الرئيسة التنفيذية لـ"كارتييه" في الشرق الأوسط والهند وإفريقيا وتركيا صوفي دوارو لـ"هي": مبادرة النساء توحّد قوانا من أجل الخير
حين أطلقت دار المجوهرات العالمية العريقة "كارتييه" CARTIER مبادرتها المميزة للنساء في عام 2006، كانت إحدى أولى شركات السلع الفاخرة التي تتحدّث عن أهمية دعم رائدات الأعمال اللواتي يصنعن التغيير، ويتركن بصمة إيجابية في مجتمعاتهن. في سبيل مساعدة النساء على تحقيق أقصى إمكانياتهن، وتسريع عجلة التغيير للأفضل، أبصرت "مبادرة النساء من كارتييه" CARTIER WOMEN’S INITIATIVE النور، منفتحة بفضل نهجها الشمولي على كل رائدات الأعمال، بغض النظر عن جنسياتهن وخلفياتهن ومجالات عملهن. ومن خلال هذا البرنامج المميز، بنت شبكة تمتد عبر كل أنحاء العالم من النساء المبدعات والمندفعات، ووفّرت لهن فرص تمويل جديدة وتوجيها وتدريبا تنفيذيا على أيدي خبراء ومحترفين.
في كل سنة، تقدّم نساء من حول العالم طلبات الالتحاق بالبرنامج، وتتولى لجنة التحكيم اختيار الأفضل بينها، باعتماد عملية دقيقة جدا لضمان الأكثر تأثيرا وقابلية للاستمرار، وتصبح الفائزات "زميلات" ضمن برنامج "مبادرة النساء من كارتييه". لجوائز هذه السنة، كانت هناك تسع فئات مقسمة إلى مناطق جغرافية، وفئتان تتمحور كل منهما حول موضوع معيّن: وهما جائزة "الريادة في العلوم والتكنولوجيا" وجائزة "التنوع والمساواة والشمولية". وتحمل المبادرة لعام 2024 شعار "قوى من أجل الخير"، الذي يعبّر عن طموحها إلى توسيع نطاقها والمساهمة في بناء عالم أكثر عدالة، ويشدد على أهمية العمل الجماعي من أجل صنع التغيير للأفضل، خصوصا في عالم لا يتجاوز الدعم المالي فيه لرائدات الأعمال نسبة 2 في المئة، وفي عالم ترى "كارتييه" أن ازدهار نسائه يؤدّي إلى ازدهار البشرية جمعاء.
بعد المرة الأولى التي حضرتُ فيها حفل الإعلان عن الفائزات بجوائز "مبادرة النساء من كارتييه"، صرت أحرص على عدم تفويت هذا الحدث الملهم، لما يتركه من تأثير إيجابي في نفسي، بقصص نسائه اللواتي تجاوزن كل التحديات وحلّقن نحو النجاح وأحدثن تغييرات إيجابية ملموسة في مجتمعاتهن. وقد انضممتُ في شهر مايو الماضي إلى دار "كارتييه" في مدينة شنجن الصينية للتعرّف إلى زميلات مبادرتها النسائية لعام 2024، وذلك خلال حفلة استضافتها الكاتبة والناشطة الدنماركية "ساندي توكسفيغ"، وكللتها قصص زميلات البرنامج اللواتي يعالجن بعض أهم التحديات الاجتماعية والبيئية في عصرنا. أسعدني الحضور العربي في صفوف الفائزات، وتأثّرتُ بكل القصص، فكل منها قوية وملهمة، وأذكر على سبيل المثال امرأة كفيفة أسست منصة صوتية تعمل بالذكاء الاصطناعي لمساعدة المكفوفين في طلب المنتجات والخدمات عبر أجهزتهم الذكية، وامرأة فــــقــــدت ســاقـــهـــــا في حادث، فــقـــــررت بنـــــاء شركة خياطة تلبّي حاجات من يعانون من احتياجات خاصة من خلال ملابس أكثر سهولة وراحة.
