خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2023 -"Dogman"..أداء استثنائي لشخصية مركبة في فيلم غير مثالي
ربما كان "Dogman" (راعي الكلاب) للمخرج لوك بيسون هو أحد أكثر الأفلام المنتظرة في مسابقة مهرجان فينيسيا (البندقية) في دورته الثمانين، والتي تضم في الواقع الكثير من الأسماء البارزة والأعمال الواعدة، حتى أن المهرجان في يوميه الأولين فقط ازدحم بالمفاجآت السارة.
يمكن أن نتحدث بثقة عن علامات شديدة الأهمية تركها المخرج لوك بيسون في مشواره، أبرزها بالتأكيد "Léon: The Professional" (ليون: المحترف) (1994)، لكننا لا نستطيع التحدث بنفس الثقة عن مشوار متماسك لهذا المخرج، إذ تتراوح الكثير من أعماله مؤخرًا بين الجيد وأقل من ذلك. يبدو صانع الأفلام الفرنسي في هذه المرة أكثر جرأة وتحررًا من الشكل التقليدي لأفلامه الأخيرة، لكنه لا يبتعد عن عنصر التشويق الذي يميز أعماله. يضم هذا الفيلم الممثل الشاب كالِب لاندري جونز، والذي يقدم شخصية شديدة التعقيد، لفتت الأنظار منذ إطلاق الإعلان الدعائي للفيلم.
قصة قاتل
تتابع الأحداث دوغلاس أو دوغ (جونز) الذي يروي قصة حياته للمحققة إيفيلين (جوجو ت. جيباس)، ومن خلال سلسلة الحوارات الممتدة بينهما، نعرف ما الذي أتى به إلى السجن، وكيف تحول من طفل عادي إلى شخص مقعد يعيش مع عدد كبير من الكلاب ويرعاها. دوغ الذي عاقبه والده بحبسه مع الكلاب في قفص، تحول تدريجيًا ليجد أن الكلاب هم أصدقاؤه الوحيدون، بل ربما هم الشيء الوحيد الذي يحيا لأجله كما سنكتشف.
تُذكرنا أحداث الفيلم برواية باتريك سوسكند الشهيرة "العطر: قصة قاتل" التي تحولت إلى فيلم أيضًا من إخراج توم تيكفير. في "العطر" نتابع حياة جون باتيست الذي ليس لديه أي صديق أو قريب والذي يكتشف في نفسه موهبة خارقة، وهي إمكانية اكتشاف وتحليل أية روائح، ويسعى إلى صناعة عطر خاص هو الأزكى في العالم، وحتى يتمه عليه أن يرتكب عدة جرائم قتل ليأخذ مكونات الرائحة البشرية في عطره.
يملك دوغ موهبة استثنائية وهي القدرة على التواصل مع الكلاب بشكل شبه كامل، ينفذون أوامره أيًا كانت حتى إن لم يكن موجودًا، يفهمون كل ما يقوله بدقة، ويتحركون بناء على إشارات طفيفة منه. هو أيضًا كبر بعيدًا عن عائلته بعد أن نجا من تعذيب والده وشقيقه. وبينما لا يتورع بطل الرواية عن فعل أي شيء وصولًا للقتل من أجل صناعة عطره، فإن دوغ أيضًا لا يتورع عن فعل أي شيء من أجل الإبقاء على حياة كلابه والحفاظ عليهم.
بحثًا عن العطر
بينما يقرر بطل الرواية أن يكرس حياته لصناعة عطره الأمثل، نجد أن الدافع الحقيقي لشخصية دوغ يغيب تدريجيًا خلال الأحداث ويتشعب لأكثر من شيء. تكون البداية عندما نظن أنه سيكرس حياته للانتقام من والده وأخيه، ولكن هذا الدافع يختفي بعد قليل، ثم نركز على تطويره لموهبته في التعامل مع الكلاب، ويبدو لوهلة أن دوغ سيبحث عن توفير عالم أفضل مثالي لكل الكلاب من حوله، لكن هذا أيضًا يتراجع، وتبقى الكلاب في حوزته يرعاها ويستخدمها ولكن حياته ليست متوقفة فقط على الكلاب، إلى أن نصل إلى الفصل الذي يوظف فيه موهبته في التمثيل من خلال بعض العروض الأدائية في ملهى ليلي. وهنا ربما نشعر أن البطل أخيرًا وصل إلى التصالح مع نفسه والعالم، وسيقدر أن يعيش مع كلابه في سلام، لكن بعض التطورات اللاحقة والأفكار الشبيهة بأفكر روبن هود (سرقة الأغنياء لصالح الفقراء) تأتي لتأخذ الشخصية إلى موضع آخر مختلف.
يقدم كالِب جونز أداءً اسثتنائيًا للشخصية، فلا يستند على المكياج أو الملامح الخاصة المميزة فقط بل يمنح الشخصية روحًا يمكن أن نلمحها في عينيه طوال مشاهده وبغض النظر عن المكياج الذي يضعه أو الموقف الذي يمر به، مما يرشحه بقوة لجائزة أفضل ممثل ليضمها إلى جائزة أفضل ممثل من مهرجان كان عن دوره في "Nitram" (نيترام) (2021). ربما جعلنا هذا الأداء المتوهج والمجهود الممتع المبذول في توظيف الكلاب وحركتها في جميع المشاهد، وخاصة تتابعات النهاية، نتغاضى عن غياب خط أو بناء واضح لتطور شخصية البطل. لكن لا يسعنا القول إلا إن ما قدمه لوك بيسون في هذا الفيلم هو تجربة يمكن التفاعل معها سريعًا من الدقائق الأولى، والتغاضي عن بعض الهنات كما ذكرنا، وربما حتى عن غياب مشاهد تدريبات مقنعة من دوغ لكلابه، فيكفي أن نصدق أنه وصل بطريقة ما للتواصل معهم بهذه الصورة حتى يمكننا الاستمتاع بالفيلم.