"A Man Called Otto". إعادة لا تُضيف جديداً للأصل السويدي وهانكس و ماريانا تريفينو أفضل عناصر الفيلم!
سبع سنوات تفصل بين عرض الفيلم السويدي A Man Called Ove "رجل يدعى أوفا" عام 2015، وعرض الفيلم الأمريكي A Man Called Otto "رجل يُدعى أوتو" عام 2022، والفيلم السويدي مأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتب السويدي "فريدريك بكمان"، وأخرجه "هان هولم" وجسد شخصية أوفا الممثل "رولف راسجارد"، وقدم صورة ميلودرامية لا تخلو من الحس الساخر لرجل أرمل وحيد ضجر متبرم، يقضي أغلب يومه في تفقد النظام داخل المُجمع السكني الذي يعيش فيه، وقد حظى الفيلم بشعبية جماهيرية داخل وخارج السويد، وحظى أيضاً بترشيحين للأوسكار، في حين حظيت النسخة الامريكية بتوم هانكس وإيرادات جيدة في شباك التذاكر.
حِكاية رجل يكره الجميع!
يقول الفيلم أن أوتو (توم هانكس) رجل لا يكره العالم، لكنه يكره من يفسدونه، وعلى أفيش الفيلم جملة تقول "الوقوع في غرام أكثر الرجال غضباً في أمريكا"، وهذه الإعلانات تُعلن دون حياد تعاطفاً مُسبقاً مع البطل، وتُصادر على رد فعل المُتفرج على الشخصية الدرامية؛ ففي النهاية بطل الفيلم هو "توم هانكس"، الرجل والممثل اللطيف المحبوب، ومهما بدت شخصيته الدرامية غير لطيفة فهناك توقع مضمون أنه سيعود حتماً من عالم الجهامة والغضب إلى عالم اللطف المعهود.
شخصية أوتو لا تنكشف للمتفرج تماماً في مشاهد الحاضر؛ وهى المشاهد التي تقدمه كعجوز مُتبرم أناني لا يقبل بالعيوب البشرية، رجل نكد غاضب يُراقب المُجمع السكني الذي يعيش فيه، ويطارد جيرانه بملاحظاته اللاذعة وتقريعه الدائم، شخص يعيش عبداً للقواعد والقوانين، ولا يتهاون ولا يتسامح مع تجاوزها مهما كان السبب، ولا يُحب التغيير والتجديد.
ربما هناك حجة وجيهة خلف هذا التعصب في تنفيذ القوانين؛ فهو يُحافظ على النظام داخل مجتمعه الصغير من أجل مصلحة الجميع، ولكن ما هى حجته في معاملة جميع من حوله بجفاء شديد؟ لماذا لا يبتسم في وجه أحد؟ حتى هؤلاء القلة ممن يحاولون التودد إليه، ومن يجتهدون لاختراق الجدار الجليدي السميك الذي وضعه فاصلاً بينه وبينهم، وجميعهم يفشلون في الوصول إلى منطقة دافئة في عالم العجوز البارد.
لا نجد إجابات واضحة حول سلوك الرجل، وحتى حقيقة اكتئابه بعد رحيل زوجته سونيا (راشيل كيلر) لا تقدم الصورة كاملة؛ ففي مرحلة ما يظن المتفرج أن حبه الشديد لزوجته وافتقاده وجودها حوله إلى هذا الشخص الناقم الذي يزعج الأخرين بأسباب مُبررة تماماً بالنسبة إليه، ولكن هناك مشاهد الفلاش باك التي تكشف جذور سلوكه، وتُسلط الأضواء على أبعاد أعمق من شخصيته.
أوتو قبل سونيا!
حسناَ! انه يحاول الإنتحار لأن زوجته الراحلة كانت كل عالمه، سواء حينما كانت شابة تشع بهجة وحب، وتمنح حياته معنى ومغزى، وأيضاً حينما تقبلت مصيرها بعد حادث سير جعلها مُقعدة؛ وقد صنع من أجلها كل شىء ليجعل حياتها اليومية أقل ألماً، ولكن الفقد رغم فداحته لم يكن وحده السبب في تشكيل شخصية أوتو الصارمة الغاضبة.
