خاص "هي" - المهندسة الميكانيكية ريم حراجلي: رغبتي تحدّي الصورة النمطية للنساء العاملات في الهندسة الميكانيكية
فرضت المرأة حضورها في مجال الهندسة بكل فروعها منذ أن اقتحمت هذا المجال، لاسيما في الهندسة الميكانيكية الذي ينظر إليه باعتباره مجالاً ذكورياً. غير أن المرأة، لاسيما في الوطن العربي، لا زالت تشعر بقلّة تقدير مهاراتها، لذلك تسعى باستمرار إلى إثبات وجودها وجدارتها في مجال الهندسة.
في هذا المقال، نستعرض قصة نجاح المهندسة الميكانيكية ريم حراجلي التي تعكس الإصرار والتفاني في تحقيق الأهداف وتحفيز المرأة على متابعة شغفها في عالم الهندسة المكيانيكية.
فكيف استطاعت إثبات نجاحها في مهنة الهندسة الميكانيكية رغم الصعوبات التي تواجهها؟ وما هي كواليس العمل في المهنة؟.
في البداية، عرّفينا عن نفسك؟
بدأت مسيرتي الأكاديمية باختصاص الهندسة الميكانيكية في الجامعة اللبنانية المعروفة بأنّها من الجامعات التي يجهد فيها الطالب لتحقيق طموحاته. في العام 2014، انتقلت إلى أبو ظبي في أول فرصة عملي لي خارج البلاد، فكان التحدّي كبيراً، خصوصاً أنّني في بلد غريب وبمفردي، أبدأ مسيرتي المهنية من نقطة الصفر. وكانت الصعوبة في تأسيس نفسي، وأنني أعمل في شركة تضمّ أشخاصاً من جنسيات متعدّدة وثقافات مختلفة.
ما هي المهارات والصفات التي تقدمها المرأة لقطاع هندسية المكانيك، والتي غالباً ما يتم التغاضي عنها أو التقليل من أهميتها؟
هناك تصوّر تقليدي منتشر بأن المهام المتعددة من اختصاص النساء، فالمرأة خاصة الأمهات يقمن بأداء وظائفهن وإدارة الأسرة، وهي أفضل من الرجل في القيام بعدة مهام في آن واحد. هذه النطقة بالتحديد، استطعت إبرازها في نفسي في العمل، عملي المتقن وقدراتي على متابعة الشاردة والواردة، ومتابعة أدقّ التفاصيل، وبناء أفضل العلاقات مع الزبائن والزملاء، كل هذا التعب والجهد والثقة كانت الأجوبة لكلّ من شكّك بقدراتي، وجعل طريق عملي تطبّق كنموذج في العمل. هنا تظهر قوة المرأة في العمل. لا ننسى أن المرأة تنجح أيضاً بعاطفتها في تحسين العلاقة مع الزبائن وتشجعيهم على العمل معك أكثر. أنا مؤمنة بأن النساء إذا ما حصلنّ على الدعم والأدوات المناسبة، سيتمكنّ من تحقيق النجاح في مهنة يهمين عليها الذكور، بل أن نجاحهنّ سوف يفوق توقعاتهنّ الشخصية.
ما الصعوبات التي واجهتك في بدايتك في مجال عملك في هندسية الميكانيك؟
واحدة من الصعوبات التي واجهتني هو أنني كنت ذات شخصية خجولة خصوصاً أنني تركت عائلتي ووطني وذهبت إلى بلد مختلف عن ثقافتي، ويتكلمون الانجليزية بينما أنا تخصصت باللغة الفرنسية. فضلاً أن الشركة التي بدأت العمل لديها هي شركة كبيرة ومن جنسيات متعدّدة، وكنت أنا الفتاة الوحيدة في فريق العمل المؤلف من 70 شاب. سألت نفسي عدة مرات كيف سأثبت نفسي ضمن هذه الأجواء بما أنني الفتاة الوحيدة، وكيف أقنعهم بقدراتي وبأنني استحق المركز. الخوف والخجل جعلني أجد صعوبة في التحدث وإعطاء رأيي. لم يكن لدي الثقة والجرأة أن أتحدث في الاجتماعات وأثبت وجودي. هذا الأمر استمر إلى حين تعيين مدير جديد، ولحسن الصدف كانت امرأة بريطانية. هذا التعيين انعكس إيجاباً على مسيرتي المهنية، فقد أخذت على عاتقها أن تعطيني هذه الفرصة للانطلاق، وساعدتني من خلال معاملتها وكيفية تعاطيها مع الموظفين لاكتساب المهارة والثقة وإثبات نفسي بفضل تشجيعها ودعمها. بدأت أتحدّى نفسي وشجعتني على إبداء آرائي ووجهات نظري في المواضيع التي نناقشها، وعدم الخوف من السؤال، وعلمتني الكثير في مجال العمل، وهنا اشدد أننا كنساء نتطلع دائماً إلى Role Model وراع في الحياة يدعمنا في مسيرتنا المهنية، وفي حالتي الفضل يعود إلى مديرتي.
ما مدى أهمية الإضاءة على تجارب المرأة في تشجيع وإلهام غيرها من النساء؟
أعتقد بأنه من الضروري مشاركة التجارب وقصص النجاح التي تظهر كيفية مواجهة المرأة للتحديات واغتنامها للفرص من أجل إلهام غيرها من النساء. الإضاءة على قصص النجاح والمسيرات المهنية الملهمة هو مصدر إلهام للكثير من الفتيات وستشجعهن على اتخاذ خطوات مؤثرة في حياتهم ومجتمعاتهم.
