الذكاء الإجتماعي يتراقص على أوتار الثقة بالنفس... تعرفي على أهميته وكيفية اكتسابه لتكّوين علاقات اجتماعية ناجحة
يُعتبر العنصر المهم في العلاقات الإنسانية، وينظّر إليه على أنه واحد من مجموعة قدراتٍ متداخلةٍ؛ وإلى جانب ذلك تحدّث الكثير من المتخصّصين عن تسمياتٍ عدّة له، وعلى هذا النحو فهو له ستة أنواعٍ رئيسية.
سنتطرق اليوم عبر موقع " هي " إلى الحديث عن الذكاء الإجتماعي، وما أهميته لتعزيز ثقتك بنفسك وتكّوين علاقات اجتماعية ناجحة وهادفة؛ وبما أن أصناف البشر تتعدّد، ونفسيّاتهم وسلوكهم تتنوع في الحياة، فإن الذكاء الإجتماعي يُعتبر أحد أهم القدرات الأساسية التي ستُميزك في جميع أمور الحيايتة.
لذا رافقينا للتعرف على أهميتة، كيفية الاستفادة منه لتكّوين علاقات اجتماعية إيجابية، قد تُساهم في تغيير شخصيتك للأفضل، وذلك من خلال استشاري التنمية البشرية مصطفى الباشا من القاهرة.
ما هو الذكاء الإجتماعي لتعزيز شخصية المرأة؟
وبحسب دكتور مصطفى، الذكاء الاجتماعي هو مجموعةٌ من المهارات التي تجتمع مع بعضها البعض، لتجعل المرأة قادرة على الارتباط مع الآخرين، ولديها القدرة على التواصل معهم بفعاليةٍ عاليةٍ.
فعندما تكون المرأة قادرة على فهم عقلها وذاتها، وتُحاول التعايش معهما فهي بذلك تملك قدرةً كبيرة، أمّا إن كانت قادرة على التعايش، والتواصل مع الآخرين، والتعامل معهم بنجاح في وقتٍ واحدٍ، فهي بذلك تمتلك قدرةً أكبر، يتخللها ذكاءٍ صادرٍ منها، وعلامات العبقرية.
وذلك لأنّ الأذكياء اجتماعيًا يستخدمون كافة ما لديهم من طاقاتٍ كامنة، وإمكانياتٍ كبيرة، جسدية وعقلية للتواصل مع الآخرين، ومحاولة قراءة أفكارهم، ومساندتهم، وتشجيعهم على النجاح، والإبداع في حياتهم، وتكوين صداقاتٍ جديدة، وزيادة حلقة الصداقة مع الآخرين، والمحافظة عليها.
هل الذكاء الإجتماعي يُمكّن المرأة في تفسير أفكار الآخرين؟
نعم، فهو القدرة على الانسجام والتآلف الجيد مع الآخرين وكسب تعاونهم معها، وكما يقول فيكتور هوجو: "بأن هناك شيء أقوى من كل جيوش العالم، ذلك الشيء هو فكرة جديدة حان وقتها؟".
نعم إنه ذكاء من نوع مختلف، وهو يتجاوز حدود حاصل الذكاء IQ، وكما وضع "أرل ألبرخت" في كتابه الذكاء الاجتماعي أبعادًا لهذا الذكاء وجمعها بخمسة أبعاد، وهي الوعي الموقفي، وهو كأنه رادار اجتماعي، أو هو القدرة على قراءة المواقف وتفسير سلوكيات الآخرين في تلك المواقف، وفقاً لأهدافهم المحتملة، وحالتهم العاطفية، وميلهم إلى التواصل، والحضور.
ويُشار إليه غالبًا بمصطلح التأثير، وهو مجموعة كاملة من الإشارات التي تُعالجها المرأة لتتوصل منها إلى انطباع تقييمي للطرف الآخر، والأصالة، والوضوح، أي القدرة على تفسير أفكاره وصياغة آرائه، والتعاطف معه.
