سرطان الثدي والعلاج الإشعاعي بالبروتونات.. ما مدى فعاليته في علاج المرض
لا شك في أن شهر أكتوبر، يحمل الكثير من المعاني الجميلة والمُحفزَة، التي تجعلنا نعشق هذا الشهر وننتظره من عام لآخر.
فهو شهر بداية الخريف واعتدال الطقس، وهو كذلك شهر العودة للمدارس والدوام بعد نهاية عطلة الصيف الممتعة. ولا ننسى أن شهر أكتوبر هو أحد الأشهر المهمة في حياة كل امرأة؛ كونها شهر التوعية من سرطان الثدي، وتشجيع النساء كافةً على الفحص المبكر.
التوعية من سرطان الثدي، بات يتخذ مناحي إيجابية عديدة؛ منها التركيز ليس فقط على التشخيص المبكر، الذي يساعد في تفعيل وتسريع عملية العلاج والتعافي من المرض. وإنما أيضًا، يستعرض لكافة التكنولوجيات وتقنيات العلاج التقليدية والحديثة ، التي تلقى رواجًا وإقبالًا كبيرين من المريضات والجسم الطبي ككل.
يتشارك المختصون وخبراء الأورام حول العالم، حول مسألة إنسانيةً بحت: ألا وهي تقديم كافة العلاجات الممكنة والفعالة، للقضاء على الورم السرطاني الذي قد يظهر في الثدي أو في الغدد اللمفاوية تحت الأبط. ومن هذه العلاجات، العلاج الأشعاعي الذي وعلى الرغم من حدته؛ إلا أنه يُسهم بنسبة عالية في مكافحة الأورام السرطانية الخبيثة بشكل مُكثَف.
تتميز أساليب العلاج الإشعاعي الحديثة بالدقة، فهي تُوجِّه حزم الأشعة مباشرةً نحو موضع السرطان بدقة، مع حماية الأنسجة الصحية من جرعات الإشعاع العالية.ويستخدم العلاج الإشعاعي غالبًا الأشعة السينية؛ ولكن توجد أنواعٌ أخرى من العلاج الإشعاعي، ومنها العلاج بالإشعاع البروتوني الذي نتطرق إليه في مقالة اليوم، والذي تُظهر الدراسات فاعليته الكبيرة في تقصير فترة علاج سرطان الثدي، بحسب ما أكد باحثون من "مايو كلينك".
قبل معرفة تفاصيل الدراسة الجديدة، فلنتعرف سويًا وبشكل موجز؛ على العلاج الإشعاعي البروتوني.
ما هو العلاج الإشعاعي بالبروتونات
بحسب ما أورد موقع "الطبي"، فإن العلاج البروتوني Proton Therapyهو نوعٌ من العلاج الإشعاعي؛ يتم خلاله توجيه حزمة من البروتونات النشطة، بواسطة إشعاع غير مؤلم عبر الجلد من جهاز خارج الجسم. ويُستخدم العلاج بالبروتون على نطاق واسع مؤخرًا، في علاج الأورام الخبيثة والحميدة، خاصةً السرطان.
ميَزات العلاج بالبروتونات
يرتكز علاج الأورام بشكل كبير، على العلاج بواسطة الفوتونات عن طريق الأشعة السينية X-Ray. وعلى الرغم من نجاحها في هذا المجال، إلا أن الفوتونات لا تُقدم سوى جرعةً صغيرة من الإشعاع داخل مساحة الورم، فيما تنتشر باقي الأشعة خارج حدود الورم؛خصوصًا في حال كان الورم صغيرًا نسبيًا. ما قد يُسبب ضررًا للأنسجة السليمة، ويزيد من احتمالية ظهور سرطانات أخرى في المستقبل بشكل كبير.
في العام 1946،أجرى العالم الأمريكي روبرت ويلسونبحثًا عن البروتونات النشطة، وإمكانية علاج السرطان بالبروتون عوضًاعن الأشعة السينية، كما بحث في مدى فعالية هذه الطريقة. وأشار بحث ويلسون إلى خصوصية السمة الفيزيائية الأساسية لمنحنى حزمة البروتونات، عندما تخترق الجسم في طريقها إلى الورم؛ حيث يتم إطلاق كمية أقل من الطاقة أولًا، ثم إطلاق كمية أكبر بكثير من طاقة حزمة البروتونات في نهاية مسارها.
وهنا تكمن الميزة الأساسية في مجال العلاج البروتوني، كونه أكثر قدرةً على إيصال جرعة إشعاعية عالية إلى عمق محدد بدقة في الجسم، يُعرف بإسم ذروة براغ Bragg Peak، والتي تقع عند أقصى عمق اختراق لحزمة البروتون. لتنخفض الجرعة بسرعة بعد ذلك، ما يحافظ على الأنسجة السليمة حول الهدف.
العلاج البروتونات قد يُقصَر فترة علاج سرطان الثدي
ليس العلاج البروتوني فعالًا فقط في الوصول إلى الأورام السرطانية بكثافة والقضاء عليها، بل أنه قد يُقصَر من مدة العلاج؛ بحسب ما كشفت دراسة أجراها باحثون من"مايو كلينك".
وضمن تجربة عشوائية نُشرت في مجلة "لانسيت للأورام" The Lancet Oncology؛ اكتشف الباحثون في مركز "مايو كلينك" الشامل للسرطان، أدلةً تدعم تقليص فترة العلاج لمريضات سرطان الثدي. وقد قارنت الدراسة جدولين منفصلين للجرعات من العلاج بالبروتونات بالمسح الشعاعي القلمي، وهو النوع الأكثر تقدمًا من العلاج بالبروتونات،المعروف بدقته في استهداف الخلايا السرطانية مع الحفاظ على الأنسجة السليمة لتقليل مخاطر الآثار الجانبية.