وحظيتُ بفرصة لقاء "صوفي دوارو" SOPHIE DOIREAU الرئيسة التنفيذية لدار "كارتييه" في الشرق الأوسط والهند وإفريقيا وتركيا، والتي تحتفل هذا الصيف بعشر سنوات على تولّيها هذا المنصب الذي تحبّه حبا حقيقيا نابعا من حبّها لهذه المنطقة وثقافتها وأهلها. تعتزّ "صوفي" للغاية ببرنامج "مبادرة النساء من كارتييه"، وتفتخر بأن 92 في المئة من الزميــــلات اللــــواتي دعــمـــهــــن البرنامــــــج ما زلـــــن يقدن شركات قائمة وفاعلة. عن أهمية هذه المبادرة، وعملها، وتأثيرها، واستمراريتها، ومستقبلها، وشبكة نسائـــــها المنــتــــــشرة حـــــول العالم، سألتُ "صوفي دوارو"، التي نلمس من خلال أجوبتها التزام "كارتييه" بتمـــــكين الــــــمرأة بشكل صادق، وحقيـــــــقي، وفعّال، وملهم. وأضم صـــــوتي إلى صـــوتــــــها، متــمــنــيــــة سير كل الشركات على هذه الخطى.
تقوم "مبادرة كارتييه للنساء" بتمكين رائدات الأعمال منذ أكثر من 17 عاما. كيف تتوافق هذه المبادرة مع رسالة "كارتييه" وقيمها الجوهرية؟
أولا، أريد أن أقول إن برنامج "مبادرة كارتييه للنساء" يهمني للغاية على صعيد شخصي، لأنه انطلق قبل 17 عاما، وأنا انضممت إلى الدار بعد ذلك بسنة، وكان أحد أول البرامج التي تعمقتُ فيها وفهمتُها.
بالنسبة إلي، إن هذا البرنامج يجسّد قبل كل شيء قيمة العطاء، وهي إحدى أهم القيم التي تتمسّك بها "كارتييه". لا شك في أننا شركة تجارية، لكننا نقدّر الفرصة التي يتيحها لنا عملنا من أجل العطاء لمجتمعات مختلفة. وهنا أذكر القيمة الثانية التي يعكسها هذا المشروع، وهي الشمولية؛ فقد أدركنا أن النساء في كل أنحاء العالم يواجهن صعوبة في ريادة الأعمال، بسبب الانحياز الجنسي، وقلة التمويل، والنقص في بناء شبكات العلاقات لأن الكثيرات منّا (وأنا واحدة منهن) لا يكرّسن الوقت الكافي لبناء شبكات ثابتة تساعدهن في المستقبل. معظم رائدات الأعمال يواجهن المشكلات والعقبات نفسها، ولذلك رأينا في دار "كارتييه" أهمية إنشاء منظومة لرائدات الأعمال ندعمهن من خلالها حتى يطوّرن مشاريعهن وأفكارهن الرائعة، ويستطعن ترسيخ شركاتهن للمدى البعيد.
لذلك، نركّز على تدريبهن وإرشادهن، وتعزيز شبكات الاتصال بينهن حول العالم حتى يستطعن التحدث وتبادل الآراء كلما احتجن إلى ذلك. وهنا يكمن جمال هذا الحدث الذي يجمعنا كل سنة في عنوان مختلف، والذي نشعر فيه بقوة هذه الجماعة، ولا سيما حين نرى النساء المشاركات سعيدات بأن يلتقين ويختلطن ويتبادلن الأفكار. في النهاية، أينما كنّا، نواجه التحديات ذاتها.
