المصممة العمانية أمل الرئيسي لـ"هي": أروي حكايات عمان التراثية في تصاميمي
من عالم إدارة الأعمال انطلقت المصممة العمانية أمل الرئيسي في مجال تصميم الأزياء سنة 2007، وأطلقت علامتها التجارية التي كرستها لتكريم التقاليد العربية في الأزياء الراقية، ساعية إلى دمج التراث العماني في كل مجموعة تطلقها لكن بأسلوبها الخاص، مع التركيز على الصور الظلية الأنثوية والأنيقة. فبدأت مسيرتها في مسقط، وافتتحت "دار الأصيل"، ثم طوّرتها، لتصبح علامتها الخاصة والمعروفة AMAL AL RAISI التي تحاكي أنوثة ورقة المرأة العصرية بأناقة خالدة. تنتج الرئيسي مجموعتين من الألبسة الجاهزة سنويا، إضافة إلى مجموعة القفاطين والجلابيات والعباءات التي تعيد تصوّرها بجمالية استثنائية، وهي تسعى في عملها إلى دعم المرأة ومساندتها بقوة، وكانت قد أطلقت مؤخرا برنامج دعم لخريجات تصميم الأزياء في عرضها الأخير الذي أقيم في "متحف عمان عبر الزمان" لمجموعة ربيع وصيف 2024، وقد لاقت أمل أيضا في هذا العرض الدعم من الرعاة من سيدات الأعمال والشركات، والمساندة اللازمة من وزارة الثقافة والرياضة والشباب التي يرأسها ولي عهد السلطنة ذي يزن بن هيثم. "هي "كان لها مع المصممة أمل الرئيسي جلسة تحدثت فيها عن عملها ومسيرتها وأحلامها في هذا الحوار.
ما مصدر وحي المجموعة الجديدة؟
قبل أن أبدأ بتصميم هذه المجموعة، اتخذت قرارا بأن تكون مجموعتي الجديدة نابعة من تاريخ عمان البحري الغني، ومن أهمية البحر في تشكيل ثقافة عمان، وهو ما انعكس جمالية على تفاصيل الألوان والقصات، فعمان كانت إمبراطورية بحرية كبيرة. ولطالما بهرني هذا التاريخ البحري بناء على تعمقي في قراءة الكثير عنه قبل أن أبدأ برسم تفاصيل مجموعتي وتطريزاتها، بما أن والدي عمل لمدة أربعين عاما في البحرية السلطانية. وعندما بدأت بتصميم المجموعة استوحيت الكثير من تفاصيل هذا التاريخ وتأثره بتوسع الإمبراطورية العمانية المترامية الأطراف. وانعكاس الأمر ليس فقط على اللغات العمانية والثقافة، وإنما أيضا على الأزياء وغيرها، فتميزت المجموعة بتطريزات يدوية كلاسيكية ناعمة على لوحة ألوان أثيرية من الحرير الفاخر الناعم والشيفون والكريب.
ماذا عن ألوان هذه المجموعة التي جمعت بين الألوان الناعمة والقوية معا؟
طغت الألوان البحرية على المجموعة من اللون الكحلي إلى الأزرق الفاتح والرمادي، إضافة إلى بعض الألوان القوية المستوحاة من ألوان قماش السباعية، كالأحمر والبرتقالي والبنفسجي الداكن. وأشير إلى أنها المرة الأولى التي أدخل فيها الألوان القوية إلى مجموعتي، لأنني أميل عادة إلى الألوان الهادئة، لأنها صديقة كل المناسبات والأوقات، فهي تحاكي بهدوئها مبدأ الاستدامة، فأنا لا أزال أرتدي بعض القطع الهادئة اللون من مجموعة ٢٠١٦، فهي كلاسيكية ومريحة وراقية، ولا يمكن أن تذبل في خزانة أي امرأة. الألوان الهادئة تعكس شخصيتي، وتشبهني أكثر من غيرها من الألوان، لذلك تعجب الحضور من وجود اللون الأحمر في المجموعة، نظرا لظهوره الأول بين مجموعاتي.