ما هي المُسميات الآخرى المرتبطة بالذكاء الإجتماعي؟
وأضاف دكتور مصطفى، أن مهارات التواصل، ومهارات التعامل مع الآخرين، والمهارات الشخصية؛ جميعها ارتبطت بالذكاء الإجتماعي. والمُلاحظ أن مثل هذه التسميات التقليديّة قد ضيّقت فهم الذكاء الاجتماعي لدى الأشخاص على اعتبار أنه مفهوم واسع؛ فهو يتطلّب بالإضافة إلى معرفة المرأة لمجموعةٍ من المهارات الحياتية، أو بعض الإجراءات المحددة، معرفةً كبيرة، وخبرةً عاليةً بثقافة الشخص الذي تقف أمامه، وقد تحتاج إلى ثقافاتٍ أخرى، وأيضًا إلى تراكمٍ للخبرات، والمَعارف الناتجة عن مُواصلة الشخص للملاحظة والتعلم، فيما قد يُفيدها وما لا يُفيدها في المَواقف الإنسانية.
عمومًا، المرأة التي تمتلك ذكاءً اجتماعيًا هي التي تستطيع التعامل مع الناس كلً بحسب طِباعه؛ لتجذبهم إليها، وتضمن استمرار علاقتها بهم، وحتى تتعرّف ايضًا على أفكارهم وتُساعدهم على تنمية شخصياتهم بإستخدام الأسلوب اللّبِق وسعة الصدر معهم، بحيث ترفع معنويّاتهم وتدعمهم نفسيًّا، من دون أن تعطيهم قدرًا أكبر من قدرهّم ، من أجل وصولهم إلى النجاح في حياتهم.
لماذا يُعد الذكاء الإجتماعي مهمًا لتطوير شخصية المرأة؟
وفي هذا الشأن، أوضح دكتور مصطفى، أن أفضل فهم للذكاء الاجتماعي أن تنظر المرأة إليه على أنه واحد من مجموعة قدراتٍ متداخلةٍ؛ فالذكاء البشري ليس سمة واحدة، وإنما هو أنماط متعدّدة، وعلى هذا النحو فهو له ستة أنواعٍ رئيسية: الذكاء المجرد، والذكاء الاجتماعي، والذكاء العملي، والذكاء العاطفي، والذكاء الفني، والذكاء الحركي.
وبالتالي، سيُشكل شبكة عنكبوتية من المهارات المهمة والهادفة للمرأة في جميع أمور حياتها من دون استثناء. لذا عليها أن تفهم السياق الاجتماعي، والسياق المكاني؛ فمناطق التواصل تُقسم للحيز العام والاجتماعي والشخصي والحميمي.
وكما يقول روبرت بيرنر: "بأنها يا لها من قوة عظيمة تلك المنحة الإلهية، أن نرى أنفسنا كما يراها الآخرون، يحررنا هذا من داء التخبط والكثير من الأفكار الحمقاء".
وكما يقول جيمس دين بأنه: "عش سريعًا ومت شابًا، واترك جثة حسنة المظهر، فلا شك أن المظهر يلعب دورًا جيدًا في الذكاء الاجتماعي". وكما يقول باباي: "أنا هو أنا، وهذا كل ما هو أنا"، فخذ النصيحة من باباي، فللأصالة دور جوهري في الذكاء الاجتماعي، والنرجسية هي افتقاد للأصالة، في لغة الذكاء الاجتماعي ما يطلق عليه علماء النفس بالنرجسية أو حب الذات، يسمى افتقاد الأصالة.
ما هي وسائل تنمية الذكاء الإجتماعي لدى المرأة؟
أشار دكتور مصطفى، إلى أن هناك عدة وسائل لتنمية الذكاء الإجتماعي بصفة عامة، حددها الباحثون، ويُمكن أن تستفيد منها المرأة وذلك على النحو التالي:
- المشاركة في المناسبات الاجتماعيّة؛ للاندماج مع المجتمع، والتّعامل مع الأصناف المختلفة من النّاس.
- الإكثار من الأصدقاء والمعارف الطّيّبين.
- معرفة الوضع النفسيّ للآخرين، ومعاملتهم على أساسه.
- الاهتمام بالجالسين جميعًا وإشعارهم بأنهم أشخاص مهمّون لهم وزنهم.
- إصلاح الخطأ في حال وقوعه، وعدم الإصرار عليه.
- الإكثار من المطالعة والقراءة في المجالات المختلفة؛ للمشاركة في الحوارات المتنوّعة.
- تجنّب النّصيحة المباشرة في حال وجود من لا يتقبّلها، وإيصال النّصح بالتّلميح.
