زوجات وحموات ساحرات.. نساء الدراما التليفزيونية ما قبل زمن السوبر هيروز!
سيطر مُثلث الحبيبة والزوجة والأم على الصورة الدرامية لشخصية المرأة في الأعمال التليفزيونية الكلاسيكية، بلا جديد أو مثير في الحكايات اليومية لربة منزل عادية، أو روتين أم شابة، أو رومانسية فتاة جامعية تبحث عن الحب؛ هذه الشخصيات تعيش حياة نمطية مُثيرة للملل. بدأ بعض كتاب السيناريوهات في هوليوود البحث عن أجواء جديدة وقوالب مُبتكرة للحكايات العادية: ماذا لو كانت الزوجة ساحرة حقيقية؟ أو امرأة إلكترونية فائقة القوة والسرعة؟ أو جنية تُحقق الأمنيات؟ وبدت هذه الأجواء بيئة خصبة لإعادة إنتاج حكايات محورها المرأة القوية الجذابة، ولم تشبه حكايات النساء الخارقات الغاضبات في قصص "مارفل" و"دي سي كوميكس".
سامانثا..ربة المنزل والمِكنسة الطائرة!
من حين إلى آخر، تنفض المنصات الرقمية الغُبار عن شرائط حَلْقات وأفلام قديمة، تُعيد عرضها وتحظى بمتابعة أجيال متنوعة من المُتفرجين؛ بعضهم من أجيال قديمة، تستعيد الحنين لمشاهداتها في مرحلتي الطفولة والمُراهقة، وبعضهم من الأجيال الأحدث، وهم من مُتابعي الدراما الكلاسيكية، ولديهم شغف بالدراما القديمة ونجومها وأفكارها.
قدم المسلسل الكلاسيكي الشهير "مسحورة" ("Bewitched" (1964-1972 حكاية ربة منزل أمريكية عادية، زوجة شابة تُدعى "سامانثا-اليزابيث مونتجومري"؛ التقت "دارين-ديك يورك" بالصدفة، ووجدت فيه فارس أحلامها، هو مُصمم حملات إعلانية شاب، وجمع بينهما الحب وتزوجا سريعًا، وفي ليلة الزفاف تعترف الزوجة أنها ساحرة، وعائلتها جميعهم من السحرة، ورثوها عبر أجيال مُنذ مئات السنين، وبعد تردد يتغلب الحب، ويقبل "دارين" استمرار الزواج، وشرطه الوحيد أن تعيش زوجته ربة منزل عادية؛ تُمارس حياتها دون أية أعمال سحرية.
المسلسل من نوعية السيت كوم الكوميدي؛ ويصور بواسطة العديد من المواقف الكوميدية مُحاولة تكيف زوجة تمتلك قدرات سحرية خارقة مع حياة زوجية عادية، وهو أمر صعب للغاية؛ فهي تستطيع برعشة من أنفها إلقاء تعويذاتها، وعلى الرغم من عهدها لزوجها ألا تستخدم السحر مُطلقًا يخلق السيناريو مواقف تدفع "سامانثا" إلى استخدام السحر؛ إما لدفع الأذى عنها وعن زوجها، أو لأن القيام بالواجبات المنزلية على طريقة البشر أمر يدعو للملل.
إندورا والحموات الساخرات!
أماكن أحداث مسلسل "Bewitched" محدودة للغاية، وتتركز في منزل البطلين في ضاحية هادئة، وشركة الزوج، وأبرز الشخصيات الجارة الفضولية "جلاديس جرافتز-آليس بيرس"، و"العمة كلارا-ماريون لورن"، وتُجسد شخصية خالة سامانثا، امرأة مُسنة كثيرة النسيان؛ تنسى أجزاء من التعاويذ التي ترددها بتلعثم؛ مما يخلق العديد من المشاكل المُضحكة، وبالطبع "اندورا-آجنس مورهيد" وهى حماة البطل المُثيرة للمشاكل، التي تنافس "ماري منيب" في كره زوج ابنتها والسخرية منه؛ فهو مُجرد شخص فانِ لا يمتلك أي قدرات خارقة.
نجحت "آجنس" في منح المسلسل لمحة من الشر الكوميدي، الغير مؤذي غالبًا؛ فهي أم تشعر أنها أخفقت في حماية ابنتها من الوقوع في غرام رجل من الجنس الفاني البشري؛ ولم تتصالح أبدًا مع اختيار ابنتها الزواج المُختلط مع البشر، وظلت تدبر الفخاخ والمكائد للزوج؛ حتى يقع في أخطاء تثير غضب ابنتها، وتنتهي كل حلقة بحل المشكلة وعودة الزوجان إلى حياتهما الطبيعية.
أُنتجت نسخ عديد مُقتبسة عنه؛ من أشهرها فيلم "Bewitched" إنتاج عام 2005، بطولة "نيكول كيدمان"، و"ويل فاريل"؛ في دوري "ساماناثا" و"دارين"، وسيناريو وإخراج "نورا ايفرون"، ويتصور الفيلم إعادة مسلسل الستينيات، ويكتشف بطل المسلسل أن الممثلة التي تُجسد البطولة ساحرة فعلًا.
سابرينا...الساحرة المراهقة!
بدأت "سوني" إنتاج مسلسل أنيميشن مُشتق عن مسلسل "Bewitched" ويحمل نفس عنوانه، وشخصيته الرئيسة هي الابنة "تاباثا" في مرحلة المراهقة، وهي تعيش حياة مُزدوجة؛ طالبة عادية بالمرحلة الإعدادية، ومُساعدة في أكاديمية سحر سرية تُديرها جدتها الساحرة "اندورا"، وبدا عرض المسلسل في أكتوبر العام الماضي.
