط الحياة، على سبيل المثال
من المهم للغاية بالنسبة للنساء (والرجال) مراقبة أي تغيرات في منطقة الثدي أو الإبط مثل وجود كتل أو تغيرات في الجلد وإفرازات الحلمة؛ ويتم ذلك من خلال الفحص الذاتي للثدي. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن يكون الشخص على دراية بالتاريخ المرضي العائلي وعوامل الخطر الأخرى. ويمكن أن يسمح إجراء تقييم لخطر الإصابة بمرض سرطان الثدي بإجراء المزيد من الفحوصات المكثّفة إذا كان ذلك مناسباً، فضلاً على الاستفادة من خيار الاستشارات والاختبارات الجينية إذا لزم الأمر.
وبالإضافة إلى ضرورة الوعي حول التغيرات في منطقة الثدي، فإن الأشياء التي يمكن للمرء القيام بها لتقليل مخاطر الإصابة بسرطان الثدي هي الحفاظ على نمط حياة صحي من خلال ممارسة النشاط البدني، وتناول الطعام باعتدال والحفاظ على وزن صحي. وتشمل التعديلات الأخرى في نمط الحياة الإقلاع عن التدخين وتقليل شرب الكحول.
ما تعليقك على كيفية قدرة اللقاح - بمجرد الموافقة عليه مستقبلاً - على مساعدة النساء على الوقاية من سرطان الثدي ثلاثي السلبية. وهل سيتم إعطاؤه لجميع النساء
إن الهدف من لقاح سرطان الثدي هو أن يتم إعطاؤه للأفراد غير المُصابين بالسرطان، لمنع إصابتهم بهذا النوع العدواني من سرطان الثدي. ويعتمد اللقاح على أبحاث ما قبل السريرية، وقد بدأ العمل عليه تحت إشراف الدكتور الراحل فينسينت توهي، اختصاصي المناعة في معهد ليرنر للأبحاث التابع لكليفلاند كلينك.
ويستهدف اللقاح التجريبي بروتين الرضاعة في الثدي المسمّى ألفا - لاكتالبومين الذي ينعدم وجوده بعد الإرضاع في الأنسجة العادية المتقدمة في السنّ؛ وقد ثبت وجوده في غالبية أمراض سرطان الثدي ثلاثية السلبية. وقد تمَ تطوير اللقاح للسماح لجهاز المناعة بالسيطرة على الورم ومنع نموه. وإذا تمكنا من إثبات نجاح هذا الإجراء كوسيلة للوقاية من سرطان الثدي، فقد يساعدنا ذلك في تطوير علاجات ولقاحات أكثر استهدافاً لأنواع أخرى من مرض السرطان.
ما هو لقاح سرطان الثدي ثلاثي السلبية
أطلق باحثون من مستشفسى كليفلاند كلينك، الخطوة التالية في دراستهم الجديدة للقاح يهدف إلى الوقاية من سرطان الثدي الثلاثي السلبية، الذي يُعدّ الشكل الأكثر عدوانية وفتكًا للمرض.
وسوف تسجل المرحلة 1 ب الجديدة من الدراسة، الأفراد غير المُصابين بسرطان الثدي والمُعرَضين لخطر كبير للإصابة بالمرض، والذين قرروا الخضوع طواعية للاستئصال الوقائي للثدي لتقليل الخطر.
عادةً ما يحمل الأفراد في هذه الفئة طفرات جينية تعرضهم لخطر الإصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبية أو تكون لديهم أخطارٌ عائلية عالية للإصابة بهذا النوع الفتّاك من المرض. ومن المقرّر للدراسة، التي تُجرى في المقرّ الرئيس لكليفلاند كلينك الواقع في ولاية أوهايو الأمريكية، أن تُقيّم السلامة وتراقب الإستجابة المناعية.
وسوف تشمل الدراسة الجديدة ما بين 6 مرضى و12 مريضًا، ومن المتوقع أن تكتمل بحلول نهاية العام الجاري 2023؛ ومن المقرّر أن يتلقى المشاركون فيها ثلاثة تطعيمات تفصل بين كل منها مدة أسبوعين، فيما سيخضعون لمراقبة دقيقة للآثار الجانبية والاستجابة المناعية.
ويأتي إطلاق المرحلة 1 ب من التجربة السريرية، التي تُقام بالشراكة مع شركة "أنيكسا بيوساينسز"، مع استمرار إجراء المرحلة 1 أ من الدراسة، والتي كانت أُطلقت في العام 2021، ويُتوقع أن تكتمل في الربع الرابع من العام الجاري. وتشمل تجربة المرحلة 1 أ المرضى الذين أكملوا علاجهم لسرطان الثدي الثلاثي السلبية في مراحله المبكرة خلال السنوات الثلاث الماضية، وباتوا خالين من الأورام ولكن مُعرضين لخطر تكرار الإصابة.
وقال الدكتور جي توماس بد، من معهد توسيغ للسرطان التابع لكليفلاند كلينك، والباحث الرئيس في الدراسة، إن سرطان الثدي السلبي الثلاثي "أقلّ أنواع هذا المرض قابليةً للعلاج"، مُعربًا عن الأمل في أن يصبح اللقاح الوقائي حقيقةً واقعة لحماية النساء من الإصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبية.
وثمّة حاجة ملحّة، بحسب الدكتور بد، لتحسين العلاجات المتاحة لسرطان الثدي الثلاثي السلبية، الذي لا يتمتع بخصائص بيولوجية تجعله يستجيب للعلاجات الهرمونية أو المُوجّهة؛ وبالرغم من أنه لا يُمثَل سوى ما بين 12 و15% من جميع أمراض سرطان الثدي، إلا أنه يُسبَب الوفاة بنسبة أعلى لا تتناسب مع مدى انتشاره، كما أن معدل تكراره أعلى من معدل تكرار غيره من أشكال المرض.
يعتمد اللقاح على أبحاث قادها الراحل الدكتور فينسينت توهي، الذي كان رئيس كرسي مورت وآيريس نوفمبر للتميّز في أبحاث سرطان الثدي المبتكرة في معهد ليرنر للأبحاث في كليفلاند كلينك. وقد أسفرت خبرته الممتدة لعقود طويلة من الريادة البحثية عن تطوير هذا اللقاح التجريبي.
وانتهى الدكتور بد إلى القول: "كان الدكتور توهي يأمل في أن يثبت هذا اللقاح قدرة التحصين المناعي باعتباره طريقةً مبتكرة لمنع الإصابة بسرطان الثدي، وأن يظهر نهجٌ مشابه يمكن تطبيقه يومًا ما على أنواع أخرى من الأورام الخبيثة."