المخرجة ياسمين أحمد كامل في حوار خاص مع "هي" عن رحلة صنع وأصداء مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة"
المخرجة المصرية ياسمين أحمد كامل، أصبحت واحدة من أبرز الأسماء الصاعدة في صناعة الدراما في الفترة الحالية، وفي عالم الإخراج، خاصة بعد تجربتها الأخيرة في مسلسل "بدون أعلى نسبة مشاهدة"، في موسم رمضان 2024، والذي جاء بعد بداية رحلتها في الإخراج في عام 2009، حين بدأت العمل كمخرجة مساعدة ومنفذة في العديد من الأعمال مثل "الحارة" وفيلم "ولاد رزق" وغيرها، وعملت مخرجة وحدة ثانية في مسلسل "جراند أوتيل" وغيرها من الأعمال إلى أن خاضت تجربتها الإخراجية الأولى مسلسل "حدوتة مرة" عام 2019.
جاءت هذه الخطوات قبل الاهتمام الكبير الذي لاقاه مسلسلها الأخير "أعلى نسبة مشاهدة"، وهو من إخراجها وفكرتها، ومن بطولة سلمى أبو ضيف وليلى زاهر وانتصار وغيرهم، وتأليف سمر طاهر وإنتاج المنتج عبد الله أبو الفتوح، وأثار المسلسل العديد من النقاشات خاصة بسبب تعرضه لقضايا اجتماعية جادة على رأسها تأثير "تيك توك" على المجتمع، من خلال قصة "شيماء" التي جسدتها سلمى أبو ضيف، والتي تعاني من الفقر والظروف الصعبة التي أدت في النهاية إلى تورطها في أزمة بسبب شهرتها على تيك توك ودخولها السجن في النهاية.
وتحدثنا مع المخرجة ياسمين أحمد كامل عن كواليس رحلة تنفيذ المسلسل، والتحديات التي واجهتها وكذلك عن العديد من الرسائل التي قدمها العمل وأصداء عرضه المختلفة:
بجانب أن العمل من إخراجك فهو فكرتك في الأساس.. كيف بدأت الفكرة معك واختيار قصة عن "تيك توك"؟
بدأت في التفكير في القصة في عام 2020، وقت جائحة كورونا، حين رأيت اهتمام أبناء صديقات لي في عمر 8 و9 سنوات بتيك توك، ورأيت محتويات وقتها غير مناسبة ولا يصح لي وللأطفال مشاهدتها، الموضوع كان مستفزاً للغاية بالنسبة لي، وكيف أن كل شيء مفتوح لأي شخص لمشاهدة أي شيء، حتى أنني كنت أتحدث مع والدي، رحمة الله عليه، حول الأمر وأنه كيف وصل الفساد لهذه الدرجة؟ وأن الموضوع بلا رقابة تماماً. كنت أشعر بالاستفزاز بصفتي الشخصية وبالقلق على الأطفال وعلى أن الأجيال الجديدة مقبلة على كارثة إلى أن تحمست لتحويل هذا الأمر إلى عمل درامي، منذ اللحظة التي تسبب فيها تيك توك في دخول لبعض الناس السجن.
أنا في العادة أكتب قضايا كثيرة حداً أرغب في تقديمها والتحدث عنها في أعمالي، وقصة مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" من ضمنها، وحين أفكر في قضية ما أكتبها بنفسي وأضع لها الخطوط العريضة "الفورمات" للمؤلف الذي سأتعاون معه، وأشرح بها ما أريد تقديمه وشكل القصة التي أريدها، وقدمت الفكرة للشركة المنتجة للمسلسل بعد الحصول على موافقة الرقابة، وحصلت على موافقة الشركة في الحال قبل التعاقد مع مؤلف المسلسل، وتعاقدت على العمل مع المنتج عبد الله أبو الفتوح في شهر ديسمبر عام 2022.
بعد هذه الخطوة، بدأنا رحلة كتابة المسلسل وبدأت العمل مع العديد من المؤلفين لحين وجدت المؤلفة سمر طاهر، والتي كانت الوحيدة التي فهمت القصة التي أريد تقديمها، وكانت تفهم ما أفكر به، ومن هنا بدأنا كتابة سيناريو المسلسل.