كيف بدأت بمشروع اعادة إحياء السباعية مع زوينة الراشدي رئيسة دار الحرفية في عمان؟
تلعب دار الحرفية بإشراف زوينة الراشدي دورا رئيسا في الحفاظ على مهارات الحرف اليدوية الغنية في سلطنة عمان، وتطويرها من خلال دعم أسر الحرفيين والحرفيات الموجودين في جميع أنحاء السلطنة، وما إن التقينا معا، حتى اتفقنا على إبراز فكرة السباعية في المجموعة خوفا من اندثارها مع الوقت. وبالتعاون مع دار الحرفية وتوجيهاتها، ابتكرت لمسة عصرية لقماش السباعية المستخدم في مجموعة ربيع وصيف ٢٠٢٤، إذ تضمنت المجموعة باقة من التصاميم المستوحاة بألوانها من ألوان أقمشة السباعية التقليدية والتي تعكس أناقة خالدة من خلال هذه الأقمشة والقصات الأنثوية. فقماش السباعية هو نوع من النسيج العماني، يُصنع يدويا باستخدام التقنيات التقليدية من المواد المحلية، مثل الصوف والقطن، فعملنا عليه بلمسات عصرية لإعادة إحيائه بصورة جديدة للمحافظة على هذا التراث الثقافي والحرفي.
لأي مدى تحرصين على تطبيق مبدأ الاستدامة في عملك؟
أعمل دائما على أزياء تكون خالدة في خزانة المرأة لجهة تصميمها وألوانها، وهذا يطبق مبدأ الاستدامة الذي أعتمده في عملي منذ بداية المشوار. كما بدأت السنة الماضية بأول مجموعة مستدامة بالكامل، معتمدة على أقمشة معاد تدويرها، إضافة إلى العمل على تنفيذ كامل القطع في مسقط، وهذا يدخل أيضا ضمن إطار الاستدامة بدلا من تنفيذ المجموعة في الخارج وشحنها. فهناك الكثير من الخطوات التي أحرص على تطبيق مبدأ الاستدامة من خلالها في عملي.
ماذا عن برنامج دعم خريجات تصميم الأزياء الذي أطلقتِه مؤخرا؟
أطلقت في نهاية عرض مجموعتي الجديدة برنامجا خاصا لدعم الخريجات في مجال تصميم الأزياء بمساعدة عدد من الرعاة، فقد تمكنّا من تحويل هذا البرنامج إلى برنامج رسمي برعاية صحار الدولي، عمانتل، شركة محسن حيدر درويش، ووزارة التراث والسياحة، وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. هذا البرنامج موجّه لخريجات جامعة تصميم الأزياء في عُمان، للخضوع لدورات تدريب عملية لمدة سنة كاملة في الدار تشجيعا مني لمواهبهن، ودعما لطموحهن، وخصوصا أنني عانيت في بداية انطلاقتي المهنية، لكوني خريجة إدارة أعمال، ودخلت عالم تصميم الأزياء من باب الهواية والشغف، فتعلمت بالتجربة، وقد استغرق ذلك مني سنوات طويلة لأقطع أشواطا في مهنتي. من هنا أردت أن أفسح المجال أمام الخريجات، لإعطائهن خبرة عملية في مشغلي، ولأعرفهن إلى أسرار ومصاعب وتحديات هذه المهنة.
لأي مدى أنت متمسكة باللمسات التراثية العمانية وتحرصين على انعكاسها في تصاميمك؟
إجمالا نتمسك بقوة بهويتنا العمانية، وعندما بدأت العمل مع زوينة الراشدي صاحبة "دار الحرفية" في عمان، اكتشفت حرصها الشديد على الحفاظ على التراث، ومثابرتها على دعم الكثير من العوائل في مختلف المناطق في عُمان من خلال مشاركتهم في الأعمال الحرفية، وأنا بدوري استوحيت كل مجموعاتي السابقة من قصص مختلفة من عمان. ونعمل تحت شعار دعم التراث الوطني بمختلف الطرق من باب حرصنا على المحافظة على هويتنا الوطنية.
ما نقاط الدعم المهنية التي دفعتك نحو الثبات والنجاح في مهنتك؟
تنبهر الكثيرات بأضواء مجال تصميم الأزياء، لكنه مجال صعب وبحاجة إلى الكثير من الإبداع والصبر والمثابرة، كما أنه بحاجة إلى قدرة على التعامل مع مختلف الشخصيات والتوقعات، فالدبلوماسية المرنة ضرورية في شخصية المصمم، لأنها تساعد في التعاطي مع الزبونات بكل ذكاء.