تستمر معدلات البقاء على قيد الحياة لمريضة سرطان الثدي في التحسن، بسبب تقدم طرق التشخيص والعلاج؛ مما يؤدي إلى زيادة التركيز على تقليل سمية علاج السرطان على المدى الطويل، بما في ذلك العلاج الإشعاعي.
قبل هذه الدراسة؛ كانت جميع المريضات اللاتي عولجن بالعلاج الإشعاعي بالبروتون بعد استئصال الثدي (PMRT) قد تلقينَ دورة مُتعارف عليها مدتها 25 إلى 30 يومًا، تُقدم لمدة 5 أيام في الأسبوع وعلى مدى 5 - 6 أسابيع. ويأمل الباحثون في إثبات أن تكثيف دورة العلاج الإشعاعي بالبروتونات، وهو شكلٌ من أشكال العلاج الجزيئي الذي يمكن أن يُجنَب القلب والرئتين من الضرر الإشعاعي، قد يؤدي إلى آثار جانبية مماثلة.
تفاصيل الدراسة
تم اختيار 82 مريضة ممن لديهنَ مؤشرات للعلاج الإشعاعي بالبروتون بعد استئصال الثدي (PMRT)، وكثير منهنَكنَ خضعنَ لإعادة بناء الثدي مسبقًا؛ إما للتجزئة التقليدية (أجزاءٌ من جرعة الإشعاع) التي تُدار في 25 يومًا، أو جدول مُكثف لمدة 15 يومًا من نقص التجزئة.
في حالة نقص التجزئة؛ تُعطَى للمريضة جرعةً أكبر من العلاج الإشعاعي مع كل علاج، مما يسمح بإكمال العلاج الإشعاعي بالكامل خلال 3 أسابيع فقط. ووجد الباحثون أن العلاج التقليدي والبروتوني ناقص التجزئة، أدى إلى سيطرة ممتازة على السرطان مع الحفاظ على الأنسجة الطبيعية المحيطة. وعلاوةً على ذلك، كانت معدلات المضاعفات قابلةً للمقارنة بين مجموعتي الدراسة.
ويقول روبرت موتر، دكتور في الطب أخصائي علاج الأورام بالإشعاع وطبيب/عالم في مركز مايو كلينك الشامل للسرطان حول هذه النتائج: "تُوفر الدراسة أول بيانات محتملة تدعم استخدام العلاج الإشعاعي بالبروتون بعد استئصال الثدي (PMRT) ذو الدورة الأقصر، بما في ذلك لدى المريضات اللاتي شُخِصن بإعادة بناء الثدي الفوري، والنتائج المدروسة الأولى لتجربة عشوائية في مجال العلاج بجزيئات الثدي."
وأضاف: "يمكننا الآن النظر مع المريضات في خيار العلاج لمدة 15 يومًا، بناءً على نتائج العلاج المماثلة التي تمت ملاحظتها مثل الدورة التقليدية الأطول. كما تجدر الإشارة إلى أن الدورة القصيرة، أدت في الواقع إلى تقليل الآثار الجانبية الجلدية أثناء العلاج وبعده."
الأهم من ذلك، أن الباحثين لاحظوا أن الجدول الجديد يُجنَب المريضات المزيد من الإزعاج والتكلفة والأعباء الأخرى المرتبطة بالنظام الأطول. ونظرًا لوجود عدد محدود من مرافق العلاج بالبروتونات في الولايات المتحدة والعالم، يضيف الدكتور موتر أن إثبات سلامة وقابلية تنفيذ دورة العلاج الأقصر، يمكن أن يؤدي لزيادة الوصول إلى تقنية شعاع البروتون لعلاج حالات سرطان الثدي التي يصعب علاجها.
الحاجة للمزيد من البحث
يقول الباحثون إن هناك ما يُبرر إجراء تحقيق إضافي في الجرعة المثالية للعلاج الإشعاعي بالبروتون بعد استئصال الثدي (PMRT) والتجزئة. ويخطط الفريق لإجراء المزيد من الأبحاث، والتحقيق في تسليم العلاج الإشعاعي بالبروتون بعد استئصال الثدي (PMRT) في أقل من 5 أيام.
ويعلَق الدكتور موتر قائلًا: "هدفنا في النهاية هو تخصيص العلاج الإشعاعي استنادًا إلى بيولوجيا الورم. نريد تحديد أفضل جداول العلاج الإشعاعي أو مجموعات العلاج الإشعاعي الدوائي الممكنة للقضاء على السرطان مع تقليل الآثار الجانبية."
ختام القول، ان العلاج الإشعاعي الذي يساند العلاجات الأخرى الموصوفة من قبل المختصين للقضاء على الورم السرطاني (مثل العلاج الكيماوي والعلاج الهرموني والجراحة)؛ وباستخدام البروتونات، يمكن أن يُقصَر مدة العلاج بنسبة كبيرة. كما يحمي الأعضاء الأخرى في الجسم، من ضرر الأشعة. وحده الطبيب المختص هو القادر على تحديد فاعلية هذا العلاج وحاجة كل مريضة إليه، لذا ننصح مريضات سرطان الثدي بوجوب التحدث والتشاور مع أطبائهنَ، للتأكد من الخضوع للعلاجات المناسبة والأمثل لكل حالة.