بينها طلاء المنازل وتجديد أواني المطبخ: عادات الشعوب في استقبال شهر رمضان
ها هي أيامٌ قليلة تفصلنا عن شهر رمضان، شهر الخير والبركات، شهر المغفرة والتراحم وعمل الخير والتقرب لله تعالى من خلال الصيام والصلاة والذكر والأدعية وقراءة القرآن وغيرها من الممارسات الجميلة التي يقوم بها الصائمون خلال هذا الشهر.
والحقيقة تُقال، أن متعة دخول شهر رمضان بيوتنا كل عام، لا تُضاهيها أية متعة أو فرحة على الإطلاق. إذ ما أن يستشعر الناس قرب قدوم الشهر الفضيلأ، حتى تبدأ التحضيرات والاستعداد للصيام والعبادات بصورةٍ مفرحة تجمع الكبير والصغير. حتى أن العديد من شعوب العالم، لديها عاداتٌ خاصة ترافق قدوم هلال رمضان واستقبال الشهر الأحب لقلوب جميع المسلمين قاطبةً.
فما رأيكِ عزيزتي، لو ألقينا معًا، نظرةً متفحصة على تلك العادات؟
عادات الشعوب في استقبال شهر رمضان
تُولي شعوبٌ مسلمة عدة حول العالم، اهتمامًا شديدًا بموضوع استقبال شهر رمضان بما يُليق وقدر المناسبة؛ ما أدى على مدى العقود والسنوات الماضية، إلى توليد عاداتٍ خاصة بكل بلد قد تختلف في الشكل، لكنها جميعًا تتفق في الجوهر على روحية وقيَم شهر رمضان المتمثلة في العبادة والتضرع لله وطلب المغفرة والصفح خلال أيامه الثلاثين.
وكما يتزين الناس في المناسبات المختلفة، سواء للأفراح أو مناسبات التخرج أو الولادة وغيرها؛ فإن المسلمون في دولٍ عديدة يتحضرون بشغفٍ لاستقبال شهر رمضان بأبهى حلة. ففي اليمن مثلًا، يعمد الناس إلى طلاء منازلهم استعدادًا لقدوم شهر رمضان.. أما في السودان، فتتوجه النساء نحو تجديد أواني المطبخ، بحيث تستقبل النسوة الضيوف على موائد رمضان بأطقم مطبخ وتقديم جديدة.
بالتوجه إلى تركيا، وفور ثبوت رؤية هلال رمضان؛ تعلو الزغاريد في البيوت تعبيرًا عن الفرح بقدوم الشهر الأحب لقلوب المسلمين. وتتعطر البيوت التركية بروائح المسك والعنبر، كما يعمد الأتراك إلى نثر الورد على عتبات البيوت طيلة شهر رمضان. السحور الأول في تركيا تُحضَره عادةً الجدات، وهل هناك أشهى من طعامٍ تُعدَه الجدات الطيبات؟بينما تُنفخ أبواق النفير سبع مرات للسحور في المغرب بمجرّد التأكد من ظهور هلال رمضان، ويتبادل الناس التهنئة بجملة "عواشر مبروكة"، أي أيامٌ مباركة.
بالانتقال إلى المغرب، فإن النساء هناك يتجمعنَ على سطوح المنازل بانتظار رؤية هلال رمضان؛ وما أن تثبت الرؤية، حتى يعمدنَ كما التركيات، إلى إطلاق الزغاريد والأهازيج فرحًا بقدوم "الضيف العزيز".
يرتبط شهر رمضان بصورةٍ كبيرة بقراءة القرآن؛ لهذا نجد أن النساء في ماليزيا يعمدنَ للطواف على المنازل بغية المشاركة في قراءة القرآن بين وجبتي الإفطار والسحور. كما أنه وبعد التأكد من رؤية هلال رمضان، تقوم الماليزيات برش الشوار بالماء، وتنظيف المساجد، وإشعال البخور. فيما يقرع الناس الدفوف في الشوارع والبيوت إيذانًا بقدوم شهر العبادات.
وتتجلى أبهى صور التعبد والخشوع في باكستان ما أن يحلَ شهر رمضان؛ إذ تعمد كافة النساء في البلاد إلى ارتداء الملابس المحتشمة في الشوارع وأثناء التواجد في أماكن العمل وغيرها. كما أن من عادة الباكستانيات، تغطية الرأس عند سماه الآذن، حتى لدى النساء غير المُحجَبات.