كيف تطورت "مبادرة كارتييه للنساء" على مر السنين لتظل ملائمة وفعالة في دعم رائدات الأعمال، خاصة في مناخ اقتصادي ديناميكي؟
نمت المبادرة بشكل كبير، وازدادت أهميتها أكثر فأكثر بالنسبة إلى "كارتييه". وصارت مبادرة تهمّ كل من يعمل لدى الشركة، بفضل تأثيرها الخارجي القوي، والذي يبقى هدفنا الأساسي. ولكن لا شك في أننا اضطررنا إلى تكييف البرنامج، لأن الكثير قد تغير خلال 17 عاما. على سبيل المثال، قررنا إضافة فئتين جديدتين إلى الجوائز المقسّمة عادة بحسب المناطق الجغرافية، فأبقينا الفئات المناطقية، وزدنا جائزتين تعكسان التحولات المجتمعية: الجائزة الأولى مكرسة للعلوم والتكنولوجيا، لأننا نريد تشجيع المزيد من النساء على دخول هذا المجال، والثانية هي التي أطلقناها في العام الماضي وخصصناها للتنوع والإنصاف والشمولية، لأن التنوع موضوع مهم للغاية اليوم بالنسبة إلى رائدات الأعمال. والجدير بالذكر أن هذه الجائزة الجديدة تقبل ترشيح رجال أيضا، لأنها جائزة تعبّر عن الشمولية، ولم نرغب في استبعاد أحد من هذه الفئة.
سنواصل التكيف مع حاجات المجتمع، لأن جمع الطاقات والأفكار المختلفة أساسي في معالجة بعض القضايا الملحّة مثل حماية البيئة وتمكين النساء. وبذلك، مهما كان مجال عمل شركتك، يمكنك أن تقدّمي طلبا للالتحاق بالمبادرة، طالما أنك تؤثّرين تأثيرا إيجابيا في العالم.
إلى جانب المنح المالية، ما شكل الدعم الذي تقدّمه المبــــادرة للـــزميـــــلات الــفـــائــــزات مــــن أجـــــل ضــمــــان نـــجــــاح مشاريعهن على المدى الطويل؟
نقدّم أولا برنامجا مهمّا جدا يمتد على 16 أسبوعا بالشراكة مع معهد "إنسياد"، وهو برنامج تنفيذي حقيقي يمكنه أن يغيّر بالفعل قواعد اللعبة لهؤلاء النساء الآتيات من كل مناطق العالم، فيفتح أعينهن على أمور كثيرة مهمّة، ويساعدهن في تطوير معرفتهن وفهمهن لعالم ريادة الأعمال. ونسمع دائما من كل المشاركات أن هذا البرنامج غيّر بالفعل مكانتهن القيادية في شركاتهن، إذ يمنحهن فرصة التحدث إلى خبراء محترفين ينصحونهن ويقترحون عليهن حلولا سهلة وفعالة قد لا تخطر على بالهن.
والدعم الأخير والأهم بالنسبة إلي هو بناء شبكة النساء التي تضم اليوم نحو 700 امرأة تدفع كل منهن عجلات التغيير من خلال شركتها. يشكّلن معا جماعة كبيرة نحب لمّ شملها باستمرار، سواء كان بشكل رقمي أو على أرض الواقع، فنظّمنا مثلا لقاء رائعا في دبي ضمن جناحنا النسائي في "إكسبو 2020". إن هذه الجسور التي تمتد بينهن قوية وملائمة لمواجهة مشكلاتهن من خلال الحوار والنقاش والتبادل.
ما مدى أهمية التعاون مع منظمات ومؤسسات مثل معــــهـــد "إنسياد" لنجاح "مبادرة كارتييه للنساء"؟
نتعاون مع "إنسياد" منذ البداية، وأعتقد أنها شراكة هادفة وقيّمة لأننا نتكامل، والتكامل مهم جدا حين نتحدث عن قضايا عالمية لا يمكننا مواجهتها بمفردنا كشركة أو حتى كدولة أو كإعلام. نكون أقوى بكثير حين نكون معا! على سبيل المثال، في جناحنا النسائي ضمن "إكسبو 2020 دبي"، ناقشنا موضوعا عالميا في حوار جمع بين القطاع الخاص أي "كارتييه"، ودولة الإمارات ومؤسسة "إكسبو"، وشركائنا الإعلاميين، وفنانين، فكان حوارا أقوى بكثير. في النهاية، ليست "مبادرة كارتييه للنساء" عن "كارتييه" بل عن النساء أنفسهن، أي عن إحداث تأثير حقيقي في حياتهن، ومساعدتهن على النمو، لأن التأثير الحقيقي يأتي من خلالهن ومن خلال عملهن.
