خبيرة نفسية لـ "هي": علينا أن نقترب أكثر من أطفالنا لحمايتهم من "جنون الشهرة" وتأثيرات تعلقهم بالمؤثرين
حالة من القلق والتوتر تنتاب معظم الآباء والأمهات بسبب انتشار المؤثرين والمؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتأثر أفكار الأطفال والمراهقين بهم حد الجنون، جنون الشهرة الذي جعلهم يفكرون بمنطق المادة، ويسعون إليها بغض النظر عن الطريقة صحيحة كانت أم خاطئة، مفيدة للمجتمع أم ضارة، حتى أن البعض منهم بدأ يقارن بين المكسب السريع للشهرة وبين المكسب المتوقع الحصول عليه، وبين العائد المتوقع من الاجتهاد في الدراسة والتخرج والعمل، وهنا تكمن الخطورة.
نعم أنها أفكار خاطئة تتربص بعقول الأطفال اليافعين وتهدد مستقبلهم، ولذلك يجب على الأبوين الانتباه جيداً لها، والتقرب أكثر منهم لتوجيههم توجيهاً سليماً، والانصات إليهم بدقة، وتكوين صداقة معهم حتى يمكن توجيههم بعناية، ولكي يكون من السهل تقبلهم للنصح والارشاد، وخصوصاً في ظل تحديات مرحلة المراهقة الحرجة.
ولأهمية هذا الموضوع التقت "هي" الدكتورة ميرنا شوبح أخصائية في علم النفس العيادي والتحليل النفسي في مركز ثرايف للصحة النفسية لتجيب على الأسئلة التالية، ولتسلط الضوء على الطريقة الأمثل التي لها أن تحمي المراهقين من جنون الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
جنون الشهرة يخترق صفوف الأطفال اليافعين والمراهقين، وأصبح له تأثيراً كبيراً بعد تعلقهم بالمؤثرين والمؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تغيير سلوكياتهم ومعتقداتهم حول كسب الشهرة و المال، فما تأثيرات ذلك على صحتهم النفسية، وكيف يمكن للأهل احتوائهم ومساعدتهم على تجاوز هذه الأزمة؟
يمكننا رؤية كثير من الشباب مفتونين بالمؤثرين والمؤثرات الذ ين يتربعون على عرش مواقع التواصل الاجتماعي، على منصات مثل Instagram أو TikTok أو Snapchat أو YouTube أو Facebook باعتبار أن لديهم ثروات ويتمتعون بمصداقية كبيرة مع الأطفال والشباب. يتابع الأطفال واليافعون المؤثرين المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي حسب اهتماماتهم الشخصية وأعمارهم ومستوى تطورهم، ولا يقتصر الأمر على المتابعة فقط إذ أنهم أيضا يتأثرون بما يفعله الأقران أو الأصدقاء أو ما هو شائع في المدرسة جراء هذه المتابعة.
ومن الضروري أن يسلم الأطفال واليافعين بحقيقة أن ليس كل شيء صحيح دائماً، وأن يعرف الأطفال والشباب ما يجري وراء الكواليس وأن يدركوا أن المؤثرين يقدمون لهم أحياناً حقائق زائفة، لذا يجب مساعدتهم على الوعي بأن ليس كل ما يلمع ذهباً، وأن هناك أمور عديدة غائبة عن وعيهم لأن المؤثرين والمؤثرات يظهرون فقط ما يريدون اظهاره.
ومن ناحية أخرى يجب على الأطفال واليافعين أن يعلمون أن بعض المؤثرين يقدمون صورة رائعة وبراقة فيفرضون بذلك أفكاراً وميولاً جديدة. يُوَلِّد المؤثرون الإثارة بصورهم ومقاطع الفيديو والمدونات الخاصة بهم، خاصة بين المراهقين الذين يرغبون في أن يكونوا مثلهم.
وبفضل شهرتهم الواسعة وشعبيتهم الكبيرة، يجذب المؤثرون أيضاً الشركات التي ترغب في الدفع لهم للإعلان عن علامات تجارية أو منتجات معينة في منشوراتهم. بالنسبة لنجوم وسائل التواصل الاجتماعي، تمثل هذه العقود مصدراً مربحا للدخل، والذي يمكن أن يعطي الشباب بسرعة انطباعاً بأنه من الممكن أن يصبحوا أغنياء ومشهورين بسهولة شديدة كمصور فيديو أو مؤثر على Instagram، ما يجعل المراهقون يحلمون بالتشبه بهم.