حصدت شخصياً على جائزة "مهندسة العام" في مجال الهندسة الميكانيكية في حفل CBNME السنوي في آذار الماضي. الحفل الذي أُقيم في دبي استقطب مشاركات من العديد من المهندسين والشركات في الشرق الأوسط، واعتمد على التميز وقوة المشاريع في اختياره للفائزين. عن فئتي، تمكنت من الوصول للنهائي وخطف الجائزة الأولى استناداً على مشاريعي وعملي المتقن. هذه الجائزة تميزني عن غيري كامرأة في مجال الهندسة الميكانيكية الذي يحتكره الرجل لأنني كنت الوحيدة التي تقدمت لها وكامرأة وصلت الى النهائيات وحصدت هذه الجائزة. ففي حين لا يزال، لسوء الحظ، يُنظر إلى النساء في بعض البلدان على أنهن غير مناسبات لأداء أدوار كهذه، هذا الإنجاز يزيد من الشعور بالرضا. وقد تفاجئت بعدها من كمية الرسائل التي وصلتني من فتيات في الجامعات والمدارس وخريجات جدد أبدين شعورهن بالفخر انني كامرأة مثلهن في مجال الهندسية الميكانيكية تمكنّت من تحقيق هذا الإنجاز ووصلت إلى مراتب عالية، وكنت بالنسبة لهن قدوة. هنا طبعاً، شعرت بمدى قدرتي على إعطاء المزيد في هذا المجال وللمرأة بشكل عام. هذا الدور ليس بقليل وأتحمله جدياً وحصدت ما بينته من ثقة وجهد وعمل وتعب من أجل الوصول إلى هدفي.
ما هو رأيك بمستويات التنوع والمساواة والشمول في أماكن العمل للمرأة العربية؟
رغم التقدّم الملموس الذي حققته المرأة على مدى العقود الماضية، غير أنّ الطريق لا يزال طويلاً نحو تحقيق المساواة بين الجنسين. عند بدايتي في العمل، كنت الفتاة الوحيدة في فريق العمل، لذلك اليوم أطالب بمشاركة أكبر للمرأة في فريقي خصوصاً ضمن برامج التخرج. من المهم للغاية أن نقيس مدى تقدمنا، لنعرف حجم ما حققناه لغاية اليوم، مما يساعدنا في الوصول إلى ما نطمح إليه. في الوقت الراهن مثلاً يوجد فقط فتاتين في فريق عملي، أعتقد ان هناك عمل كبير يجب أن يتحقق في المدراس وضمن المجتمع، لأن العقلية التي نزرعها في أولادنا منذ الصغر هي التي تؤثر على نظرة المرأة لنفسها في المستقبل.
ما هي برأيك أهم العقبات التي تعيق وصول المرأة إلى مناصب أعلى؟
هناك تحيّز ضد المرأة منعها من شغل مناصب قيادية عليا في الماضي، ولا تزال أجزاء كبيرة من عالمنا غير مجهّزة بطريقة تشجع عمل المرأة. ورغم أن المؤسّسات باتت اليوم تركّز أكثر على التنوّع والشمولية، غير أنّ وجود قدوة لا يزال أحد أهمّ العوامل المحفّزة لاستقطاب النساء إلى قطاع الهندسة الميكانيكية أو إلى أي قطاع عموماً. هذا ضروري حتماً إذا كنّا نريد رؤية مكان عمل يتّبع التوازن والشمولية في التمثيل فعلاً. للأسف، عادة ما يكون هذا الشخص في المراكز القيادية العليا رجل وليس امرأة، ولذلك ليس كل الرجال يستطعيون أن يروا في المرأة أنها قادرة أن تكون في المراكز القيادية في الهندسة الميكانيكية. هذه النظرة التقليدية تؤكد أهمية أن مجتمعاتنا بحاجة الى تثقيف وتوعية تبدأ منذ التنشئة الأولى عند الذكور بهدف تغيير النظرة النمطية لدور وقدرات المرأة في صنع القرار. المرأة قادرة على كل شيء ولا شيء يمنعها على تحقيق كل ما ترغب به.
كيف تعملين على تمكين نفسك وتمكين النساء من حولك؟
بالنسبة لي، القراءة هي وسيلة التمكين الثقافي. أتابع وأقرأ سير نجاح لنساء تغلبن على ظروف مماثلة، أو قصص بقلم مؤلفات. على الصعيد الشخصي، أعتقد بأن الجزء الأفضل من عملي في منصبي الحالي في هو أنني أبذل جهدي لضمان حصول الفتيات على فرصة متكافئة للنمو والتقدم. وأسعى لتحسين فرص الإرشاد وتقديم الدعم لهن، لمساعدتهم على تخطي العقبات وتحقيق أهدافهم المهنية. ما علّمتني إياه وظيفتي هو أن النساء بحاجة إلى النساء لدعم بعضهن البعض، أنا بدايتي لم تكن سهلة ولكنني وصلت وسأقدّم الدعم الذي حرمت منه في بدايتي، وهدفي تحدّي الصور النمطية المنسوبة إلى النساء العاملات في الهندسة. نحن بحاجة إلى الإستمرار في مساعدة النساء والفتيات من حولنا، وأنا مستعدّة لتقديم كل الدعم والنصائح لأيّ شابة بحاجة لي. تشعر النساء بالارتياح في التحدث معي وهذا الأسلوب اتبعه مع جميع الفتيات سواء داخل أو خارج العمل وضمن مجتمعي وعائلتي الصغيرة. أقدّم لهن النصائح وأتكلم معهن عن مستقبلهن وطموحاتهن وكل هواجسهن، وأمهدّ لهن الطريق بفضل خبرتي في الحياة والعمل في الخليج للوصول إلى الهدف الذي يرغبن به.