بالانتقال إلى نسخة عام 2024، هلا أخبرتنا أكثر عن عملية اختيار الفائزات، وعمّا يجعل هذه المجموعة مميزة؟
اخترنا هذه السنة 33 فائزة أو "زميلة"، بعد عملية اختيار دقيقة جدا تبحث عن مشاريع قادرة على النجاح وقابلة للاستمرار، وتختار الأفضل بينها. تأتي الزميلات من مختلف دول العالم، ولدينا ثلاثة بلدان جديدة هذه السنة: البيرو وفيتنام والمغرب. وهنا أريد التعبير عن سعادتي بوجود فائزة من المغرب وفائزتين من مصر، وبوصول عدد جيّد جدا من المنطقة التي أشرف عليها، بعد أن وجدنا اهتماما كبيرا بالمبادرة في القارة الإفريقية والهند بصورة خاصة. لكنني أتمنّى أيضا نشر المزيد من الوعي حول البرنامج في الشرق الأوسط عموما ومنطقة الخليج خصوصا، حيث هناك الكثير من النساء الرائعات اللواتي يدفعن عجلة التغيير في مجتمعاتهن، واللواتي يمكننا دعمهن.
على ماذا تركّز المبادرة في نسختها لعام 2024؟
يمثّل هذا العام استمرارية لكل ما قمنا به من قبل، لأننا نريد أن نبقي تركيزنا مكرّسا لهدفنا الرئيس وهو الاتحاد من أجل الخير. هذا الهدف مهمّ جدا بالنسبة إلينا، وسيبقى أولويتنا في السنوات التالية، وانطلاقا منه نسعى إلى جمع القوى العاملة من أجل الخير وإتاحة تأثير مضاعف في المجتمعات.
وأنا الـيـــــوم فــخــــورة بــــأن شركــــــات 92 في المئة من زميلات البرنامج اللواتي دعمناهن على مر السنين ما زالت قائمة، وهذا يعني أننا أحـــســــنّا الاختــيـــــار الصحــيـــح، واستثمرنا في الأفكار الصحيحة، وساعدناها على التــــــطور. فمن خلال "مبادرة كارتييه للنساء"، كانت دار "كارتييه"، ولا تزال، داعمة وممكّنة، وأكثر ما أحبّه هو أنّ من نمكّنهم هم نساء من مجالات هادفة مختلفة وغير مرتبطة أبدا بعالم الترف والسلع الفاخرة.
هل يمكنك أن تشاركينا إحدى قصص النجاح التي أثّرت فيك؟
سأختار قصّتين من دورة العام الماضي. الأولى قصّة أبكتني، بطلتها امرأة هندية أنشأت منصة "زين أونكو". فقدت زوجها بعد معاناته من مرض السرطان، وحوّلت مأساتها وحزنها إلى فرصة لتغيير عالم علاجات السرطان من خلال تأسيس منصة رقمية تساعد المرضى في رحلاتهم العلاجية القاسية. هكذا، وبتفكير عاطفي وبراغماتي في آن معا، حوّلت لحظة صعبة جدا في حياتها إلى طاقة تؤثر إيجابيا في حياة الكثيرين.
القصة الثانية مختلفة تماما، بطلتها امرأة سنغالية اسمها "سيني سامبا" أطلقت شركة تصنع طعاما للأطفال بالاعتماد على دورة مستدامة لإنتاج الطعام من خلال مصادر محلية، بعد أن لاحظت الكم الهائل من الفواكه والخضار والحبوب التي كانت تُهدَر في قريتها. مشروعها حقق نجاحا كبيرا، وقد توسّع نحو كل أنحاء السنغال، منطلقا من فكرة بسيطة ومؤثّرا بشكل مضاعف في مجتمعه من خلال توظيف عدد كبير من سكّان القرية، فضلا عن منافع تناول الأطعمة المزروعة محليا لصحة الأطفال ولحماية الكوكب من خلال تقليص عمليات النقل.