نبارك لك تخرجك الجديد ونيلك الشهادة الحلم. أخبرينا عن هذه المغامرة الأكاديمية الحديثة.
على الرغم من أنني انطلقت في عملي كمصممة أزياء معتمدة على شهادتي في إدارة الأعمال وموهبتي وشغفي في هذا العالم، إلا أنني كنت دائما أشعر بأن شهادة تصميم الأزياء تنقصني. ولم يكن هذا الأمر سهلا لكوني أدير عملي الخاص، وأمّا لثلاثة أولاد. لكنني اتخذت القرار، ونلت مؤخراً الشهادة التي أحلم بها وهي FASHION & LUXURY MANAGEMENT من جامعة ROME BUSINESS SCHOOL في إيطاليا.
لأي مدى لاقيتِ الدعم والتشجيع من قبل زوجك؟
إن النجاح المهني لأي امرأة ينبع من الاستقرار العائلي. وبالنسبة لي لم يكن هذا النجاح ليتحقق لولا دعم زوجي الذي آمن بموهبتي منذ اللحظة الأولى، ودعمني بقوة في لحظات الإحباط وبمواجهة الصعوبات، وفرح لنجاحي، ودفعني لتحقيق الأفضل.
ماذا عن مجموعة خط RESORT إلى جانب مجموعتي ربيع وصيف، وخريف وشتاء؟
هذا الخط لقفاطين أنفذها ببقية الأقمشة التي أستعملها في المجموعتين الأساسيتين سنويا. تناسب هذه القفاطين إطلالات المرأة العملية والمرتبة في المنزل، وتنسجم أيضا مع أناقة أيام شهر رمضان. وتتميز بالتطريز الآلي وبالأقمشة المميزة. وحاز هذا الخط اعجاب العميلات بقوة، خصوصا أنه مستوحى من روح المجموعة الأساسية، لكن بتفاصيل وأسعار أقل.
ماذا عن خطوة دعم المصممات المبتدئات بعرض تصاميمهن في الدار؟
أختار من فترة لأخرى تصاميم لبعض المصممات الناشئات. وأعرض تصاميمهن في قسم خاص في الدار لمدة معينة، في خطوة مني لدعمهن وتسليط الضوء على تصاميمهن أو إكسسواراتهن، مع حرصي الشديد على إرشادهن للحفاظ على النوعية وطريقة العرض والتغليف.
بدأت منذ بضع سنوات في تصميم فساتين الأعراس، وتحديدا بعد انتشار فيروس كورونا، حدثينا عن هذه الخطوة.
أدى تفشي فيروس كورونا المستجد إلى الحد من السفر، فانحصرت خيارات العرائس باختيار المصممين المحليين لتصميم فساتين الزفاف، وهنا بدأ مشوار تصميم فساتين الأعراس، خصوصا أنني تلقيت أعدادا كبيرة من الطلبات لتصميم فساتين أعراس تنسجم مع طبيعة الأعراس حينها. واكتشفت أن العمل على تصميم فستان العروس هو بمنزلة رحلة بحد ذاتها، لأصل مع العروس إلى التصميم الحلم، وحينها تصبح مهمة التنفيذ سهلة.
ما أحلام أمل الرئيسي الكبيرة؟
كانت "سوزي منكس" قد اختارتني ، لأكون متحدثة في مؤتمر "كوندي ناست" العالمي للفخامة سنة ٢٠١٧ في مسقط، وتلقيت بعدها دعوة للمشاركة في أسبوع الموضة في تورينو في إيطاليا، كما تلقيت دعوة أخرى للمشاركة في عروض MODEST DESIGNERS على هامش أسبوع الموضة في باريس، كل هذه الخطوات تدفعني أكثر للمزيد من المشاركات العالمية، وصولا إلى التوسع الأكبر، وتحديدا لعرض مجموعاتي المقبلة في أسبوع الموضة الباريسي. وكنت قد حضرت هذه السنة عرض أزياء المصمم اللبناني إيلي صعب في باريس، لأنني من أشد المعجبين بمسيرته وتصاميمه، وقد التقيته مسبقا في عُمان، حيث كان حاضرا في مؤتمر "كوندي ناست". وأتمنى أن أصل إلى جزء مما وصل إليه في عمله، فهو بالنسبة لي قدوة ورمز للنجاح والإبداع.