"بيغوم كيروغلو": "يلعب الابتكار دورا محوريا في الحفاظ على التقاليد الحرفية"
حوار: NADINE EL HAGE
على أرض مدينة إسطنبول، حيث تخبر القصور والمباني والأسواق والحدائق والشوارع والأزقة آلاف الحكايات التاريخية الممتدة عبر قرون، والجامعة بين حضارات وثقافات مختلفة، ولدت مصممة المجوهرات التركية "بيغوم كيروغلو" BEGÜM KIROGLU في كنف عائلة متمرسة في جمع الأعمال الفنية العثمانية. بين متاهات إسطنبول المعانقة للشرق والغرب، وأزقة المدن الأخرى التي سافرت إليها مع عائلتها بحثا عن الكنوز الأثرية، أمضت "بيغوم" طفولتها محاطة بقطع نادرة غذّت شغفها الفطري بالفن والثقافة والإبداع. وقادها "طريق الحرير" شرقا نحو الصين، حيث مكثت في مدينة شنغهاي خمس سنوات، وحازت شهادة ماجستير في الثقافة والفن الصينيين. لاحقا، انطلقت في مغامرة التصميم متأثرة بتاريخ شنغهاي وإسطنبول وحاضرهما، ومستقية إلهامها في المقام الأول من الحضارة العثمانية وفخامة فنونها وأنسجتها وعمارتها ومجوهراتها وأزيائها، ومصوبة عينيها أيضا على الطبيعة بما فيها من حيوانات ونباتات وأزهار أبدية الجمال.
في عام 2012، أسست دار المجوهرات الخاصة بها "بيغوم خان" BEGÜM KHAN، وكانت البداية مع كبكات رجالية قبل أن تنمو مجموعتها لتضم عددا كبيرا من المجوهرات النسائية والرجالية التي تتحول فيها المواد النادرة والنفيسة إلى قطع تبعث الفرح وتكلل الأناقة المعاصرة بهالة من وهج العالم القديم. مزجها بين الكلاسيكي والعصري يعكس روح مسقط رأسها إسطنبول، حيث تصمم "بيغوم" كل قطعة قبل أن تنفّذها أنامل حرفيين محليين ماهرين؛ وقد لمع اسم علامتها في مشاريع تعاونية جمعتها بفنانين آخرين ودور عالمية مثل "أكواتزورا" و"جيرلان".
اليوم، تطلق مجموعتها الجديدة "بنغال" المستوحاة من مملكة الحيوانات، وتكشف النقاب عن ثمار تعاونها الثاني مع دار "جيرلان" الجمالية العريقة، مواصلة سعيها إلى تصميم قطع كلاسيكية تصون الحرفية بالابتكار، وتحملنا بجمالية عصرية جريئة إلى عصر قديم من الترف اللامحدود، وتجسّد مفهوم "بيغوم كيروغلو" للفن على أنه أسلوب عيش وجزء من الحياة اليومية. هنا، ندخل مع المصممة والمؤسسة والرئيسة التنفيذية خلف دار "بيغوم خان" التركية العالمية إلى عالم من البريق واللمعان والأشكال والألوان، ونناقش مشاريعها ورحلتها المهنية وأكثر بكثير.
أخـبــريــنـــا في البـــداية عن مجــمـــوعـــة "بنغال" BENGAL الجـــديــــدة، وخــصــوصـــا رؤيـتــــك الإبداعيــــة لها وأهمّيتها بالنسبة إلى دار "بيغوم خان".
مجموعة "بنغال" هي بالنسبة إلي رمز للرومانسية والحب والطاقة والقوة، وتميمة حظ جيد. خلال تصميم القطع البنغالية الإلهام هذه المرة، أردت العمل على كنفاس مسطّح ثنائي الأبعاد، الأمر الذي أتاح لي اختبار التأثيرات الحقيقية للألوان والخطوط والتلاعب بها. أما أهمية هذه التشكيلة الرمزية، فترتبط بإطلاقنا مجموعة مهمّة جدا وعزيزة للغاية على قلبي بعنوان "غراند بول"، وأول من حمل رايتها مجوهرات "بنغال".