طبول "البدوق" تُقرع في إندونيسيا إيذانًا بحلول شهر رمضان؛ وهي طبولٌ تقليدية تحملها شاحناتٌ صغيرة تجوب شوارع البلاد. أما في جُزر القُمر، وفي الليلة الأولى من رمضان؛ فيخرج السكان حاملين المشاعل ويتجهون إلى الساحل وهم يقرعون الطبول، ويستمر السهر حتى وقت السحور.
رمضان في "أم الدنيا" غير، ويمتاز بحلةٍ خاصة؛ فبمجرد تأكيد وسائل الإعلام المختلفة استهلال رمضان، تتحول الشوارع في مصر إلى ما يُشبه خلية نحل. الناس في الشوارع والأسواق يتبادلون التهاني ويُسارعون لشراء لوازم السحور، فيما ينطلق الأطفال في الطرقات حاملين فوانيس رمضان التقليدية الملونة وهم يهتفون" "حالو يا حالو". كما يظهر "المسحّراتي"، وهو شخصٌ يمرَ على الأحياء والبيوت لإيقاظ الناس وقت السحور، يقرع الطبل وينادي: "اصحَ يا نايم وحّد الدايم. سحور يا عباد الله". أما في الأحياء الشعبية والقرى، فإن المسحراتي قد يدق على أبواب البيوت مناديًا بأسماء سكانها.
في موريتانيا يحلق الرجال شعر رؤوسهم قبل أيام من الشهر كي يتزامن نموه مجدداً مع حلول العيد، وتسمى هذه العادة "شعر رمضان"، وبين العادات الموريتانية طقس قراءة القرآن الكريم كله في ليلة واحدة.
عاداتٌ مميزة لاستقبال شهر رمضان حول العالم
استعدادًا لصيامهم أول مرة، يُحضَر الباكستانيون الصغار للقيام بهذه الفريضة من خلال إقامة حفلٍ يجمعون فيه صغار السن لتشجعيهم على الصيام؛ في حين تمنح الحكومة الإندونيسية إجازةً للطلبة في الأسبوع الأول من الشهر، للسماح لهم بالمشاركة في الشعائر مع عائلاتهم.
كما يحرص ميسورو الحال من الأثرياء، على الذهاب إلى ملاجئ الأيتام لتناول وجبات الإفطار معهم في لفتةٍ إنسانية كبيرة. أما في ألبانيا، فتزيد الدروس والمحاضرات الخاصة بشهر رمضان من قبل أئمة المساجد؛ وتتم دعوة العديد من الأئمة وعلماء الدين من تركيا إلى البلاد للاستفادة من علمه وإمامتهم خاصةً في صلاة التراويح.
عادات الطعام لدول العالم خلال شهر رمضان
الإفطار في الصين يكون على البطيخ الأحمر؛ فيما يتناول الأندونيسيون شراب "تيمون سورى"، وهو نوعٌ من الشمام،. أما في أوغندا فيتم استخدام الموز،وهو المصدر الأساسي للغذاء في البلاد، في وجبة "ماتوكي" الخاصة برمضان؛ وهي كنايةٌ عن موز مطبوخ، كذلك يُضَر الأوغنديونالموز المشوي وشوربة الموز.
بلاد الشام وتحديدًا سوريا، تشتهر فيها عادة "السكبة"؛ وهي الأطباق التي يتداولها المسلمون أوائل شهر رمضان فيما بينهم، بحيث تزخر موائد السوريين بمختلف أنواع الأكلات التي يسكبها الناس ويقدمونها لجيرانهم وأحبتهم خلال شهر رمضان.
في السودان، يُقدم شراب "الآبريه" أو "الحلو مر"، والذي يقاوم العطش؛ وهو عبارةٌ عن ذرة تُنقع في الماء حتى تنبت جذورها ثم تُجفف تحت أشعة الشمس، وتُطحن مع البهارات. بعدها يتم عجنها ووضعها على هيئة طبقات في الفرن حتى تنضج.