هذه القصص تلهم الجميع، ورؤية النساء يتحلّين بالشجاعة الكافية للمجازفة وتغيير حياتهن تماما أحيانا، هي تجربة قوية جدا. إنهن أفضل مثال على الشعار الذي احتضنه جناح "كارتييه" النسائي في دبي: "عندما تزدهر المرأة، تزدهر البشرية". فحين تجتمع وجهات النظر المختلفة، وعندما تّتحد قوى الخير، تستفيد الإنسانية بأكملها.
ما الأهداف المستقبلية للمبادرة، وخاصة فيما يتعلق بتوسيع نطاق تأثيرها وانتشارها؟
سنواصل التكيف والتماشي مع تطور المجتمع. في العام المقبل، سنقيم جناحا نسائيا ضمن المعرض العالمي الذي يقام في مدينة أوساكا اليابانية، وسيكون افتتاحه يوم 25 أبريل. وضمن الجناح، سنشجّع النقاش حول قضايا تمكين المرأة بين أشخاص من جنسيات مختلفة، ونجمع حولها كل زميلات "مبادرة كارتييه للنساء". تمتد المبادرة اليوم عبر 66 بلدا، وتفتح ذراعيها نحو بلدان جديدة. ما زلنا في البداية لأن القضايا المجتمعية كثيرة وأكبر منّا بكثير، ولأننا نريد مواصلة تمكين النساء من الازدهار والنجاح، إيمانا منّا بأن البشرية تزدهر حين تزدهر المرأة. وسنقدّم أيضا جوائز IMPACT AWARDS التي تنظر إلى كل السنوات التي مرت منذ إطلاق المبادرة، وتكرّم اللواتي كان لهن التأثير الأكبر للاحتفاء بنجاحاتهن وقصصهن.
إذا، لا تساعدون رائدات الأعمال وتغادرون، بل ترافقونهن في الفصول التالية من حكاياتهن؟
إن "مبادرة كارتييه للنساء" هي مبادرة مدى الحياة. تصبحين من خلالها جزءا من جماعة مترابطة، ونرافقك لكل مراحل مسيرتك المهنية إن أردت ذلك. وهذا ما دفعنا لإطلاق جوائز IMPACT AWARDS وتقييم وقع هذه الشركات والمشاريع على العالم، ونجاحها في إحداث تغيير ملحوظ. هذه المرة، سننظر إلى ما حصل على مدى 17 عاما، وكيف نمت هذه المشاريع وتوسعت وتطورت. أما ما نسمعه في كل مرة من زميلات البرنامج فهو أنه غيّر دروبهن الريادية، لأنه شجّعهن على طرح الأسئلة الصحيحة والتفكير في حلول مختلفة، ولا سيما بفضل نصائح أعضاء لجنة التحكيم الذين يملكون خبرة واسعة ومعرفة كبيرة.
تدعم هذه المبادرة نساء في مناطق مختلفة، بما في ذلك الشرق الأوسط. ما التحديات والفرص الفريدة التي تواجهها رائدات الأعمال في هذه المنطقة؟ وكيف تكيّف المبادرة دعمها لتلبية احتياجاتهن؟
لا أعتقد أن هناك خصوصيات لأي منطقة معينة، لأن النساء المشاركات من كل مناطق العالم يواجهن المشكلات نفسها. أولها مسألة الثقة بالنفس، وهي مسألة تواجهها النساء بوجه عام، وتلعب دورا مهمّا بالنسبة إلى رائدة الأعمال. ثانيا، هناك إيجاد التمويل، وبناء شبكات العلاقات الملائمة. وكلها عقبات يساعدهن برنامجنا على حلّها أو تجاوزها أو تخفيفها. وأنا أشدد دائما على موضوع بناء شبكات العلاقات الداخلية والخارجية، وأكرره لكل النساء، وليس فقط لرائدات الأعمال، لأنه يساعدهن كثيرا في المستقبل. فحين تكونين بمفردك، من الصعب أن تكوّني وجهة نظر شاملة وموضوعية وأن تنظري إلى المعايير ومؤشرات الأداء والممارسات المثلى.