ما المواد التي تفضّلين العمل بها؟
أفضّل العمل بأي مادة تمنحني حرية التعبير عن حاجاتي الفنية. أحيانا، عندما يكون أمامك حجر ماس مميز، على سبيل المثال، لا بدّ أن تحاولي تصوّر تصميم يتناسب معه ويعبّر عن روعته بأفضل شكل. لكنني شخصيا لا أعتمد على الأحجار الكريمة كنقطة بداية، بل أبدأ من التصميم، وأتأكد من تنفيذه على النحو الذي يرضيني، قبل أن أبحث عن المواد المناسبة التي تعبّر عنه. ومن المواد التي أستعين بها بشكل متكرر، الكريستال والفيروز والمرجان، إضافة إلى الماس والذهب والفضة والبرونز.
هل تعتمدين نهجا مشتركا في التصميم، بغض النظر إن كنت تعملين على مجموعة للسيدات أم الرجال؟
أعتمد نهجا مشتركا في تصميم المجوهرات المخصصة للرجال والسيدات، لكنني أتلاعب بالألوان. أستعين دائما بالكريستال والذهب واللؤلؤ والفيروز للمجوهرات النسائية، بينما أفضّل توظيف الروديوم والألوان الرمادية الداكنة مع الأزرق الكحلي والفضي والأسود عندما يتعلق الأمر بتصميم المجوهرات الرجالية.
عائلتك تحب وتتقن جمع التحف الأثرية والأعمال الفنية العائدة إلى العصر العثماني. كيف أثّر ذلك في رؤيتك الإبداعية؟
من المعروف عن الأطفال شدّة تأثرهم بمحيطهم، وقدرتهم الهـــائـــلـــة على التـــكيّف والـتــعـــلّم. وكــان مــن الطبـــيـــــعي لتلك الأيقونات الفريدة التي نشأت معها خلال الطفولة، أن تترك بصمتها الإيجابية على رؤيتي الفنية. فكلّما شاهدنا المزيد من الأشياء الجديدة، بنينا المزيد من الذكريات التي تعود وتظهر لاشعوريا في اللحظات والأماكن المناسبة.
كيف تواصل دار "بيغوم خان" دفع حدود الإبداع، بدون المساومة على تقاليدها الحرفية؟
يلعب الابتكار دورا محوريا في الحفاظ على التقاليد الحرفية لسنين وربما قرون، لأن الاعتماد على نهجٍ إبداعي واحد فقط لن يدوم في وجه متطلبات العصور الجديدة. لذلك نركّز في دارنا على توظيف مواد وألوان مختلفة بدون المساومة على المهارة الحرفية، وهو ما يمنح إبداعاتنا وهجا ساحرا سيبقى متألّقا لوقت طويل. كما نحرص على إعادة تدوير مواد متنوعة لاختبار الإمكانيات التي تتيحها، إلى جانب توظيف آلات حديثة، في سبيل مواكبة كل جديد وبالتالي ضمان استمراريتنا.
من أثّر بك من مصممي المجوهرات السابقين؟
لطالما أحببت مجوهرات الآرت ديكو العائدة إلى القرن العشرين؛ إلّا أن معظمها مجهول التوقيع، لذلك لا يمكنني أن أذكر اسما محددا. ولكن تعجبني أعمال الصائغ الإيطالي الأسطوري "كودونياتو" من مدينة البندقية.
أسست دار "بيغوم خان" قبل أكثر من عشر سنوات. بالنظر إلى هذه الرحلة المشوّقة، كيف ترين تأثير مسيرتك المهنية في شخصيتك؟
علّمتني مسيرتي المهنية أن أؤمن بنفسي، حتى حين يبدو ذلك صعبا أو غير منطقي أحيانا. أعتمد على حدسي، وأتابع طريقي لأحقق ما أصبو إليه مهما بلغت التحديات. قد يبدو عالم التصميم والأزياء والفن جذابا للغاية، لكنه يتطلّب الكثير من التضحية والعمل الشاق.
