"IF" الصديق الخيالي ... فيلم أنيميشن الأطفال الذي يُخاطب الكبار!
الصديق الخيالي يبدو فكرة لطيفة على شاشة السينما فقط؛ هو الصديق الذي يختلقه خيال الطفل الصغير ويتواصل معه كما لو كان صديق حقيقي. في الواقع، التحدث إلى شخصية خيالية غير مرئية يُمكن أن يكون دلالة جنون و هذا ما واجهه السيد "الوود بي دود" في مسرحية "Harvey" (هارفي) تأليف "ماري تشيس"؛ فقد كان يتحدث أمام الجميع مع صديقه الخيالي وهو أرنب من فصيلة البوكا في حجم إنسان، ووجد نفسه في النهاية في مستشفي المجانين. المسرحية تحولت إلى فيلم شهير عُرض عام 1950، بطولة "جيمس ستيوارت". هذا الفيلم واحد من مرجعيات فيلم "IF" (صديق خيالي) تأليف وإخراج وتمثيل "جون كرازينسكي"، وظهرت لقطات من الفيلم في الخلفية على شاشة التليفزيون في بعض المشاهد.
من الطفولة إلى النضج!
هناك أعمال عدّة تناولت فكرة الصديق الخيالي وربما تتلمس الفكرة نوعًا ما مع حكاية اللُعبة التي يهجرها الصغار على أعتاب النضج وتسعى لاستعادة اهتمامهم في أفلام الأنيميشن "Toy Story" (قصة لُعبة)، ولكن التواصل مع الصديق الخيالي يختلف عن اللعبة الجامدة التي لا تتكلم أو تتحرك في وجود البشر.
رحلة البحث عن الصديق الخيالي لا تبدأ بسعي الفتاة الصغيرة بيا "كايلي فلمنج" العثور على صديقها الخيال؛ ففي مرحلة ما ينسى الطفل هذا الصديق؛ يفقد التواصل معه حينما يجذبه عالم الكبار ووقائع الحياة الجادة؛ وبيا تركت لهو الصغار وأوراق الرسم حينما مرضت أمها وأصبحت مُراهقة عبوسة تكتم داخلها غضب عميق، وتُحاول جدتها اللطيفة وولية أمرها مؤقتًا "فيونا شو" التواصل معها دون جدوى.
يتعامل فيلم "IF" (صديق خيالي) مع الألم والفقد والنمو في ظروف صعبة؛ بطلته طفلة تعبر إلى عالم الكبار بعد صدمة فقد الأم، وأثناء هذا العبور تجد نفسها أمام احتمالية فقد أخرى للأب الذي يتهيأ لجراحة قلب محفوفة بالخطر، تُحاول الاندماج مع جدتها اللطيفة التي لا تعرف عنها الكثير، لم تعد طفلة تلهو وترسم شخصيات من الخيال، ولم تصبح فتاة ناضجة يُمكنها مُواجهة عالم الكبار؛ هي في اشد الحاجة لصديق يدعمها ويُعينها على التعامل مع ميلودراما الحياة، وتقفز شخصيات خيالية من عالم الرسوم المتحركة إلى واقعها القلق المرتبك.
حدوته الفيلم كتبها مخرج الفيلم "جون كرازينسكي" تضم شخصيات خيالية كاريكاتورية مرحة، ورغم ذلك لا يُمكن إغفال لمسة الحزن الذي يتخلل الحبكة وتمنح الخيال لمسة شجن خاصة، ورغم أن أبطال الفيلم طفلة وشخصيات أنيميشن تصنع مواقف كوميدية إلا أن الفيلم يتوجه بمضمونه إلى الكبار في أوقات كثيرة.
الأحلام المفقودة!
الفيلم يحكي القصة بعيون طفلة صغيرة وفي مرحلة ما تُشفق على عشرات من الأصدقاء الخيالين المهجورين وتحاول أن تجد لكل منهم طفل جديد، ولكن إعادة تعيين صديق خيالي لطفل جديد تفشل غالبًا؛ فهذا الصديق صناعة خيال طفل محدد، وشخصيته مُتفردة ولها خصوصيتها؛ وهذا يعني أن مصير الصديق الخيالي مُعلق بأمل مستحيل وهو استعادة الصديق الذي أصبح ناضجًا فعلًا، إما هذا أو الاختفاء تمامًا وهو مُعادل الموت في عالم الأصدقاء الخياليين.
