أروع مجوهرات الإمبراطورية النمساوية
في جميع ممالك أوروبا التي أنشئت على أساس قوميّ، نجد مجموعة من الأشياء الثمينة التي كانت الدولة تملكها بالأصل واستُخدمت في تتويج الملك أو الملكةلعرضانتقال السلطة. بشكل عام، تشمل هذه المجموعة التاج الملكيّ والصولجان وجوهرة الكرة الأرضيةوالسيف. وتُضاف أحياناً إلى تلك العناصر الأساسية التي ترمز أيضاً إلى السلطة المؤقتة، كما هو الحال في بريطانيا، أغراضٌ أخرى مكمّلة مع مرور الزمن، سواء كانت أساور أو خواتم أو أطواقاً، مصنوعة كلّها من الذهب والأحجار الكريمة، ويحمل كلّ منها معنى محدّداً.
بالنسبة إلى الامبراطورية النمساوية على وجه التحديد، من القرن التاسع إلى السادس عشر، سمّي التاج المستخدم في النمسا للملك "التاج الإمبراطوري الوراثي" من السلالة الأوتونية. هذا التصميم العابق بنفحة العصور الوسطى محفوظ اليوم في الخزانة الامبراطورية التابعة لمتحف تاريخ الفنون في العاصمة فيينا، ومعه قصصه الكثيرة.يتألّف من ثمانية أجزاء، أربعة منها أكبر حجماً ومرصّعة بالأحجار الكريمة، وأربعة أجزاء أصغر حجماً مزدانة بمشاهد رمزية منفّذة بالمينافي ألوان متعددة. يمثّل هذا التاج فخر السلالة الأوتونية، وقد قامت الإمبراطورية النمساوية المجرية، التي تأسّست عام 1867 نتيجة النزاعات المختلفة التي عانت منها أوروبا في القرن السابع عشر، بالحفاظ على التاج والسيف والكرة والصولجان مع مرور الزمن، وهي أغراض تابعة للبلاط الإمبراطوريّ في النمسا. على الرغم من أنّه تمّ ترميمها بالطريقة السليمة مرّات عدّة، إلاّ أنّها ما زالت على حالها تقريباً حتى يومنا هذا، وهو ما يمكننا أن نراه في الخزانة الامبراطورية في متحف تاريخ الفنونKunsthistorische Museum.
إن التاج والكرة والصولجان وقبضة السيف تعكس هوية العصر التي صُممت فيها. فالذهب اللامع، والزخرفة المؤلّفة مناللآلئ والميناوبعض الأحجار الكريمة الملوّنة، بما في ذلك حجر الصفير الموجود عند أعلى جوهرة الكرة والصولجان وقبضة السيف،هي تفاصيل صُنعت في الفترة نفسها. صُممت هذه القطع الثمينة في القرن السادس عشر، ونعلم أسماء بعض من صانعيها. على سبيل المثال، صُنع التاج في براغ على يدي صائغ الذهب البارع يان فرمين، وذلك للامبراطور رودولف الثاني هابسبورغ الذي استلم الحكم بين العامين 1576 و1612. في السنوات الأولى من حكمه، أظهر رودولف الثاني إعجابه الخاص بالجمال الفنيّ، وكان من أوائل الحكّام الذين عزّزوا شغف جمع القطع الفريدة والنادرة.
وابتكر صائغ الذهب الماهر أندرياس أوسنبروك من براغ، جوهرة الكرة والصولجان المزخرفين بمادة الميناوالأحجار الكريمة، مثل الياقوت والصفير والماس واللؤلؤ، ويعلوهما حجر صفير بيضوي. أمّا شعار التنصيب، فيضمّ أيضاً الرداء الإمبراطوريّ. وتُعتبر اللوحة التي تصوّر القيصر فرانز الأوّل في يوم تكريسه، صورة رمزية لشعار التنصيب، ويشمل البورترييه كلّ العناصر المذكورة أعلاه، إلى جانب رمز"الصوف الذهبي".
"الصوف الذهبي" كان رمزاًللشرف، وهو التكريم الأسمى الذي يمكن منحه للملوك، وقد أقيم التكريم للمرة الأولى في 10 يناير من العام 1429 من قبل دوق بورغوندي لمناسبة زفافه من إيزابيلا البرتغالية. إنّ الصوف الذهبي هو عبارة عن قلادة ذهبية يمكن تعليقها على سلسلة أو طوق، وتمثّل الصوف الذهبي الأسطوري، وهو نفسه المذكور في الأسطورة الإغريقية، حيث حاول بحّارو الأرجو مساعدة جاسون في استعادة مملكته.
وبالانتقال إلى المجوهرات الشخصية، قدّم بلاط النمسا لقرونٍ عدّة إلى الأباطرة والإمبراطورات مجموعة رائعة من المجوهرات التي تمّ توارثها أبّاً عن جدّ، وخصوصاً من الأمّ إلى ابنتها. وقد فُقد العديد منها بعدما توارثتها عائلاتٌ نبيلة أخرى مرتبطة بالعائلات الإمبراطورية. ونذكر من بين المجوهرات الأكثر شهرةً، تلك التي ملكتها ماريا تيريزا إمبراطورة النمسا مثل عقدماسيّ قدّمته لابنتها ماريا كريستينا. وتمّ الاحتفاظ بنسخٍ فوتوغرافية جزئية من العقد. في الواقع، وكالعديد من الأغراض الثمينة التي ملكها أناسٌ ذوو أهمية تاريخية، مرّت الجواهر بالكثير من التقلّبات ولم يتبقَّ عنها سوى القليل من المعلومات الموثوقة.
لكن ما هو مؤكّد أنّ العقد كان يشمل 62 ماسة يبلغ وزن أصغرها قيراطاً واحداً، تتوسطها الماسة الأكبر بعيار 9 قيراط، ويصل مجموع عياراتها إلى 125 قيراطاً. وقد تمّ ابتكار العقد خصّيصاً لماريا تيريزا، ثمّ قدّمته إلى ابنتها ماريا كريستينا التي كانت تناديها والدتها "مي مي"، وبعد ذلك، وصل إلى قريبها الأرشيدوق تشارلز. أمّا آخر مَن استلم العقد، فهي الأميرة ماريا كارولينا راينر التي توفّيت من دون أن تُنجب أطفالاً في عام 1915. ولم نعلم شيئاً عن العقد منذ ذلك الحين، حتّى حلول العام 2004 حين تمّ بيع عقدٍ يعود إلى إمبراطورة النمسا ماريا تيريزا، في نيويورك،يضمّ 62 ماسة بوزنٍ إجماليّ يبلغ 125 قيراطاً. في النهاية، ملكت جميع الإمبراطورات مجوهرات ثمينة، وهي تلك التي نراها اليوم في لوحات البورتريه الرسمية التي تصوّرهن.