خاص "هي" مهرجان كان 2024.. فيلم ”شرق 12“ زيارة بصرية جديدة لشخصية نعرفها
ثاني الأفلام المصرية المشاركة في مهرجان كان هذا العام، وثاني الأفلام الطويلة للمخرجة هالة القوصي، هو "شرق 12“ (East Noon)، المشارك في برنامج نصف شهر صناع السينما، والذي بأتي بعد 7 سنوات تقريبًا من فيلمها الأول ”زهرة الصبار“ (2017).
يمكن أن نلمس الكثير من العناصر المشتركة بين التجربتين، بدءًا الاهتمام الشديد بالأسلوب البصري وتصميم الإنتاج، مرورًا بوجود شخصيات ذات ملكات إبداعية، وانتهاء بفريق العمل سواء وراء الكاميرا (عبد السلام موسى مديرًا للتصوير ومشاركًا في الإنتاج) أو أمامها (منحة البطراوي).
تدور الأحداث في عالم ينتمي لأجواء ما بعد كارثية (post apocalyptic)، حيث نشاهد الشخصيات في قرية صغيرة يُطلق عليها ”مستعمرة شرق 12“، ويبدو الفقر ظاهرًا في كل جوانبها. يسطير على المستعمرة شوقي (أحمد كمال)، بينما يحاول الشاب الحالم عبده (عمر رزيق) الهرب من هذا المكان القاتل، بدعم من جلالة (منحة البطراوي) التي تعد مصدر الحكايات والأحلام في هذه المستعمرة.
بداية ”شرق 12“ جذابة، وتقدم الكثير من مميزات الفيلم معًا. لا يمكن إلا أن نشعر بالإعجاب بالتصوير المميز الذي يستخدم الأبيض والأسود بشكل جمالي ممتع، خاصة عندما نضع في الاعتبار الاعتماد على الألوان بشكل أساسي في الفيلم السابق، ولكن اختيار الأسود والأبيض كان الأمثل لطبيعة هذا العمل، الذي يتحدث عن عالم يحيا تحت الظلم، ولا يملك القدرة على الخروج من المستعمرة، وهو ما يؤكده المونولوج الافتتاحي بصوت جلالة عن الأحلام والخوف، وربما كان من أجمل حوارات الفيلم.
بعد هذه البداية التي تجعلنا نطمع في المزيد يذهب الفيلم إلى تقديم شخصيته وحبكته بطبيعة الحال.
ما يستحق التوقف عنده في الشخصيات بداية هو المقابلة بين شوقي وعبده. عندما وصفنا شوقي بالسيطرة فإننا نعني السيطرة على كل شيء، ليس فقط المادة ولكن أيضًا القوة التي تتمثل في رجاله الذين يديرون المستعمرة ويتحكمون فيها، وأيضًا نافذة التسلية الوحيدة التي يطلق عليها ”فزيون البهلوان“، والتي تشبه السيرك والفقرة الوحيدة المُقدمة هو الذي يقدمها! وعندما يعتلي شوقي المسرح فإن أحمد كمال يطلق العنان لموهبته، ليجعلنا نكره هذا المؤدي الفاشل، الذي يستغل نفوذه لينفرد بالخشبة ويجبر الناس على مشاهدته. بينما لدينا في المقابل عبده ينجح بأقل الأدوات وأكثرها بدائية في صناعة موسيقى حديثة ذات هوية.
بجانبهما تأتي شخصية جلالة التي تعد بلا جدال أذكى شخصيات الفيلم كتابة، بل وأكثر شخصية مختلفة وغير معتادة كما سنوضح لاحقًا. جلالة تمثل الصوت الذي لا يرضى عن السلطة الممثلة في شوقي، ولديها هامش من القدرة على المواجهة معه، ليست مثل الباقين تتحاشاه، ولكنها في الآن ذاته ترضى ببطشه حتى تحافظ على حياة عبده، بل وتوافق على أن تُلهي سكان المستعمرة بحكاياتها التي تمنحهم قليلًا من الأمل الزائف. تركيبة ذات عدة أبعاد وصراع داخلي كبير، تجعل بقية شخصيات الفيلم تتضاءل أمامها.
في الحقيقة ليس ما يقلل من بقية الشخصيات هو قوة جلالة، ولكن تكرار الشخصيات الأخرى. فباستثناء ما ذكرناه من تفاصيل عن شوقي وعبده سابقًا، لن نرى فيهما أي مساحة أخرى للاختلاف، شوقي هو المستبد التقليدي، وعبده هو الشاب الحالم الذي شاهدناه في الكثير من الأفلام الأخرى دون أبعاد خاصة باسثتناء موضوع الموسيقى الذي ذكرناه. إذا انتقلنا للشخصيات الثانوية فإنها أقل تأثيرًا وتنتقص من قوة الفيلم، خاصة شخصية الفتاة نونّة (فايزة شامة) التي يغتصبها عدة رجال من القرية وتحاول الهرب مع عبده، ولكننا لا نكاد نشعر بالتعاطف مع الشخصية بشكل عام، إما للأداء الذي يحتاج إلى المزيد لنصدقها، وإما لأن قصة الحب مع عبده ليست ناضجة تمامًا ولا تملك أبعادًا واضحة. يترتب على عدم وجود عمق كافٍ للكثير من الشخصيات، عدم القدرة على صناعة صراع عميق أو خاص بالفيلم دون غيره، بل وربما الوقوع في فخ التكرار في بعض المشاهد أيضًا.
إن عدنا إلى رائعة يوسف شاهين ”عودة الابن الضال“ فإننا سنجد أيضًا شخصية المستبد والحالم والضحية، ولكن لكل شخصية منها كانت هناك تفاصيل متشابكة تجعل الفيلم يزداد بريقًا كلما مر عليه الوقت.
فيلم ”شرق 12“ هو بالتأكيد خطوة للأمام بالنسبة لمخرجته، ويبدو أكثر سهولة وقربًا من المشاهدين من فيلمها السابق، ولكنه كان يحتاج إلى المزيد التفاصيل على مستوى السيناريو لتعادل الجودة على مستوى الصورة.