من قصص البلاط المنسية.. أول ملكة قرينة بريطانية من أصول عامية
من بين أهم المواصفات التي كان لابد وأن تتوفر في زوجة ولي العهد والملك المستقبلي في العائلات الملكية الأوروبية في الماضي، أن تكون من أصول ملكية أو على الأقل أصول أرستقراطية نبيلة، ولكن بمرور الوقت بدأت العائلات الملكية الأوروبية في التخلي عن هذه القاعدة وبفضل ذلك أصبح لدينا العديد من الملكات القرينات الأوروبيات اللاتي ينتمين إلى طبقة عامة الشعب، مثل الملكة ليتيزيا Queen Letizia of Spain زوجة الملك فيليب السادس Felipe VI ملك إسبانيا، والملكة ماكسيما Queen Máxima of the Netherlands زوجة الملك فيليم ألكسندر ملك هولندا Willem-Alexander of the Netherlands، على سبيل المثال لا الحصر، كما أصبح هناك عدد لا بأس به من الزوجات الملكيات الأوروبيات من أصول عامية ممن يتوقع أن يصبحن ملكات قرينات في يوم ما مثل الأميرة ماري Mary, Crown Princess of Denmark زوجة الأمير فريدريك ولي عهد الدنمارك Frederik, Crown Prince of Denmark، والأميرة ميت ماريت Mette-Marit, Crown Princess of Norway زوجة الأمير هاكون ولي عهد النرويج Haakon, Crown Prince of Norway، وهناك بالطبع زوجة الملك تشارلز الثالث King Charles III، ذات الأصول العامية، الملكة القرينة كاميلا Queen Camilla والمقرر أن تتوج كملكة قرينة إلى جانب زوجها الملك تشارلز في حفل تتويج ملكي يقام في كاتدرائية وستمنستر في العاصمة البريطانية لندن في يوم ٦ مايو ٢٠٢٣، وإن كانت تخاطب حاليا بلقب الملك القرينة، قبل تتويجها رسميا كملكة قرينة.
أول ملكة قرينة بريطانية؟
في حين أن العائلة المالكة البريطانية أكثر صرامة فيما يتعلق باتباع العادات والتقاليد الملكية، إلا أن الملكة كاميلا لن تكون أول ملكة قرينة من أصول عامية في تاريخ بريطانيا والذي لا يخلو من ملكات قرينات من أصول عامية (وإن كن أقل عدد بكثير بالمقارنة بالملكات القرينات من أصول ملكية أو نبيلة)، إذا من أول ملكة قرينة بريطانية؟ اختلف المؤرخون على إجابة ذلك السؤال لاختلاف تعريفهم لما يعنيه حقا أن تكون من عامة الشعب، أو ما يعنيه حقا أن تكون من أصول نبيلة، فمن هي أول ملكة قرينة بريطانية؟
وفقا للمؤرخين فإن أول ملكة بريطانية قرينة هي إليزابيث وودفيل Elizabeth Woodville والتي تعد أول فرد من عامة الشعب يتوج ملكة قرينة، وتوجت رسميا كملكة قرينة في حفل ملكي ضخم، أقيم في عام 1464، بعد أشهر قليلة من زواجها المفاجئ من إدوارد الرابع Edward IV، لكن هل كانت إليزابيث حقا من عامة الشعب؟
هل كانت إليزابيث وودفيل حقا أول ملكة قرينة لبريطانيا؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة نبذة بسيطة عن نشأة وحياة إليزابيث وودفيل، ولدت إليزابيث وودفيل في عام 1437 كأول طفل من بين أربعة عشر طفل، ولدوا لريتشارد وودفيل Richard Woodville وجاكيتا من لوكسمبورغ Jacquetta of Luxembourg، والتي جعلها زواجها الأول من دوق بيدفورد Duke of Bedford، عمة للملك هنري السادس King Henry VI، تزوجت جاكيتا وريتشارد سرا، دون أن تطلب الإذن بالزواج من الملك، خوفا من معارضة الزواج بسبب الفارق الاجتماعي الكبير بين الزوجين، ولهذا السبب فرض الملك غرامة على الزوجين، واعتبرا منذ ذلك الحين غير مرحب بهما في الأوساط الأرستقراطية النبيلة، إلا أن ذلك تغير تدريجيا، بحلول الوقت الذي ولدت فيه إليزابيث.