ما أكثر شيء كنتِ حريصة على الالتزام به في مرحلة الكتابة بالمسلسل؟
كنت حريصة في المقام الأول أن كل الأجيال تستطيع مشاهدة المسلسل، بداية من الذين في عمر 8 سنوات إلى من هم في عمر 70 عام، لذلك كنت أستطيع كمخرجة للعمل أن أضيف مشاهد جريئة أو أن أجعل شخصية "ِشيماء" ترتدي ملابس "جريئة شوية"، ولكني لم أفضل ذلك مراعاة للأطفال الذين سيشاهدون المسلسل.. "بس حبيت أخوفهم من الموبايل، حبيت أخوفهم إنهم مايرقصش في أي حتة، حبيت أخوفهم إن إنتي لازم يبقى عندك مهنة محترمة، حبيت أخوفهم ان الفلوس السهلة بتروح بالساهل، حبيت أقول حاجات كتير باحترام، عشان احافظ على احترام إن الجمهور من عمر المراهقة لغاية 70 سنة هيتفرج على المسلسل".
تنفيذ عمل يتعرض لقضية معاصرة في المجتمع أمر قد يثير بعض المخاوف.. ما هو أكثر شيء تخوفت منه خلال رحلة الكتابة وتنفيذ المسلسل؟
ما تخوفت منه في بداية العمل في المسلسل لم أنفذه، وتراجعت عن فكرة تقديم "شيماء" كشخصية منحرفة في المرحلة الثانية من حياتها في الأحداث، لأني كنت أفكر في جعلها شخصية "منحرفة بزيادة"، ولكني لم أكن أرغب في انتقادات أو سوء فهم من نوعية أن ليس كل الفتيات يفعلن ذلك الأمر وأن جميع الفتيات محترمات، لذلك كان الخيار أن أظهر الشخصية تتجه تدريجياً بسبب الظروف وجهلها الشديد وغبائها إلى هذا المصير في النهاية، وليس لأن لديها ميول للانحراف، على عكس الفكرة الأولى لدي، والتي كانت حول فتاة لديها بالفعل هذه الميول وتزداد مع جهلها.
هل كان هناك تخوف من جرعة التراجيديا الكبيرة في قصة المسلسل؟ خاصة أن هناك وجهة نظر تقول إن الجمهور يحتاج في الوقت الحالي إلى الكوميديا بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها؟
أنا مع هذه النظرية ولكن في حالات محددة، ومثلا هناك مسلسلات "موضوعاتها توجع القلب بزيادة"، التي تناقش ظروف صعبة نعيشها ونعرضها مراراً وتكراراً، حتى تصبح "ثقيلة الظل"، لأننا نعيشها بالفعل، ولكن في "أعلى نسبة مشاهدة"، الفن متكامل مع الرسالة والقضية ومع أننا نجعل الناس تأخذ احتياطاتها منها، فالعمل يعرض قضية مهمة بطريقة جدية ولم يتطرق لها أحد من قبل، وبه عناصر متكاملة وتمثيل حقيقي، هنا الحالة مختلفة عن عمل "جاي يوجعني وخلاص، هنا متنكدش عليا عالفاضي".
ولدي معرفة في كل فكرة عمل أكتبه عن طريقة العرض المناسبة "ببقى عارفة المسلسل رايح لفين، وعارفة الوقت ده يتعرض فيه إيه، أنا كمان ابتديت احس من أعمالي قبل كده اني بقيت فاهمة الجمهور وعارفة اعرض له إيه امتى"، وراعيت في تنفيذ المسلسل ألا يتجه في طريق تقديم المواعظ والدروس، ولكن أردت أن يتجه في طريق أن يكون مسلسل حقيقي ويلمس الأمهات والآباء والأبناء والأخوات والرزق والعمل والفقر والجهل، وهذا العمل كان به "شعرة ما بين الكليشيه والحقيقة".
