الوحدة.. حالةٌ نفسية لا ينبغي أن تؤثر على حياتنا وصحتنا
يعصف بنا الكثير من المشاكل والاضطرابات الصحية والنفسية، التي يمكن أن تضطرنا للجوء للعزلة والابتعاد عن الآخرين؛ وهو أمرٌ سليم وصحي، ما دام يمنحنا الفرصة والوقت للقليل من السلام الداخلي والتصالح مع الذات للخروج من الحالة الصعبة التي نعيشها.
والحقيقة أن العديد من المفكرين والمثقفين، معجبون بالوحدة؛ ويجدون فيها راحةً وطمأنينة، بعيدًا عن صخب الحياة وإزعاج الناس بأسئلتهم وتدخلاتهم، وتفاهاتهم بعض الأحيان. لكن الوحدة التي يفرضها تعبٌ نفسي وقرار بالانفصال عن الواقع بشكل نهائي، هي مشكلةٌ لا ينبغي أن تستمر لوقت طويل؛ لأنها قد تؤذينا جسديًا ونفسيًا بطرق مختلفة.
حتى أن الكثيرين يجدون أنفسهم في "وحدة" بين أقرانهم وأهاليهم وأصدقائهم، بما يشبه عدم الاندماج مع المحيطين بهم بشكل مخيف. لذا يجب أن يعرف كل منا أسباب الوحدة التي فُرضت عليه، أو اختارها لنفسه، وكيفية التعاطي السليم معها لتجاوزها وتجنب مضاعفاتها الخطيرة.
لهذا تحدثنا إلى الدكتورة داليا عبدالله محمد، أخصائي أول طب نفسي ورئيس قسم الطب النفسي في مجموعة مستشفيات المانع في المملكة العربية السعودية؛ لتطلعنا أكثر على ماهية الوحدة، أنواعها، مضاعفاتها ونصائح للتخفيف من حدتها. إضافة إلى سرد بعض المفاهيم الخاطئة بخصوص الوحدة، كي يتسنى لك عزيزتي القارئة معرفة المزيد عن الوحدة.
بدايةً، ما هو التعريف الطبي للوحدة؟
الوحدة هي الشعور بعدم الارتياح على الجانبين العاطفي والإدراكي، أو عدم ارتياح للبقاء بمعزل عن الآخرين أو تصوّر البقاء بدون الآخرين، أو العزلة. وذلك لا يتعلق بمستوى التواصل الاجتماعي التي يتمتع به الشخص.
والوحدة هي شعورٌ شخصي غير محبّذ بنقص أو فقدان الرفقة، والذي يحدث حين لا يكون هناك توافقٌ بين كمية ونوعية العلاقات الاجتماعية، وتلك التي نتطلع إليها؛ أو بعبارة أخرى، الفارق بين ما نطلبه وما نحققه في مستوى ونوعية العلاقات الاجتماعية.
هل هناك أنواعٌ مختلفة للوحدة؟
بالتأكيد، هناك فئاتٌ مختلفة من الشعور بالوحدة؛ ولكن الأنواع الأكثر شيوعًا تشمل:
- الوحدة الوجودية
- الوحدة الظرفية
- الوحدة العاطفية
- الوحدة الاجتماعية.
من هم الأفراد الأكثر عرضة للإصابة بالوحدة؟
لا بد من الإشارة إلى أن الوحدة يمكن أن تؤثر على أي شخص، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الخلفية. ومع ذلك، فإن بعض العوامل، مثل العزلة الاجتماعية أو العيش بانفراد أو التواجد في بيئة جديدة أو غير مألوفة؛ قد تزيد من خطر الشعور بالوحدة.
وقد أشارت النساء بشكل عام عن شعورهنَ بالوحدة أكثر من الرجال وكبار السن أكثر من الأصغر سنًا.
هل تشمل الوحدة الشعور بالعزلة وصعوبة إقامة علاقة جيدة مع الآخرين؟
نعم، قد تشمل الوحدة الشعور بالعزلة والصعوبة في تكوين علاقات مع الآخرين والحفاظ عليها.
نأتي الآن للناحية السلبية للوحدة على الصحة..