وبعيدا عن العقبات التي تواجهها رائدات الأعمال في هذه المنطقة وكل مناطق العالم، ما نراه أيضا عند كل واحدة مــــنــــهـــــن هــــو انـــدفــــاعــــــهن وشــغــفــــهــــن وعـــزيـــمــتـــهن، مهما كانت خلفياتهن.
بما أنك تشرفين على هذا البرنامج، أي جزء منه هو الأكثر إرضاء لك على صعيد شخصي؟
مشاهدة التغيير الذي تحدثه هؤلاء النساء تلهمني وتغذّيني وتمدّني بالطاقة، ولا سيما أن الكثير منهن يتحدّين صعوبات كثيرة لتأسيس مشاريعن ويواجهن صعوبة في التوفيق بين الحياة الشخصية والمهنية. عاما بعد آخر، أعود إلى عملي بنظرة مختلفة إلى العالم وبدافع أكبر للعطاء والمساعدة. في كل دورة جديدة للبرنامج، نجد الإلهام الذي يخرجنا من فقاعتنا، ونفكّر في ما يمكننا فعله. بمجرّد سماع قصصهن، أسأل نفسي: ما الذي يمكنني فعله بشكل أفضل؟ كيف يمكنني أن أكون أكثر شمولية؟ هل يجب أن أعمل بشكل مختلف؟
"كارتييه" تقوم بهذه المبادرة بصدق وأصالة، لأننا نريد أن نعطي ونساعد ونفعل الخير، بدعم من رئيس الشركة "سيريل فينيرون" الذي يهتم كثيرا بتمكين النساء. لكنني أتمنّى لو أن كل شركة تقدم مبادرة مماثلة للنساء أو للاستدامة البيئية أو قضية مهمة أخرى، فذلك قادر على تغيير العالم للأفضل، بل أكثر من ذلك إنني أرى أن ذلك يجب أن يكون إلزاميا، ولا أقصد أن تكون مساهمة كل شركة بالحجم نفسه أو على صعيد دولي، بل يمكن أن تكون محلية حتى.
ليس هناك من خيار آخر أمامنا، إنها رسالتنا وواجبنا، إذ لم تعد هذه القضايا للحكومات فقط بل للجميع. ويجب أن نعالجها بطريقة واقعية وفعالة ومؤثرة، وأن نقيّم وقع هذه المبادرات لنتأكد من أننا نستثمر فيها بالشكل الصحيح.
مسيرتك المهنية ملهمة بالفعل. انتقلتِ من إدارة التسويق والاتصالات إلى الرئاسة التنفيذية لمنطقة الشرق الأوسط والهند وإفريقيا وتركيا. من أبرز المرشدين الذين ألهموك وأسهموا في تشكيل أسلوبك في القيادة؟
في الواقع، سأحتفل هذا الصيف بعشر سنوات من إدارتي التنفيذية لهذه المنطقة. لم أتوقع يوما أن أبقى في هذا المنصب كل هذا الوقت، لكنني بغاية السعادة حيث أنا، وسيفرحني أن أبقى هنا للعقد التالي. وأعتقد أن سر نجاحي هو حبّي لهذه المنطقة التي أشعر فيها أنني في وطني، وبين أهلي.
وعلى مدى 16 سنة مع "كارتييه"، حظيتُ بفرصة أن يكون "سيريل فينيرون" أول مرشد لي ضمن الشركة، فشجّعني ودفعني، وقال لي إنني عدوّة نفسي إن لم أكن طموحة بالشكل الكافي والصحيح وإن شككت في قدراتي. لا نصل إلى حيث نحن بالصدفة، بل لأننا نستحق. وشيئا فشيئا، تنمو ثقتنا بالنفس، خصوصا حين نجد من يؤمنون بنا، على غرار "سيريل" والمديرين الآخرين. ونريد طبعا أن نبذل قصارى جهدنا، حتى لا نخذلهم وكي نعبّر عن امتناننا لدعمهم وإيمانهم بنا ونثبت لهم أنهم كانوا على حق.