وأردت أن يتخيل كل فرد من الجمهور نفسه واحد من أبطال المسلسل سواء في شخصية الأب أو الأم أو "ِشيماء" أو "نسمة"، وأن يجد الجمهور نفسه في أي شخصية من المسلسل حتى يصدقها، وأنه لابد أن تحب البيت وتحب كل فرد في الأسرة، وأرى أنه يجب على كل مخرج أن يفكر في ذلك في أي عمل يقدمه حتى يحب الجمهور العمل الذي يقدمه.
حدث ربط بين إحدى الشخصيات الحقيقية التي تعرضت للسجن والمسلسل.. إلى أي مدى اعتمد المسلسل على قصص واقعية بالفعل في قضية حبس فتيات "تيك توك؟
أنا قابلت نماذج حقيقية بالفعل، فأنا لم أكتب هذا المسلسل من فراغ، ولم أبدأ في كتابة كلمة واحدة في قصة المسلسل أو أن أتخيلها واعرضها على المنتج والمؤلف قبل مقابلة هؤلاء الأشخاص، وتواصلت بطرق عدة معهم، ومنها عملت حسابات مزيفة على "تيك توك" وتواصلت مع العديد من الشخصيات وقابلت فتاة من الذين تعرضوا للحبس بالفعل، و"جزء من اللي حكته حطيته في المسلسل، وحضرت محاكم وحضرت الناس اللي بتتحبس بيحسوا بإيه، وأهلهم بيحسوا بإيه، كل دي احاسيس أنا شفتها في حياتي خليتهم يعملوها"، هناك أجزاء كبيرة من المسلسل من الحقيقة، لم أتحدث عن شخصية واحدة فقط، ولكننا تحدثنا عن كل البنات والشباب في تيك توك، "أنا واخدة ايه من مين؟ دي حاجة متخصش حد".
رأينا تطور كبير في الأداء التمثيلي للمشاركين في العمل، خاصة في أداء سلمى أبو ضيف وليلى زاهر، واعتبر البعض ذلك مفاجأة كبيرة منهما.. كيف كانت كواليس إدارتك الممثلين في العمل من أجل الخروج بهذا المستوى؟
بدأت العمل مع سلمى أبو ضيف تدريجياً من الخطوة الأولى، لأنه في البداية كانت هناك صعوبة في أداء سلمى أبو ضيف للشخصية، لأنها لم تكن تعلم شيئاً عن هذه الطبقة الفقيرة والشعبية، ولم يكن لديها فكرة عن منطقة "الحطابة" حتى أنها كانت تعتقد أنها موقع للتصوير بالفعل وليست منطقة حقيقية، وفي البداية جعلتها تشعر بالصدمة بعد أن اصطحبتها في زيارة إلى "الحطابة" وزيارة منزل فتاة حقيقية هناك "مي"، وفي البداية لم تكن سلمى أبو ضيف تتخيل وتصدق أن هناك قصص مثل هذه بالفعل، وأن هناك أشخاص يعيشون في مثل هذه الظروف، لذلك كان لابد أن تنزل بنفسها للتعرض لهذه القصص والحياة من أصحابها الحقيقيين.
ثم بعد ذلك بدأت العمل معها، وفي شرح قصة المسلسل والشخصية وما أريد توصيله، ونظمت معها جلسات عمل يومية مكثفة لمدة 7 ساعات يومياً مع "مي"- الفتاة الحقيقية من الخطابة- واستمرينا في هذه الجلسات المكثفة بجانب البروفات اليومية لمدة شهر بالكامل، لذلك في نهاية هذا الشهر كانت سلمى أبو ضيف قد شربت الشخصية تلقائياً وأصبحت تتحدث مثل الفتاة الحقيقية، أما ليلى زاهر فكانت أسرع في "شرب الشخصية، لكن سلمى لأ، لأنها كان عندها صدمة من الموضوع نفسه مش عايشة معانا، سلمى مابتعرفش تعمل حاجة غير لما تصدقها، ولازم تفهم، لو مفهمتش مش هتعرف تمثل، سلمى عندها الحتة دي".