قدم الفيلم شذرات من ماضي أوتو، ولكنه ركز على علاقته بسونيا، فتاة لطيفة قابلها صدفة على رصيف محطة قطار، أحبها ورغب في الزواج منها، ورغم عدم وجود كثير من الصفات التي تجمع بينهما قبلت الفتاة حب الشاب الصامت الخجول وتزوجته.
أوتو شاب منطوي لديه ولع بالسيارات، وهو مواطن أمريكي مُخلص، رغب في الالتحاق بالجيش لكن عِلة تضخم قلبه حالت بينه وبين رغبته، وهو مُتعصب للإنتاج الأمريكي، ويُقاطع جاره وأعز أصدقاءه حينما يقتني هذا الصديق سيارة يابانية؛ فسلوكه خيانة لا تُغتفر من وجهة نظره.
سلوك أوتو في مرحلة الشباب (ترومان هانكس) يجسم بوضوح شخصيته الأصلية؛ فهو شاب تتمحور حياته حول محركات السيارات، ويجيد فهمها أكثر من فهمه للبشر، وهو لا يُجيد التعبير أو الكلام، ويُذكرنا نوعاً ما بشخصية سبعاوي الكوميدية التي قدمها "فؤاد المهندس" في فيلم "عائلة زيزي"، وأوتو يُعوض فقر مهاراته الإجتماعية البشرية بالمُبالغة في تحري الدقة والانضباط، ورغم كراهيته للتكنولوجيا والذكاء الصناعي، إلا أنه نفسه يتصرف كثيراً مثل روبوت؛ إنسان يتحرك بآلية ويسعى ليكون دقيقاً مثل محركات السيارات شديدة الإتقان المولع بها.
تلقائية ماريانا يريفينو!
يمنح "توم هانكس" الفيلم الكثير من جاذبيته؛ فالفيلم يعتمد على الأداء والتمثيل؛ لهذا نرى كل الشخصيات بعيونه، ومن خلال احتكاكه بهم؛ انهم يرفضونه أو يتحاشونه أو يتجاهلونه، والاستثناء الوحيد هو شخصية ماريسول (ماريانا تريفينو)، الممثلة المكسيكية التي جسدت الصورة المُناقضة لأوتو؛ فهى شخصية تلقائية وإجتماعية ومحبة للجميع، ورغم ذكائها لكنها تتحيز غالباً لقلبها، تزوجت من أحبته حتى لو بدا أقل منها ذكاءً، وكان إشفاقها على أوتو أكبر من غضبها من سلوكه الخشن؛ ولهذا قاومت سلوكه وواجهته، وسعت بدأب لكشف المناطق الجيدة داخل جارها العجوز، وكان ذكائها هو مدخل قبوله التعامل بود معها؛ فهو يؤمن أن الشخصيات الذكية تستحق وقته وخبرته.
تقتحم ماريسول عالم أوتو بلمحات ودودة، وأطباق طعام صنعتها بنفسها، واهتمام صادق يرفضه في البداية، لكنه يستسلم له في النهاية، وهى لم تختطف اهتمام العجوز فقط، بل اختطفت الفيلم أيضاً؛ ويُمكن أن نُقر دون تردد أنها من أفضل عناصر الفيلم؛ فأدائها الجذاب والتلقائي منح شخصية ماريسول قوة وندية أمام شخصية أوتو التي لا تُطاق.
يُقدم المخرج "مارك فورستر" عملاً عاطفياً لا يقل جاذبية عن الفيلم الأصلي، لكنه لا يضيف جديداً، وهو عمل لا يحمل عُمقاً فلسفياً عن عالم كبار السن، ولا يغوص كثيراً في أزمات كبار السن مع شركات العقارات التي تسعى لشراء وهدم منازلهم من أجل توسعات ومشروعات حديثة، لكنه في النهاية عمل يحاول منح قصة رجل عجوز حزين بعض الدفء والتعاطف، وبعض الخيوط الدرامية الهامشية التي تتعلق بجنون السوشيال ميديا، واستغلال الشركات لمعلومات المواطنين، وقضايا من أجندة هوليوود الحديثة عن المتحولين وتقبل الأخرين.
الصور من التريلر وصفحة الفيلم على انستجرام