- محاولة ضبط النّفس عند إثارتها، وكتمان الغيظ، والصّبر على حماقات الآخرين واستيعابها.
- وصْلُ الأرحام؛ ففيه تطبيق لأمر الله، واكتساب مهارتي التّعامل والذّكاء الاجتماعيّ في آنٍ واحدٍ.
- التدرّب على الاستماع إلى الآخر، وعدم قطع حديثه أو احتكار الحديث والسيطرة على الجلسة؛ فالاستماع جزء كبير من النّجاح والتّميّز الاجتماعيّ.
- حسن التّعامل ولطف الحديث مع الآخرين، والتبسّم في وجوههم، وترك انطباع جيّد عندهم، وتذكّرهم بالهدايا من حين إلى آخر؛ فالهدايا تؤلّف القلب وتزيد المحبة.
- اليقين بأنّ هناك آراءً تختلف عن آرائك، ومن المستحيل تطابق وجهات النّظر، لذا يجب النّقاش بهدوء مع الآخرين، والاستماع إلى أفكارهم، والتّكيّف مع اختلافهم.
- التّدرّب على إحسان الظّنّ بالآخرين؛ لأنّ إساءة الظن تؤدّي إلى البغضاء، وكره الطّرف الآخر في حال كونِ الظّنّ ليس صحيحاً، فضلاً عن اكتساب إثمٍ في أمر نهى الله تعالى عنه.
كيف تتمكّن المرأة من تطوير ذاتها بإستخدام الذكاء الإجتماعي؟
من ناحية أخرى، أكد دكتور مصطفى، أن الذكاء الإجتماعي هو مهارة كباقي المهارات الأخرى يُمكن اكتسابه، وتعلّمه، وإتقانه من خلال التدريب والممارسة، وذلك بامتلاك المرأة بعضٍ من نقاط القوة التي تجعلها "ذكية إجتماعيًا" ومن هذه النقاط:
- الإحساس بمشاعرهم وفهمها.
- امتلاك فنّ الحوار الناجح.
- اكتساب محبّة الآخرين، وإقناعهم بسهولة بأفكاره.
- القدرة على التودّد إلى الأشخاص المحيطين، وكسب قلوبهم.
- مهارة الاستماع إلى الآخر، والاطلاع على أفكاره ومشاكله إن وُجِدت.
- تدارُك المواقف المُحرجة بحسن التّصرّف، واستخدام الأسلوب اللّائق والمناسب.
- فهم الآخرين من خلال لغة الجسد، وحركات الأيدي، وطريقة الابتسامة، ونظرات العيون، وغير ذلك من الحركات الجسديّة؛ التي يُمكن أن تعطي صورة عن حال الشخص، واثقًا كان أو مضطربًا، سعيدًا أو حزينًا، صحيحًا أو مريضًا، فهذه اللغة تساعد على التقرّب أكثر من الشخص، وكسب ثقته، ومساعدته على تجاوز مشاكله.
كيف تكوّن المرأة علاقات اجتماعية إيجابية؟
وبناءً على ما سبق، ينصح دكتور مصطفى كل امرأة بإتباع هذه التعليمات، كي تستفيد من الذكاء الإجتماعي في تعزيز ثقتها بنفسها وتُطور من ذاتها بإستمرار، وذلك على النحو التالي:
إدرسي أثر "الكلمة" وأبعادها
إن الفارق بين الكلمة المناسبة والكلمة شبّه المُناسبة فارق شاسع تمامًا كالفارق بين البرق وحشرة البرق؛ لذا كوني واضحة، وحددي الوقت المناسب، وتجنبي الثرثرة. فأحيانًا يكون الصمت أفضل.
وكما يقول أحد الفلاسفة " بأن تلتزم الصمّت فيشك البعض أنك أحمق أفضل من أن تتكلم فتقطع الشك باليقين"
وكما تقول هيلين كيلر: "بأنني أستطيع أنا العمياء أن أقدم نصيحة للمبصرين، نصيحة صغيرة لأولئك الذين يرغبون في تحقيق أقصى استفادة من نعمة البصر، استخدموا أعينكم كما لو أنكم ستفقدون البصر غدًا، والأمر نفسه ينطبق على الحواس الأخرى، استمعوا إلى أصوات الموسيقى، وغناء الطيور، وعزف الأوركسترا وكأنه آخر ما ستسمعون، المسوا كل شيء وكأنكم لن تلمسوه مرة أخرى أبدًا، شموا عبير الزهور، وتذوقوا اللقمة مبتهجين وكأنكم ستفقدون حاستي الشم والتذوق للأبد".
