مجوهرات الملكة فيكتوريا وقصّة تاجها المفضّل
تمكنت الملكة فيكتوريا، بفضل شغفها بالمجوهرات، من التعبير عن شخصيتها من خلال الأحجار الكريمة، وكان هذا أحد أسباب شهرتها.لهذا الشغف جذور عميقة تعود إلى طفولتها، فمنذ اللحظة التي أهدتها فيها والدتها دوقة كينت ميدالية، نشأت علاقة عاطفية قوية بينها وبين المجوهرات. واستمرت هذه العلاقة الوثيقة طوال حياتها، مثمرة مجموعة شخصية ضخمة، ومتّسمة في المقام الأول بتواضع استثنائي وبساطة في الاختيار. وما ميّز شخصية الملكة فيكتوريا أكثر وجعلها فريدة بالفعل، كان نهجها الراقي في التعامل مع الأشياء النفيسة. فبالنسبة إليها، إن دور المجوهرات عاطفي أكثر مما هو استهلاكي. وقد امتلكت في الواقع قطعاً بسيطة تجاوزت قيمتها قيمة أي قطع ثمينة أخرى لأنها كانت مليئة بالحب والاهتمام وحاملة رمزية كبيرة.
خلف الشخصية الصارمة لملكة انجلترا، كانت هناك روح رومانسيةعشقت التكلّم من خلال الاستخدام الحكيم للمجوهرات. وقد بسّطت ملابسها، فمالت إلى الدانتيل والباستيل بالدرجات البيضاء أو الباستيلية وجعلتها خلفية تسلّط الضوء على جمال مجوهراتها الرائعة، حتى صارت أيقونة أناقة محبوبة في صفوف الصحافيين.
وأكثر ما ساعد في إبراز رمزية مجوهرات الملكة هو زواجها من الأمير ألبرت، الذي كان يحب أيضاً القيام بتصميم وتكليف بعض الهدايا الثمينة لملكته المحبوبة. من بين القطع الأكثر أهمية، مجموعة مذهلة من الزمرد والماس صاغتها اليدان الخبيرتان لصائغ الملكةجوزيف كيتشينغ. تكوّنهذا الطقم الثمين من تاج وعقد وزوج أقراط وبروش. وما عزّز رمزية هذه الهدية كان الخيار الدقيق لحجرها النفيس الرئيسي، أي الزمرّد.إذ كان الاعتقاد السائد في تلك القرون يقول عن الزمرّد إنه حامل القيم الملكية وقبل كل شيء كاشف لحقيقة أو كذب نذور الحبيب.
العهد الفيكتوريّ لم يكن عصراً سهلاً، لكن الملكة فيكتوريا نفسها كانت الشخصية الوحيدة التي أعطته نفحة جديدة وشعلة نور. جسّدت الملكة النموذج الصارم للأم الحاكمة ذات القيم الأخلاقية القوية، لكنها تمكنت من خلال شغفها بالمجوهرات من إيجاد وسيلة للتعبير عن تلك الروحانية التي ذبلت مع مرور الوقت.وبالحديث عن مجوهرات الملكة المفضلة، لا يمكننا نسيان تاجها، وهو من أروع المجوهرات الانجليزية على الإطلاق: 11حجر صفير أزرق ومئات الماسات المرصعة في هيكل من الذهب والفضّة تم تصميمه وفقاً للذوق القوطي.
سرعان ما أصبحت قطعة المجوهرات هذه شعار الملكة، ففي عام 1984، صُورت الملكة فكتوريا في صباها بلوحة شهيرة للرسام فرانز كسافر فينترهالتر وهي مكللةبالتاج في نقطة غير عادية، وتحديداً على الجزء الخلفي من مؤخرة العنق ليحيط بتسريحة كعكة شعرها (وكانت هذه الوضعية ممكنة بفضل مرونة الهيكل الداعم للتاج). ووفق ما ذكره ريتشارد إيدجكوم، المشرف على المجوهرات في متحف "فيكتوريا أند ألبرت"، قد حظي البورتريه بشهرة كبيرة فحمل صورة الملكة وتاجها حول العالم.
كانت هذه القطعة من مقتنياتها الشخصية وغير موجودةضمن مجموعة مجوهرات التاج الملكي. وبعد وفاة الملكة فيكتوريا، بدأتتنتقل من جيل إلى جيل. ظهرت الأميرة ماري، عمّة الملكة إليزابيث الثانية، في صورة وهي تعتمد التاج في عام 1922؛ وفي عام 1977، اختارته كونتيسة هيروود مجدداً للقاء الملكة إليزابيث في مناسبة ملكية. لاحقاً، في 1992، أصبح هدية زفافية لعروس من سلالة هيروود. وفي 1997، أعاره إيرل هيروود إلى دار المجوهرات اللندنية الشهيرة "فارتسكي" التي ابتكرت أيضاً خاتمي الزفاف الذهبيين للزوجين الملكيين تشارلز وكاميلا.وبعد ذلك، تم تصوير التاج في مناسبات مختلفة وعرضه دولياً. لكن في الآونة الأخيرة، تورط التاج الملكي في سلسلة من الأحداث خاطرت باختفاء الإكليل المميز إلى الأبد من وطنه الأم، إنجلترا.
بِيع التاج لشخص أجنبي مقابل 6.5 مليون دولار عام 2016، وعندما تقدم المشتري الثري بعد ذلك بطلب للحصول على ترخيص لتصدير المشتريات الثمينة، حصلت بلبلة في جميع أنحاء البلاد وتم فرض حظر على التصدير. ثم بدأ البحث الحثيث عن مشتر بريطاني يمكنه شراء قطعة المجوهرات هذه بالسعر المطلوب. وبعد عام من الانتظار، ظهر الملياردير الأيرلندي ويليام بولينغر الذي اشترى التاج وضمن إقامته في المملكة المتحدة. ولشكره على هذه المبادرة، سُمّي غاليري المجوهرات، الذي فتح أبوابه في العام الماضي في متحف فيكتوريا أند ألبرت، تيمناً به.
بالنظر إلى تاريخ هذا التاج، يسهل علينا أن نفهم السبب خلف كل هذا الجهد الذي يبذله وطن للحفاظ على قطعة مجوهرات داخل حدوده.فقد كان في الواقع أكثر بكثير من مجرد إكسسوار بسيط، وظلّ قطعة مرتبطة ارتباطاً عميقاً بتاريخ البلاد وحكاية إحدى بطلات