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الشعور بالوحدة أخطر من التدخين والسمنة والكحول؟ وما هي مضاعفاته؟
الحقيقة، يمكن أن يتشابه الشعور بالوحدة مع التدخين والسمنة والكحول لما يتركه من تأثيرسلبي على الصحة. فقد أظهرت الأبحاث أن الوحدة قد تؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية الجسدية والنفسية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وضعف جهاز المناعة. ومن المرجح أن تزيد الوحدة من خطر الوفاة بنسبة 20%، فيما أظهرت بعض الأبحاث أن العيش بمفردك وضعف العلاقات الاجتماعية ضارٌ بصحتك مثل تدخين 15 سيجارة في اليوم.
بالإضافة إلى هذه المضاعفات الصحية، يمكن أن يكون للوحدة أيضًا عواقب اجتماعية واقتصادية. فقد يواجه الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة، صعوبةًفي تكوين العلاقات والحفاظ عليها؛ مما ينعكسعلى قدرتهم للعثور على عمل وبناء منظومة دعم والوصول إلى الموارد.
هل يمكن أن تُسبَب الوحدة الشديدة مرضًا نفسيًا؟
أظهرت الأبحاث أن الوحدة يمكن أن تؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية الجسدية والنفسية. ففي حين أن الوحدة الشديدة لا تُسبَب بالضرورة المرض النفسي، إلا أنها قد تكون عاملًا مساهمًا. ومن الضروري معالجة مشاعر الوحدة وطلب الدعم عند الحاجة.
إذا كنت عزيزتي أو أي شخص تعرفينه، يعاني من الشعور بالوحدة؛أنصحك بالتفكير في التواصل مع صديق موثوق به أو أحد أفراد الأسرة، أو أخصائي الصحة العقلية للحصول على المساعدة والدعم.
هناك العديد من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الوحدة، والتي قد تجعل من الصعب تشخيصه وتحديد مخاطره.. هل يمكنك أن تطلعينا على بعض هذه المفاهيم وتصحيحها للقارئات؟
بالفعل، هناك العديد من المفاهيم الخاطئة حول الوحدة، مما يصعّب معالجتها. ومنها:
**"الشعور بالوحدة يؤثر فقط على كبار السن."** رغم أن الوحدة قد تكون أكثر شيوعًا لدى كبار ، إلا أنها يمكن أن تصيب أي شخص في أي عمر. وبالتالي فإن الشباب والمراهقين قد يقعون فريسةً سهلة لهذه المشكلة النفسية.
**"الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة هم أشخاصٌ لا يمتلكون مهارات اجتماعية أو غير محبوبين." ** الوحدة لا تعكس أبدًامهارات الشخص الاجتماعية أو شخصيته؛وقدتحدث بسبب مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك التحولات الحياتية، والعزلة الاجتماعية، ومشاكل الصحة النفسية.
**"الشعور بالوحدة يعني أنه ليس لديك أصدقاء أو عائلة."** يمكن للناس أن يشعروا بالوحدة، حتى لو كانت تجمعهم علاقاتٌ وثيقة مع الآخرين. ومن المهم معالجة المشاعر الكامنة المُتسبَبة بالوحدة بدلًا من مجرد محاولة إضافة المزيد من الأشخاص إلى الدائرة الاجتماعية للفرد.
**"الوحدة ضعفٌ شخصي أو عيبٌ في الشخصية." ** الوحدة هي تجربة إنسانية طبيعية وشائعة، ولا تعكس قيمة الشخص أو شخصيته.
من خلال فهم وتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة، يمكننا تحديد ومعالجة مشاعر الوحدة بشكل أفضل داخل أنفسنا ولدى الآخرين.
إذن، ما هي طرق علاج الشعور بالوحدة والتخفيف من حدته؟
تتضمن بعض طرق مكافحة الوحدة الخطوات التالية:
- التواصل مع الآخرين من خلال الأنشطة الاجتماعية أو النوادي أو المجتمعات الرقمية.
- ممارسة أنشطة العناية بالذات مثل التمارين الرياضية أو التأمل أو تقنيات الاسترخاء.
- طلب مساعدة المختصين من خلال العلاج أو الاستشارة.
You are not alone.. عبارةٌ نسمعها ونرددها بشكل دائم، دون أن ندرك ماهيتها. لكن الحقيقة أننا قد نكون وحيدين دون أن ندرك ذلك؛ وقد يكون البعض من حولنا "وحيدًا" وإن كان يشاركنا أفراح الحياة وأتراحها. لذا من الضروري أن نتعرف على أعراض الوحدة ونعالجها، داخلنا ولدى من نحب، كي نتجاوز مضاعفاتها الخطيرة وننعم بسلام وطمأنينة في حياتنا.