ما أكبر إنجازاتك حتى الآن؟
أفتخر بتولّي منصب الرئيس التنفيذي لعلامتي التجارية، التي تركّز على توظيف شابات شغوفات ومثابرات يسعدني أن أرشدهن وأوجّههن.
بالحــديث عـن الـنـــســـاء، مــن المــــرأة التي تصـــمــمـــــين لها مجوهرات "بيغوم خان"؟
تتوجّه علامتي إلى السيدة المميزة التي تفخر بشخصيتها الفريدة، ولا تخشى التعبير عن أفكارها، فهي تعرف تماما ما تريده وتواصل السعي إلى تحقيق أحلامها بكل ثبات وجرأة.
ما آخر نصيحة عن المجوهرات شاركتِها مع إحدى عميلاتك؟
أخبرتها ألّا تلتزم بالقواعد، فما من "صح أم خطأ". من الممكن تنسيق الفضة مع الذهب أو الماس مع الأكريليك، ويمكن التألق صباحا بمجوهرات بارزة أو عدم التزيّن بأي مجوهرات في السهرات إذا لم ترغبي في ذلك! في النهاية، إن جاذبية الإطلالة تكمن في اعتماد أي قطعة تُشعرك بالراحة والسعادة.
هل تنسقين إطلالتك الشخصية بناء على المجوهرات أم الأزياء؟
يعتمد اختياري في تنسيق الإطلالة على حالتي المزاجية: فأحيانا تدفعني قطعة مجوهرات نادرة وبارزة إلى اختيار أزياء تتناغم معها، أما عندما لا يكون لدي متسع من الوقت، فأرتدي قميصا أبيض مع سروال جينز، ثم أنسّق معهما مجوهرات تنسجم مع حالتي المزاجية.
ما الذي يمنح المجوهرات قيمة جمالية لا يخبو ألقها مع الزمن؟
لتكون قطعة المجوهرات عابرة للزمن، يجب أن تكون فريدة في الحرفية والابتكار الكامنين خلفها، في إطار عصرها. يجب أن تكون قطعة كان من الممكن اعتمادها في حقبة قديمة ولكن تبقى ملائمة اليوم ومعاصرة.
لو كان عليك اختيار قطعة واحدة من عالم "بيغوم خان" هي الأقرب إلى قلبك، فماذا تكون؟
كلما ابتكرت مجموعة جديدة، شعرت بانجذاب أكبر نحوها، فتكون القطعة الأحدث هي الأكثر تشويقا بالنسبة إلي. ولكن يبقى التصميم الذي يحاكي شكل الخنفساء هو المفضّل عندي، وقد تحوّل تقريبا إلى شعار علامتي التجارية.
ما خطط "بيغوم خان" وتوجهاتها المستقبلية؟
شهد عام 2023 خطوة مهمة على صعيد الشراكات، إذ عقدنا شراكة من خمسة بنود مع دار "جيرلان" الرائدة في مجال مستحضرات التجميل والعطور الفاخرة. وتكلّل هذا التعاون بإطلاقنا إصدارا محدودا من قارورة "النحلة" العطرية مع خمسة نماذج مختلفة من الأغطية المزينة بتكوينات على شكل حيوانات، إضافة إلى أحمر شفاه مزيّن بجوهرة تحاكي النحلة. وشمل المشروع أيضا تصميم واجهات عرض لمتاجر "جيرلان" حول العالم مخصصة لموسم احتفالات نهاية العام، وإطلاق حملة ترويجية لهذه المناسبة، وتصميم مجموعة من عبوات التغليف. ولا شك في أن هذه الشراكة مع "جيرلان"، التي يمتد تاريخها على مدى قرنين من الزمن، إنجاز هائل بالنسبة إلينا كعلامة تجارية أُسست قبل نحو عقد فقط. وبالنسبة إلى المستقبل، نخطط إلى توسيع حضورنا، من خلال افتتاح مزيد من المتاجر حول العالم.
ما شعارك في الحياة؟
لطالما أعجبني اقتباس للشاعر والمؤلف "أوسكار وايلد"، يقول فيه: "لديك شخصية فريدة فلا تحاول تقليد الآخرين".
