الأم العاملة بين إثبات الذات ورعاية أطفالها .. ما هو دور الشركات في مساعدتها على تحقيق التوازن؟
تحتاج الأم العاملة مزيداً من الرعاية والاهتمام من قبل المؤسسات المعنية في الدول التي تزيد فيها نسب النساء في العمل، لتنتهي الحياة المضطربة التي تعيشها، ولتضع حداً للصراع الذي يرهقها بين رغبتها في إثبات الذات، وبين غريزة الأمومة التي تجعلها حريصة دائمة على التفكير في أطفالها، لأنه ليس من الانصاف أن تُترك الأم العاملة وحدها دون تقديم أي دعم لها، خصوصاً وأن حرصها على إثبات ذاتها، وتحقيق النجاح في حياتها العملية يعود بنفع كبير على المجتمع، كما أن نجاحها في تربية أطفالها يجعلها تربي أجيالاً صالحة قادرة على النهوض ببلادهم، والمشاركة في تنميتها والارتقاء بها.
ومن أجل تحقيق ذلك كله، واحتراماً للأم العاملة، وتقديراً لحرصها على أن تكون أم عاملة، ومثقفة، وراعية جيدة لأطفالها وأسرتها، يجب على المؤسسات والهيئات تقديم الدعم اللازم لها، وتذليل كافة الصعاب التي تواجهها خلال مسيرتها في الحياة الأسرية والعملية، والتي تحول بينها وبين تحقيق التوازن بين العمل والأسرة، فكيف يمكن ذلك؟ وما هي أهم التحدقات التي تواجه الأم العاملة؟
تحديات تواجه الأم العاملة
لا تخلو حياة الأم العاملة من التعب والإرهاق، فهي ليست مسؤولة عن واجباتها تجاه عملها فقط، وإنما أيضاً مسؤولة عن إدارة منزلها وتنظيفه ورعاية الأطفال ومساعدتهم الأطفال في استذكار دروسهم، ودفع الفواتير وتحضير الطعام إلى غير ذلك من المهام والمسؤوليات التي تقع على كاهلها.
وأنا كأم عاملة أشعر بكل أم تعمل من أجل إثبات ذاتها، وتحقيق طموحاتها، ومن خلال عملي منذ عام 2005 في دولة الإمارات الحبيبة حتى الآن، أقدم في ما يلي أهم التحديات والصعوبات التي تواجه الأم العاملة، وهذه التحديات هي:
- بعض الأمهات يكن العائل الوحيد لأطفالهن، وهي رحلة شاقة للغاية تستوجب احتضان الأم العاملة، وتقدم خدمات متنوعة لها، وبما يسهل عليها التوفيق بين أطفالها وعملها، ومساعدتها على الاطمئنان عليهم.
- الإجهاد في العمل والمنزل وعدم قدرة الأم العاملة على الشعور بالراحة حتى في أوقات الإجازات والعطلات الرسمية.
- صعوبة تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وخصوصاً في حالة مرض الأطفال، أو مرض الزوج، وخصوصاً في وجود قوانين صارمة للشركات وجهات العمل.
- طول مدة تواجد الأم في العمل بعيداً عن أطفالها، وذهابها متأخراً في بعض الحالات، وخصوصاً عندما يكون عمل الأم تابعاً لإحدى الشركات الخاصة.
- شعور الأم بالقلق على أطفالها لاضطرارها الاعتماد على مربية أطفال تعتني بأطفالها طوال فترة تواجدها خارج المنزل، وخصوصاً مع غيابها عن المنزل لفترات طويلة.
- وجود بنود في عقود العمل تجبر الأم على العمل في أي يوم خلال العطلة الأسبوعية، الأمر الذي يزيد من إرهاقها، ويحول دون حصولها على قسط وفير من الراحة يساعدها على مشقة العمل في الأسبوع الذي يليه.
- عدم صبر الزوج على أي تقصير خارج عن إرادة الأم، وتوبيخها بدلاً من دعمها، وشكرها على مساعدتها في أعباء الحياة.
- عدم تفهم شريك حياتها لرغبتها في تحقيق ذاتها، وعدم تقديره لمساعدتها له، وتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية معه، ما يسبب التأثير سلباً على نفسيتها.
تمكين الأم العاملة في الإمارات
لا يمكن تجاهل الدور العظيم المشرف الذي تعلبه دولة الإمارات العربية المتحدة عند الحديث عن الأم العاملة، لأنها قدمت مثالاً مشرفاً ونموذجاً رائعاً يجب أن يُحتذى به في تمكين المرأة بوجه عام، وتمكين الأم العاملة بوجه خاص، وذلك من خلال تسخير كل الأمور التي تساعدها في تحقيق التوازن في مسيرتها الهادفة ما بين الأمومة وبين إثبات الذات والمساهمة في تنمية المجتمع.
وتشير الإحصائيات في الإمارات إلى إرتفاع نسبة الأم العاملة في مختلف قطاعات الدولة، وذلك بسبب جهود القيادة باعتبارها السبب الرئيسي في ما وصلت إليه المرأة الإماراتية من تمكين في سوق العمل، وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل في كافة ميادين العمل، ومختلف المجالات، وخصوصاً من خلال تذليل كل الصعوبات التي تواجهها خلال مسيرتها بين رعاية أطفالها واثباث ذاتها.