هناك دور هام أيضاً في اختيار مواقع تصوير حقيقية بالإضافة إلى الملابس.. كيف كانت طريقة اختيارك لمنطقة "الحطابة" بالتحديد لأحداث المسلسل؟ وهل كانت اختيارك الأول؟
الملابس والديكورات هي العناصر التي تجعل الجمهور يصدقنا، وهي الأشياء التي تُكمل أدائي، لذلك أنا لم ولن أخرج أعمال فنية في ديكورات غير حقيقية، أنا أحب المواقع الحقيقية، وفي البداية كان هناك تخوف من التصوير في منطقة حقيقية، ولكن من حسن حظي أنني عملت مع أفضل شركة إنتاج في مصر بصراحة، "ناس بتوع فن وحاجة في منتهى الحلاوة والشياكة ورجالة"، واستطاعوا تحويل الشوارع إلى بلاتوهات تصوير في حالة سيطرة لم أرها منذ أن دخلت هذه المهنة، لذلك من حسن حظي إن الإنتاج كان بهذه الدرجة الكبيرة من الاحترافية.
وكان اختياري لموقع التصوير في البداية أن يكون مثل عالم الأبيض والأسود، الحواري التي رأيناها قديماً مثل "الحلمية" و"القلعة"، ولك أكن أرغب في "حواري البلحطية بتاعة الايام دي، والحتت اللي فيها مطاوي والحاجات دي، انا عايزة حواري الأبيض وأسود اللي كنا بنشوفها"، وفكرنا في البداية في منطقة الحلمية والقلعة وشاهدنا مواقع عديدة قبل الاستقرار على الحطابة، "وهي دي أكتر حاجة عجبتني في كل حاجة، ولامة كل اللي أنا عايزاه".
كانت هناك آراء مختلفة مع عرض الحلقة الأخيرة من المسلسل خاصة في مشهد محاكمة "شيماء"، ومنها التعاطف مع الشخصية والاعتراض على محاكمتها لأنها تعرضت للظلم باستخدامها تيك توك كحق إنساني لها، وانتظر البعض أن تنصفها النهاية على عكس الواقعة الحقيقية.. كيف رأيت هذه الآراء؟
حقيقة لم أسمع بهذه الآراء من قبل، من قال ذلك؟ كيف لا نحاكمها وهي مخطئة؟ هي دعت الفتيات لدخول غرف دردشة مغلقة للحديث في أشياء خارجة، هذا هو القانون، هل أتدخل في قانون البلد؟ ولماذا نتعاطف معها وهي مخطئة، لو التعاطف لأنها ساذجة وبريئة وغبية فلماذا لم تتعلم؟ وكان لديها اختيارات عديدة وهي شخصية ناضجة لديها 28 عام، وأعطاها الله العقل والفرص وكان من المفترض أن تختار، ولكنها اختارت الهروب والزواج بدون علم أهلها، واختارت عدم مواجهة أهلها ومصالحة الدنيا، واختارت الاحتماء في بيوت رجال غرباء، وتناول المخدرات وفعل أي شيء مقابل ألا تعود إلى الفقر.. لذلك هي "غبية وجاهلة".
هناك أيضاً أقاويل حول تغيير نهاية المسلسل بمشهد المحكمة الذي رآه البعض مفاجيء على أحداث المسلسل؟
لم أسمع أيضاً بهذا من قبل، فالنهاية لم تتغير، بل أول مشهد كتبته في المسلسل كان مشهد المحكمة، وبدأت المسلسل بمشهد المحكمة، "أول ما جاتلي الفكرة هي جاتلي عند المحكمة، وهي محبوسة، أنا أول مشهد كتبته بعد جاتلي الفكرة هو مشهد المحكمة، وللعلم الحكم الواقعي وفقاً للقانون من المفترض أن يكون أشد من الذي في المسلسل، وأن تحصل على سنوات حبس أكثر، ولكني طلبت من المحامي أن تتوافق الحبكة في النهاية مع حصولها على سنة حبس واحدة، "شان تبقى قرصة ودن للبنات، مش عايزة أخوفهم أوي".