في سن الخامسة عشرة تقريبا، في عام 1452، تزوجت إليزابيث وودفيل من سير جون جراي من جروبي Sir John Grey of Groby، والذي قتل خلال معركة سانت ألبانز battle of St Albans الثانية، في عام 1461، والتي كان يقاتل فيها دفاعا عن عائلة لانكستر النبيلة، وأصبحت إليزابيث بذلك أرملة وأم لطفلين وعمرها لا يتجاوز 24 عام. لا يوجد توثيق واضح لقصة حب وزواج الملك إدوارد الرابع من إليزابيث وودفيل أو حتى تاريخ زواجهما الفعلي-لزواجهما سرا- ولكن زواجهما أصبح علنيا في الأول من مايو 1464.
زواج أثار دهشة الكثيرين
زواج الملك إدوارد الرابع من إليزابيث وودفيل، أثار دهشة الكثيرين، ليس فقط لأنها أرملة وأم لطفلين أو لأصولها التي اعتبرها الكثيرين أقرب إلى العامية منها إلى النبيلة، ولكن بسبب أن إليزابيث تزوجت من أحد الأشخاص الذين يقفون وراء وفاة زوجها الأول، فالملك إدوارد الرابع أصبح ملكا للبلاد وأول ملك لعائلة يورك النبيلة، بعد هزيمته للملك هنري السادس Henry VI، وهو من عائلة لانكستر النبيلة والتي هزمت وحلفائها على يد إدوارد الرابع، وتم تحييد أو قتل الفرسان والجنود الذين قاتلوا من أجلها، ومن بينهم زوج إليزابيث الأول.
بالرغم من الجدل الذي أثاره زواجهما، ومعارضة الكثيرين من المقربين للملك من داخل البلاط لذلك الزواج، بسبب ضعف أصولها النبيلة، تم تتويج إليزابيث، ملكة قرينة في يوم 26 مايو 1465، ولكن الكثيرين استمروا في اعتبارها عامية، ولا تستحق لقب ملكة، بل حتى أن البعض في الأوساط الأرستقراطية، اتهمها ووالدتها باستخدام السحر لإيقاع الملك بالزواج منها، وبالرغم من ذلك، كان زواجها من الملك إدوارد الرابع مثمرا، أنجبا خلاله ١٠ أبناء، لعبوا في وقت لاحق أدوار مهمة في تاريخ إنجلترا.
حرمان من لقب الملكة القرينة الأرملة؟
توفي الملك إدوارد الرابع بشكل مفاجئ في أبريل 1483، ودخلت البلاد بسبب ذلك في حالة من الفوضى السياسية مرة أخرى، وتم تجريد إليزابيث من لقب الملكة الأرملة بعد أن أعلن شقيق زوجها، ريتشارد الثالث Richard III، بطلان زواجهما، وفقدت إليزابيث بسبب ذلك كل امتيازاتها، وأصبحت تعرف بلقب دام (السيدة النبيلة) إليزابيث جراي Dame Elizabeth Grey، ولكن فترة حكم تشارلز الثالث كانت مليئة بالاضطرابات وقصيرة، وانتهت في أغسطس 1485، بمقتله في معركة بوسورث Battle of Bosworth ومطالبة هنري تيودور والذي ينتمي لعائلة تيودر النبيلة، بعرش بريطانيا، ولعبت والدة إليزابيث وهنري دورا رئيسيا في المفاوضات لإنهاء الأهلية وتوحيد مجلسي يورك ولانكستر بالزواج حيث تزوجت ابنة إليزابيث والتي تحمل اسم إليزابيث أيضا، من هنري تيودور والذي أصبح يعرف بالملك هنري السابع، في عام 1486، وتم إعلانها ملكة قرينة لبريطانيا.
السنوات الأخيرة من حياة أول ملكة قرينة لبريطانيا من عامة الشعب
في عهد الملك هنري السابع، استعادت إليزابيث وودفيل الامتيازات الملكية للملكة القرينة الأرملة، وأم للملكة القرينة الجديدة، إلا أنها اختارت أن تقضي ما تبقى من حياتها بعيدا عن البلاط الملكي، وفي آخر 5 سنوات من حياتها، اعتزلت الحياة العامة وتفرغت للعبادة في دير بيرموندسي وتوفيت في الثامن من يونيو عام 1492 عن عمر يناهز 55 عام، ودفنت في يوم 12 يونيو إلى جانب جميع بناتها اللاتي توفين قبلها، وتظهر السجلات في ذلك الوقت أن الجنازة كانت بسيطة للغاية، وهو أمر يعتقد أنه جاء بناء على رغبة إليزابيث وودفيل نفسها إلا أن وثائق تاريخية أخرى اكتشفت في عام ٢٠١٩، رجحت وفاتها بسبب الطاعون، مما يفسر عدم إقامة جنازة عامة و الإسراع في دفنها.