دور مؤسسات الدولة في دعم الأم العاملة
ويتلخص الدور الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادتها الرشيدة في دعم الأم العاملة ومساعدتها على تحقيق التوازن بين العمل والأسرة، ولمساعدتها على تحقيق التوازن بين طموحاتها ورغبتها في إثبات ذاتها وبين رسالتها السامية كأم يجب أن ترعى أطفالها وتحسن تربيتهم، والذي يجب أن تسلكه كل المؤسسات المعنية بالدول الأخرى لتقديم الدعم اللازم للأم العاملة، في ما يلي:
- تشجيع الأم العاملة من خلال تقديم الدعم اللازم لها، وتذليل الصعاب التي تواجهها، والارتقاء بها، وحثها على العمل واثبات ذاتها لتبدو بالصورة التي تليق بها كأحد أفراد المجتمع المثمرين.
- خلق بيئة دافئة لاحتواء الأم العاملة في بيئة العمل، والحفاظ على رسالتها كأم، وتحقيق شعورها بالأمان على أطفالها من خلال إنشاء دور حضانات لرعاية أطفال الأمهات العاملات، كما هو الحال في جهات العمل الحكومية بالدولة، وبعض الجهات الخاصة التي استجابت لتوجيهات القيادة الرشيدة، وبدأت في اتخاذ خطوات فعلية حول توفير الرعاية الكامل لأطفال الأمهات العاملات من خلال تخصيص دور رعاية لهم في نفس مقر العمل، أو بالقرب منه.
- سن القوانين التي تحفظ حقوق الأم العاملة، وكذلك التي تساعدها على أخذ هدنة من العمل في أي وقت وفقاً لاحتياجات أطفالها وأسرتها.
- تشجيع الأم العاملة على العطاء المستمر من خلال منحها كامل الاحترام والتقدير، وإعطائها الفرصة كاملة على اثبات ذاتها من خلال مساعدتها على اكتشاف قدراتها ومهاراتها، للاستفادة منها في بيئة العمل.
- سن القوانين التي تراعي حقوق الأم العاملة وفقاً للظروف العائلية التي تمر بها، مثل: اجازات الوضع، واجازات رعاية الأطفال، والتي تجعل الأم تشعر بقيمتها في الحياة، وخصوصاً بعد منحها القدرة على الاحتفاظ بعملها لحين قدرتها على اسئناف العمل مرة أخرى.
- التشجيع المستمر لغة متحضرة وسلوك مميز تعتمده الإمارات مع الأم العاملة.
- تحقيق المساواة بين الأم العاملة والرجل في بيئة العمل، وتشجيعها على المنافسة بكل ثقة لشعورها بأنها في أيدي أيمنة تمسك بيدها وتدعمها، وتدفعها للأمام دائماً.
دور الزوج في دعم زوجته الأم العاملة
تقول "داليا شيحة مستشارة زوجية وأسرية بدبي" أن نجاح الأم العاملة في تحقيق التوازن بين العمل والأسرة، وكذلك مساعيها في إثبات ذاتها كعضو بناء ومثمر في المجتمع لا يكتمل بدور المؤسسات فقط، ولا بجهودها وحدها، إنما بمشاركة الزوج الذي هو شريك حياتها ورفيق دربها في دعمها، وبتفهمه للتحديات التي تواجهها، وتخفيف العبء عليها داخل المنزل، مثل تخصيص وقت لمذاكرة الأطفال، والذهاب للتسوق بدلاً منها، إضافة إلى منحها الاهتمام والرعاية اللذان يحفزانها على الاستمرارية في العمل بجد ونشاط، وبما يزيد من عطائها لعملها ولأسرتها على حد سواء.
كما أن تشجيع الزوج المستمر لزوجته الأم العاملة يجعلها تشعر بالأمان خلال مسيرة كفاحها في إثبات ذاتها، ويزيد من ثقتها بذاتها، ويريحها من جلد الذات في حال شعورها بالتقصير غير المقصود حياله وحيال أسرتها.
وأخيراً، يجب على كل المؤسسات المعنية التصديق على دور الأم العاملة في المجتمع على مستوى العمل والأسرة، وتذليل كافة الصعاب التي تواجهها خلال قيامها بدورهما كأم عاملة، وكزوجة، وراعية لأطفالها، للاستفادة من قدراتها الكامنة، ولمساعدتها على إطلاق العنان لها من خلال تقديم الدعم اللازم لها، لتكون عضواً فعالاً ومؤثراً في مسيرة التقدم والتنمية، ولمساعدتها على إعداد أجيال مشرفة أجيال قادرة على العلم والعمل، أجيال تفخر بها الأوطان.
والآن عزيزتي الأم العاملة .. يُسعدنا أن تشاركينا الرأي .. كيف يمكن حث الأم العاملة على تحقيق نتائج مثمرة على المستويين العملي والأسري، وكيف يمكن مساعدتها على تحقيق التوازن الذي ينعكس على حالتها النفسية ودرجة تميزها في العمل؟