الخط الزمني لمفهوم الهوت كوتور … من التصاميم الكلاسيكية إلى الابتكارات الطليعية
الهوت كوتور هو مصطلح مرادف للفخامة والفن والحرفية، موطنه الأصلي باريس مركز الموضة العالمي، وفي كل عام نشهد على أسبوعين مخصصين للهوت كوتور الأول للمجموعات الصيفية والثاني للمجموعات الشتوية، وعلى مر السنوات لاحظنا أن هذا المصطلح شهد تطورات كثيرة وتغيرات ملفتة. فمن النمط الكلاسيكي المحافظ والمخصص للسيدات الأكبر سناً، إلى الأسلوب العصري والتصاميم الغريبة والمبتكرة التي وصل فيها الابداع أحياناً حد الجنون. ما هي الأسباب والمعطيات التي أثرت على تطور مفهوم الهوت كوتور عبر التاريخ وأوصلته إلى وضعه الحالي.
أصول الأزياء الراقية
تعود جذور الأزياء الراقية إلى القرن السابع عشر، حين لعبت مصممة الأزياء الخاصة بالملكة ماري أنطوانيت Rose Bertin دوراً أساسياً في تعزيز مفهوم الخياطة الراقية حيث كانت تقدم تصاميم فاخرة وحسب الطلب للملكة، وقد اعتبرت باريس في تلك الحقبة منارة لعشاق الأزياء الراقية، ومع تقدم وسائل النقل في تلك الحقبة وظهور السكك الحديدية والبواخر أصبح السفر إلى أوروبا أكثر سهولة، والكثير من النساء الثريات أصبحن يقصدن المدينة لشراء التصاميم المبتكرة، وهذا ما أدى إلى رواج سمعة الخياطيين الفرنسيين.
ومن ثم ظهر تشارلز فريدريك وورث Charles Fredric worth كقوة كبيرة في عالم صناعة الأزياء ومن المعروف أنه والد الأزياء الراقية، حيث كان هو وراء إطلاق أسبوع الموضة الباريسي ومفهوم الهوت كوتور، وقد أحدث ثورة في عالم الموضة حين حول الخياطة إلى فن.
وقد كان يقوم بدعوة النساء الثريات من كافة أنحاء العالم لحضور عروضه الخاصة واختيار التصاميم الفاخرة المناسبة لهن.
وعلى خطى وورث نشأت مجموعة من مصممي الأزياء الطليعين في ذلك الوقت مثل Patou، Christian Dior، Jeanne Lanvin، Balenciaga والقائمة تطول… وأغلب هذه الأسماء ما زالت موجودة إلى يومنا هذا.
تتميز تصاميم الهوت كوتور بالتفرد والحرفية التي لا تشوبها شابئة، ويتم تصنيع كل قطعة وكل تطريز بشكل يدوي، مع استخدام الأقمشة الفاخرة والزخارف المعقدة وكانت التصاميم قديماً تتسم بالطابع الكلاسيكي التقليدي وقد كانت تلبي احتياجات السيدات الأكبر سناً، وكان التركيز على ابتكار قطع خالدة تدوم لسنوات وتوحي بالأناقة والرقي، ونادراً ما كان يتم تقديم التصاميم الغريبة أو الخارجة عن المألوف التي أصبحنا نراها بكثرة اليوم على منصات العروض.
تطور مفهوم الهوت كوتور من الكلاسيكي إلى الغريب
مع مرور السنين حدثت تحولات كبيرة في عالم الأزياء وقد طالت أيضاَ عالم الأزياء الراقية، ولاسيما حين ظهر جيل من الشابات الحريصات على استشكاف وإعادة تعريف مفهوم الموضة، ووجد مصممو الأزياء من خلال مفهوم الهوت كوتور مساحة للتعبير عن ابداعاتهم وأفكارهم التي في الكثير من الأحيان تكون غير اعتيادية، وذلك عن طريق تجربة مواد غير تقليدية وتقنيات متطورة وتصميمات جريئة تصل أحياناً حد الابداع وهنا ظهر مفهوم الـ Avant-garde ويعني الطليعي أو الريادي في اللغة الفرنسية وهذا المصطلح يشير إلى الأشخاص أو الأعمال التجريبية المتقدمة وعلى وجه التحديد في ما يتعلق بالفن والفلسفة والأدب والموضة أيضاَ، ويمثل هذا المفهوم الخروج عن حدود المعيار الاجتماعي وتقديم أشكال فنية تحطم الأنظمة العروفة أو السائدة.
أبرز التصاميم الطليعية في وقتنا الحالي في عالم الهوت كوتور
مجموعات الهوت كوتور كما ذكرنا تعتبر كمساحات ابداعية لمصممي الأزياء الطليعيين لاطلاق مخيلتهم، حيث أُفق الابتكار لا حدود لها، ولهذا كثيراً ما نرى تصاميماً غريبة غير صالحة للبس تكون أقرب لتحف فنية منها إلى الأزياء.
ويصبح كل ما هو غير تقليدي وغريب هو القاعدة، ولاسيما أن المصممين استطاعوا عبر هذه الابداعات من طمس الخطوط الفاصلة بين الموضة والفن، وكانت بمثابة تصريحات وانعكاسات لخيال المصمم ورؤيته.
وعبر السنين شاهدنا الكثير من التصاميم الطليعية على منصات عروض الـ Haute Couture وكان جون غاليانو John Galliano مثالاً لهذا النوع من الإبداعات ولاسيما في الحقبة التي عمل فيها كمدير ابداعي لدار كريستيان ديور Christian Dior.
وكذلك الأمر بالنسبة لجان بول غوتييه Jean Paul Gaultier حيث تكون أفكاره دائما ولاسيما في مجموعات الهوت كوتور مبتكرة وخارج إطار المألوف.
ودائماً ما نشاهد ابتكارات غريبة تصل حد الجنون في مجموعات فيكتور أند رولف Viktor&Rolf حيث تفكيرهما دائماً ما يكون خارج الصندوق وتصاميهما تبدو من عالم آخر.
وكما عودتنا دار سكياباريلي Schiaparelli منذ أن كانت مؤسستها إلسا Elsa هي المديرة الأبداعية على التصاميم ذات الطابع السريالي المتأثرة في الفن السريالي ومازالت إلى اليوم، حيث يستمر مصمم الأزياء Daniel Roseberry في الحفاظ على صورة الدار وهويتها من خلال تصاميمه الطليعية.
ودار ايريس فان هاربن Iris Van Harpen أيضاَ معروفة بتصاميمها المبتكرة ذات الطابع المستقبلي ولاسيما من خلال استعمال تقنية الـ 3d في تنفيذ الكثير من الأعمال وبالتالي تبدو الأزياء غالباً وكأنها من الفضاء الخارجي.
تطور الأزياء الراقية من جذورها الكلاسيكية إلى العجائب الطليعية يعتبر شهادة على ديناميكية صناعة الأزياء، ومفهوم الهوت كوتور يعتبر كمنارة للابتكار والحرفية والتفرّد.