إتقني مهارة التواصل
للتواصل عدّة أساليب وذلك وفقًا لارتكازها على النتائج أو على العلاقة الاجتماعية، وهي الانطوائي والدبلوماسي والقائد والمحفز، فاتجاه التواصل في العلاقة الاجتماعية إما أن تكون منخفضة أو مرتفعة، وفي التركيز على النتائج إما أن يكون التركيز على الناس أو على المهمة، وفي كلا الحالات عليك ألا تُصدّري أحكاماً مسبقة.
والمسار الحلزوني المزدوج في العلاقات يبدأ بعدم الثقة ثم ينحدر إلى الاستفزاز ثم التصعيد ثم طريق مسدود، ويبدأ من التعاطف ثم يصعد إلى التقبل وثم التبادل ثم الاستمرارية، فلا فائدة من الجدل أبدًا وخير موقف لكِ للفوز بالجدل هو أن تتجنبيه من الأصل. وكما يقول ويليام بلاك: "بأن الشخص الذي يتم إجباره على الاقتناع لا يقتنع أبداً".
وكما يقول لاوتسو الحكيم الصيني بأنه: "ليس أفضل قبطان من يبحر بتهور، وليس أفضل جندي من يعميه حماسه، بل إن أعظم منتصر هو من يربح دون خوض المعركة".
ولكي تجري حوارًا حاسمًا يقول ستيف ألبرخت عليكِ أن تفهمي الموقف بوضوح، وأن تُحددي مصالحك بوضوح، وأن تُحددي استراتيجية تعامل، وأن تقومي بالتحاور بروح بناءة، وتعملي على الوصول إلى نتيجة واضحة، ولكي تحصلي على موافقة حددي المصالح وحددي عناصر القيمة وصممي مجموعة من حزم الاتفاقات المقترحة "ثلاثة على الأقل"، وقومي بالتعاون لتحقيق أفضل اتفاق، وقومي أيضَا بتحسين وتدعيم الاتفاق المختار.
حبّي الآخرين وتفاعلي معهم
إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه كما عرفه ابن خلدون في مقدمته، ليس له غنىً عن التعامل مع الآخرين من المحيطين به، ولكن التعامل مع الآخرين ليس بالأمر الهين.
وكما يقول ابراهيم الفقي في كتابه "كيف تكون نجمًا اجتماعياً" بأنه ربما تسبب هذا التعامل بمشاكل كثيرة للشخص، لأن طباع الناس مختلفة، وأمزجتهم متباينة، وبموجز العبارة لابد للشخص أن يكون لبقاً ومرناً وذكياً في تعامله مع المحيطين به.
وكما قال أبو الفتح البستي: "أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الناس إحسان، فعندما تقول الحقيقة دائمًا يثق بك الناس، وعندما تفعل ما قلت إنك ستفعله كما وعدت، يحترمك الناس، وعندما تشعر الآخرين بالتميز يحبك الناس".
ولكي تكوني صديقة جيدة كما قال إبراهيم الفقي. عليكِ أن تستخدمي الدعابة، وأن تكوني مُقدرّة للآخرين، وتظهرّي الاهتمام، والاحترام وتتوقعينه، وتكوني أمينة، ومعاونة، وتطلبي المساعدة. فقاعدة العلاقات الجيدة في المسيحية تقول "إن كل ما تفعله للآخرين مما يمكن للآخرين أن يفعلوه معك، يؤثر عليك كما يؤثر عليهم، لأن هذا هو القانون والكتاب".
وفي الإسلام عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، رواه البخاري ومسلم. فهذه هي القاعدة الذهبية في العلاقات الجيدة، أما المعاملة التي يريدها الجميع هي الاحترام والعدل والأمانة. فالذكاء الاجتماعي يعد أساسًا لنجاح المنظمات والشركات، كما أنه كفيل بنجاحكِ وفلاحِك في الدنيا والآخرة، فالذكاء الاجتماعي يمكن تعلمه ويجب تعلمه، وهو ضروري لكي تكسبي القلوب، ويحبّك الناس.