السؤال الذي يطرحه الفيلم في رحلة الصديق الخيالي لتذكير شخص ناضج بعلاقتهما وقت الطفولة هو: "لماذا يحتاج شخص ناضج لديه علاقات اجتماعية حقيقية صديق خيالي غريب الملامح؟ يحاول السيناريو الإجابة عن هذا السؤال بواسطة العودة لأحلام وطموحات الطفولة، وحقيقة أن الصديق الخيالي هو أكثر من يعرف مخاوف وأحلام الصغار، وأغلبها يبقى داخل الكبار، مطمورًا أسفل طبقات الذكريات وتفاصيل الحياة المُعقدة.
في أحد مشاهد الفيلم نُتابع مُوظف مُتوتر قبل مُقابلة عمل؛ هو في منتصف العمر وعليه البَدْء من جديد، وفي نفس الوقت يفتقد الثقة في النفس حتى تحين لحظة لقاء نادرة مع صديق طفولته الخيالي بلو الذي يؤدي صوته "ستيف كاريل"، يتذكره وتعود إليه ثقته في نفسه.
الفيلم بالتأكيد يمنح الصديق الخيالي قيمة أكبر من المُتوقع؛ فهو ليس مُجرد رفيق للثرثرة الطفولية، بل داعم نفسي في أوقات الاضطراب والقلق.
شخصيات تبحث عن قصة!
شارك في الأداء الصوتي للفيلم عدد كبير من النجوم، أبرزهم في الأدوار الرئيسية "ستيف كاريل" و"فيبي وولر بريدج" و"لويس جوسيت"، بالإضافة إلى "إيميلي بلانت" و"جورج كلوني" و"مات ديمون" و"برادلي كوبر" و"سام روكويل" و"ايمي شومر" و"جون ستيوارت" في أدوار شرفية صغيرة، وتذكر تترات النهاية اسم "براد بيت" مُشاركًا في أداء شخصية الصديق الخيالي كيث، والمشاركة دُعابة ساخرة سيعرفها من يُشاهد الفيلم.
الفيلم جمع بين الرسوم المُتحركة ثلاثية الأبعاد الابداعية اللطيفة والتمثيل الواقعي، وهو مزج مُمتع بصريًا إلى حد بعيد، ورغم ذلك افتقر السيناريو إلى الحبكة القوية، ولم تتصاعد الأحداث بشكل جذاب إلا في الثلث الأخير من الفيلم، وأغلب الأحداث - مُتضمنة مشهد نهاية الفيلم - مُتوقعة إلى حد بعيد.
شخصية كال "ريان رينولدز" الساخرة تبدو فاترة في أغلب الأوقات وتفتقد السحر المُفترض في بطل العمل الذي يحمل عبء إعادة تعيين الأصدقاء الخياليين المهجورين مع أطفال جدد، وهذا الفتور يُصيب شخصيات الأصدقاء الخياليين؛ بعد المشهد المثير للظهور الأول لشخصية بلو في منزل الطفل الجديد تفقد الشخصية ألقها في باقي القصة، وأغلب تلك الشخصيات لا نراها وهى تتواصل مع الأطفال - باستثناء مشاهد قليلة للغاية - وأغلب الفيلم نراها في حالة بطالة تبحث عن طفل جديد قبل أن تتبخر وتختفي، لا تظهر في الفيلم معالم الصداقة وكأنها أمر مفروغ منه دون تفاصيل.
العمل عمومًا جذاب ولطيف وقد يكون حزينًا بشكل مُحبط لبعض الأطفال على عكس الكبار؛ فالسيناريو يداعب مرحلة الطفولة المهجورة داخل شخصياتهم الناضجة على الرغْم من نية "كرازينسكي" المُعلنة أن الفيلم موجه بالأساس للصغار.
الصور من حساب الفيلم الرسمي على تويتر وانستجرام.