لم تنجح "تاباثا" في التفوق على حكايات أمها "سامانثا"، ولكن مراهقة أخرى تدعى "سابرينا-ميليسا جوان هارت" نجحت في ذلك في التسعينيات، و"سابرينا" تكتشف أنها ساحرة، ورثت السحر من عائلتها العريقة من السحرة، وعليها التعامل بحكمة مع امكانياتها الخارقة، والتعامل مع البشر دون كشف هويتها، والأصعب هو التعامل مع حقيقة أنها مُراهقة تفتقد نُضج وخبرة الكبار، ونجح مسلسل "سابرينا المراهقة الساحرة" "Sabrina the Teenage Witch" الذي استمر بين أعوام 1996 و2003 في صناعة حكايات درامية مرحة عن فتاة ساحرة تعيش وَسْط بشر لا يؤمنون فعليًا بالسحر.
جيمي..المرأة الإلكترونية!
لم تكن "جيمي سومرز-ليندساي فاجنر" بطلة مسلسل "المرأة ألإلكترونية" "The Bionic Woman" (1976-1978) ربة منزل تمتلك قُوَى سحرية خارقة مثل "سامانثا"، كانت مُعلمة ولاعبة تنس تعرضت إلى حادث في أثناء هبوطها من طائرة بمظلة، وتُنقذ بعملية جراحية من نوع خاص؛ تُستبدل أجزاء مُصابة من أعضاء جسدها ببدائل صناعية، تحتوي شرائح إلكترونية؛ تستطيع "جيمي" سماع الأصوات من مسافات بعيدة، وتركض بسرعة تزيد عن 60 ميل في الساعة، وتقفز لمسافات عالية، ولديها ذراع ميكانيكية قوية للغاية. تبدأ المرأة الخارقة حِقْبَة جديد من حياتها؛ تُكلفها الحكومة بمهام سرية، وتتخذ من عملها كمُعلمة مدرسية غطاءً لهويتها الجديدة.
المسلسل مأخوذ عن رواية Cyborg للكاتب "مارتن كايدن"، وهي عن الطيار "ستيف اوستن"، الذي يُصاب في حادث طيران، وتُزرع في جسده شرائح إلكترونية بديلة؛ تمنحه قدرات خارقة، والرواية اقتبست في مسلسل تليفزيوني شهير بعنوان "رجل بستة ملايين دولار" "The Six Million Dollar Man"، و"جيمي سومرز" من شخصيات الرواية، وفضلت قناة ABC أن تفصل الخط الدرامي للشخصية عن المسلسل الأصلي، وصورت "ليندساي فاجنر" مسلسل مُستقل عن العمليات الخاصة للعميلة الإلكترونية.
بعد إلغاء المسلسل أُنتجت عدة أفلام تليفزيونية ضمت أبطال المسلسل الأصلي، منها فيلم "مواجهة إلكترونية" "Bionic Showdown" عام 1989، وشهد الظهور الأول للممثلة "ساندرا بولوك". في عام 2007 حاولت شبكة NBC إعادة المسلسل برؤية جديدة، ولكنها افتقرت إلى كثير من عناصر المسلسل الأصلي، ولم تُحقق حَلْقات المسلسل نجاح كبير، وتم إلغاءه بعد الموسم الأول.
جيني..عفريتة هانم!
بطلة حَلْقات مسلسل "I Dream of Jeannie" (1965-1970) هي جنية "باربارا ايدن"، محبوسة في قارورة عطر ألفي عام، يحررها رائد الفضاء "توني نيلسون-لاري هاجمان"؛ فتمنحه فرصة تحقيق أمنياته، ولأنه سقط من كبسولته الفضائية بالخطأ في جزيرة معزولة ومجهولة حيث وجد الجنية؛ فهو يتمنى أن تأتي طائرة لإنقاذه، وبعد عودته إلى وطنه تقع الجنية في غرام الضابط الوسيم؛ مما يثير له العديد من المشاكل.
على طريقة فيلم "عفريتة هانم" تُحاول الجنية كسب قلب البطل، وهو مشغول بحب امرأة أخرى، وهناك أوجه شبه كثيرة بين المسلسل ومسلسل "Bewitched"، وقد غضبت الممثلة "اليزابيث مونتجومري" بسبب مُنافسة مسلسل "باربارا ايدن" لمسلسلها في الاطار العام للفكرة، ولكن الجُمهور أحب كلا العملين.
حققت هذه الأعمال شهرة كبيرة، واستمرت سنوات على شاشات التليفزيون، وصُنعت دُمى على هيئة شخصيات الساحرة "سامانثا"، ونُشرت مجلات كوميكس تصور مغامرات "سامانثا" في عالم البشر، وصُنع تمثال ميداني من البرونز للممثلة "إليزابيث مونتجومري" تجلس مثل ساحرات العصور الوسطى على مِكنسة، والتمثال موجود في مدينة سالم بمُقاطعة "آسكس"، والمدينة مشهورة تاريخيًا بمحاكمات الساحرات قديمًا.
المُلفت في هذه الأعمال اللطيفة، وبخاصة أعمال السيت كوم الكوميدية، أنها تُقدم شخصية المرأة نموذج الخمسينيات والستينيات، بعيدًا عن تعقيدات قضايا النسوية المُعاصرة؛ فالساحرة تبحث عن سعادتها في دور ربة المنزل والأم، ولا تعدّه تقليلًا من شأنها، والجنية صاحبة القدرات الخارقة تقع في سحر الحب بسهولة. لا يبدو الأمر سهلًا في الزمن المُعاصر؛ إذ تبدو النساء الخارقات في أفلام السوبر هيروز أكثر وحدة وغضبًا وميلًا للعدائية.
الصور من صفحات المعجبين على حسابات فيسبوك وX "تويتر"