ماذا لو أراد طفلك اليافع فجأة أن يصبح نجماً على وسائل التواصل الاجتماعي؟
من الضروري التحدث إلى المراهقين حول أفكارهم المهنية والنماذج التي تستحق أن يُحتذى بها، لأن الأمر يتعلق بمعرفة مخاوفهم وتطلعاتهم. وبعضهم ينجح على الرغم من كل شيء، فينبغي ألا نسلب أملهم على الفور.
من المهم مواجهة المراهقين بالواقع لأنهم غالباً ما يكون لديهم مفاهيم خاطئة حول ما ينتظرهم حقاً في الحياة. لذلك من الأفضل أن نسألهم كيف سيظهرون بشكل ملموس العمل والحياة اليومية للمؤثر.
إلى أي مدى يصل تأثير المؤثرين على الشباب وما الذي يمكن للوالدين فعله لدعمهم؟
قد لا يبدو الهروب من المؤثرين ومن تأثيرهم على الأطفال واليافعين أمراً سهلاً، لأنهم يتواجدون في كل مكان على معظم وسائل التواصل الاجتماعي. ربما يكون المراهق مؤثراً طموحاً هو نفسه، ويؤمن بذلك بقوة، ويمكن أن يكون للمؤثرين آثاراً سلبية محتملة على احترام الطفل لذاته وصورة جسده وفهمه للحياة الحقيقية. ولذلك من الأهمية بمكان أن يتمكن الشباب، بدعم من الآباء ومن عليهم حق الوصايا على الأطفال، من التفكير النقدي فيما يشاهدونه، ومواجهة هذه التأثيرات من خلال إجراء محادثات مفتوحة وشفافة مع أطفالهم، مع طرحة الأسئلة التالية لتسهيل المحادثات مع اليافيعن وكسبهم في النقاش:
- هل تفهم أن ما تراه على الإنترنت ليس صحيحا دائماً؟
- هل يكسب المؤثر المال إذا كان لديه المزيد من المشاهدات أو المزيد من الإعجابات أو المزيد من النقرات؟
- هل يعكس نمط حياة المؤثر الحياة الحقيقية؟
- كم من الوقت تعتقد أن المؤثر قضى في صنع هذا الفيديو؟
- ما هو الغرض من الفيديو؟ لماذا يتحدثون عن هذا؟
- كيف تشعر عندما تنظر إلى المؤثر (قلق، خائف من الضياع، مصدر إلهام، إلخ)؟
- كيف يمكنك اختيار المؤثرين الذين يجب الانتباه إليهم والذين يجعلونك تشعر بالإيجابية؟
هل من نصائح لمساعدة المراهقين على كشف مدى صدقية بعض المؤثرين الرقميين؟
- على الآباء والأمهات اكتشاف المؤثرين مع المراهقين من خلال موضوع يهمهم ويقدرونه بشكل خاص (نمط الحياة، الطبخ، الأخبار، التعليم، الثقافة، السفر ، التكنولوجيا ، الرياضة ، إلخ).
- مشاركة المراهقين تصفّح المعلومات الشخصية التي يشاركها المؤثرين ومعرفة ماهية الرسائل والقيم التي ينقلونها.
- التفكير في خبراتهم وتحليلها بمعاونة المراهقين ومشاركتهم في ذلك.
- البحث عن رحلتهم.
- شرح كيفية التحقق من المعلومات التي يقدمها المؤثرون، ومعرفة ما إذا كانوا يستشهدون بمصادرهم، على سبيل المثال؟ أم لا.
- مساعدة المراهقين في تحديد معايير الاختيار الخاصة بهم لاختيار المؤثرين لديه.
- الاستماع إلى توقعاتهم وحساسيتهم.
- مناقشة مدى تبعية أو استقلالية المؤثرين بالنسبة للعلامات التجارية، وتقييم مصداقيتها وشفافيتها.
- شرح القواعد التي يجب على المؤثرين اتباعها وخصوصاً عند الاعلان لأشياء تتعارض مع الصحة والأخلاق.
وأخيراً، وبحسب دكتورة ميرنا، يوجد العديد من العوامل التي تؤثر على السلوك، والتي تختلف من مراهق لأخر، وبصفتنا آباء ومقدمي رعاية، يجب علينا أن نعرف شبابنا واهتماماتهم ونقاط قوتهم ونقاط ضعفهم حتى نستطيع من خلال وجودنا الفعلي إلى جانب ابنائنا، وعينا وإلمامنا بالأمور مساعدتهم على الاختيار طبعا مع احترام خصوصيتهم وإعطائهم هامش من الحرية.