أما الشخص الآخر الذي أعتبره مرشدي ومهمّا للغاية في حياتي وقريبا جدا إلى قلبي، فهو الشيخة "لبنى" التي التقيت بها للمرة الأولى خلال "كارتييه بولو" قبل نحو عقد، وقد أدّت دورا محوريا في القرارات التي اتخّذتُها خلال السنوات العشر الأخيرة. هي إنسانة رائعة ومتواضعة ويسهل التواصل معها. تعرف أنني كلما واجهتُ مشكلة سأتّصل بها، وكلّي ثقة بأنني سأسمع منها ومن خبرتها ومن نضوجها النصيحة المثالية. أحيانا تشعر رائدة الأعمال في منصبها القيادي أنها معزولة في اتخاذ القرارات الكبرى، لذلك أشجّع كل امرأة على بناء شبكة علاقاتها واللجوء إلى أمثلة عليا ومرشدين.
وبالنسبة إلى أسلوبي في القيادة، أحب أن يرى فريقي أنني إنسان عادي، وأنني أم وزوجة، إلى جانب كوني رئيسة تنفيذية. أكافح من أجل إيجاد الوقت الكافي لأنفذ كل مهامّي، لكنني سعيدة بما أفعله، وسعيدة بأن عائلتي هي صخرتي وسندي. وذلك يُظهر للجميع أن الوصول إلى هذا المنصب ممكن طالما أننا نريده ونعمل لأجله بجهد. لا أريد أن أكون على كوكب آخر، وأحب أن أكون قريبة إلى الناس، فالتواضع برأيي مرتبط بالاحترام. بدون فريق عملي، لا يمكنني فعل شيء، وأريد أن يعرف كل أعضائه أنني أحترمهم وأقدّرهم، تماما كما أحترم وأقدّر كل إنسان في العالم. أحاول تمكين الآخرين قدر الإمكان، لأنني اختبرتُ دعم الآخر، وأدركتُ أننا حين نجد من يؤمن بنا ويدعمنا، نشعر بأننا متمكنات وقويات ونستطيع بفضل ذلك التفوّق على أنفسنا.
بصفتك أول امرأة تتولى قيادة منطقة الشرق الأوسط والهند وإفريقيا وتركيا في "كارتييه"، ما رؤيتك لمستقبل المرأة في القيادة ضمن قطاع المنتجات الفاخرة؟ وكيف تأملين التأثير في هذا المسار من خلال عملك؟
أتمنّى حقا أن نرى المزيد والمزيد من النساء في مواقع قيادية ضمن هذا القطاع. التغيير ممكن وسريع إن أردناه، وسأعطي عليه مثالا دار "كارتييه" التي قبل 15 عاما لم تكن لديها سوى امرأة واحدة في منصب قيادي لبلد معيّن بين 25 بلدا. أما اليوم، وبفضل رؤية "سيريل فينيرون" واندفاعه وإيمانه بالمواهب النسائية التي كنت واحدة منها، نجد أن نصف البلدان التي تتوزع فيها إدارة الشركة هي بقيادة نساء.وهي ليست مسألة نساء مقابل رجال، بل مسألة توازن. فحين نكون متكاملين بين النساء والرجال والجنسيات والأديان المختلفة، نصبح أقوى بفضل غنى وجهات نظرنا. هذا هو تماما ما تطبّقه "كارتييه"، وما ينعكس أيضا في فريق المنطقة التي أشرف عليها، من خلال التوازن المستدام الذي آمل أن يطال كل أماكن العمل في العالم.
أخيرا، إلى جانب بناء شبكة علاقاتها واللجوء إلى خبراء يرشــــدونـــهــــا ويـــدعمـــونــــها، ما هي نصــيــحــتــــك إلى المرأة في مسيرتها الريادية والمهنية؟
على المرأة أن تثق بنفسها، وألا ترغب في أن تكون مثالية. لا أحد كامل أو مثالي، والسعي إلى الكمال هو عدوّك أيضا، فإذا سعيت إليه في كل المجالات، ستفشلين؛ ولكن ذلك يختلف عن التفوّق الذي من الصحّي أن تعملي لأجله.