عادات دول الخليج في استقبال شهر رمضان
في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي أول أيام رمضان؛ تجتمع الأسرة في بيت العائلة لتناول الإفطار، وغالبًا ما يكون بيت الجد.وتتمثل أبرز عادات وتقاليد الامارات في رمضان في احتفالية "حق الليلة" التي تسبق هذا الشهر الكريم بأيامٍ عديدة؛ إذ يتم الاحتفال بها في ليلة اليوم الخامس عشر من شهر شعبان لاستقبال رمضان، حيث يرتدي الأطفال أجمل الأزياء المستوحاة من الملابس التقليدية في الإمارات، ليبدؤا بعدها بترديد أهازيج وعبارات حق الليلة أثناء تنقلهم بين المنازل، ليجمعوا حلويات وتوزيعات حق الليلة في الإمارات.
ينتظر البحرينيون بشوقٍ مدفع الأفطار مع بداية شهر الصيام؛ وهو موروثٌ ثقافي قديم، يتم استخدامه في موعدي الإفطار والإمساك، فيما تتوزع المدافع في جميع محافظات المملكة الأربع كل عام.ويتم إطلاق ثماني طلقات للإعلان عن قدوم الشهر الفضيل، ومثلها في ليلة العيد، وطلقة واحدة وقت السحور وأخرى عند الإفطار. وكما في مصر والعديد من دول المشرق، يقوم المسحراتي مع أولاد الحي بطرق الطبول والأواني وإنشاد الأناشيد لإيقاظ الجميع، وما زال المسحراتي حاضرًا في رمضان على الرغم من التطور الحديث.
"القرقاعون" تشبه حق الليلة في الإمارات؛ وهى الليلة التي يخرج فيها الأطفال ليلة 15 رمضان في مجموعاتٍ يحملون أكياساً وطبولاً، ويتجولون في الأحياء طلباً للقرقاعون، وهي عبارة عن مكسرات، وحلويات، وتين مجفف من عامة البيوت.
اعتاد الناس في الكويت خلال شهر رمضان، زيارة الأهل والأقارب والحرص على تقديم الهدايا لهم والمتمثلة في حلوى "النكصة" إضافة إلى التمر. ولا ننسى "الكركيعان"، تقليدٌ يشبه حق الليلة لكنه يحدث منتصف شهر رمضان وليس شهر شعبان.
أما في المملكة العربية السعودية، فهناك يومٌ خاص للاحتفال بما يُعرف ب "شعبانية" أو "شعبنة"؛ وتحدث أواخر شهر شعبان للاحتفال بقدوم رمضان. وخلال هذا اليوم، تُزين الطرقات ولبيوت باللافتات ولوحات الترحيب بالشهر الفضيل، كما يجري تقديم الأكلات الشعبية والحلويات.
وعلى الرغم من تطور علم الفلك، إلا أن أهل المملكة ما زالوا يحبون التأكد من دخول شهر رمضان المبارك من خلال رصد الهلال بالطريقة التقليدية. وهناك العديد من طرق الترحيب برمضان، منها طريقة أهل عسير الذين يشعلون النيران الكثيفة في أسطح المنازل استقبالاً للشهر الكريم.
يحب السعوديون تزيين البيوت ومجالس رمضان بكاقة أصناف التزيين مثل الفوانيس والأضواء والمفارش وأدوات التقديم كالقهوة والشاي وغيرها. كما يجري تعليق الأقمشة المكتوب عليها عبارة رمضان كريم، والأدعية الدينية، والآيات القرآنية مه تزيين مداخل البيوت احتفالَا بشهر الصيام.
في سلطنة عُمان، وما أن يستطلع الناس رؤية الهلال؛ حتى يسارعوا إلى الأسواق للتبضع وشراء حاجات الإفطار. كما يحب العمانيون الإفطارات الجماعية في المساجد وصلاة التراويح وتلاوة القرآن والاحتفال بـ “القرنقشوه" و"الهبطات" وعيد الفطر.وعند ثبوت رؤية الهلال، يجتمع الناس في المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح؛ وبعد الانتهاء، يسلمون على بعضهم ويتبادلون التهاني والتبريكات بمناسبة قدوم الشهر الفضيل. كما يقومون بزيارة الأقارب وتهنئتهم بقدوم هذه المناسبة قبل دخول الشهر المبارك بيومين أو ثلاثة حفاظًا على صلة الرحم، مع العلم أن معظم العمانيون يُفضَلون تجمع أفراد العائلة في بيت الأكبر سنًا، للإفطار معًا في حلقة واحدة.