فساتين زفاف تروي قصص عشق وتاريخ من وحي الحضارات القديمة
لا يتقيّد صنّاع الموضة بفكرة واحدة أو ثيم يتيم في مسيرتهم المهنية؛ بل غالباً ما تجسّد مجموعاتهم مفهوماً خاصاً وجديداً لدى أيّ استحقاق جديد في عالم الأزياء. فقد يستوحي هؤلاء إطلالاتهم من عناصر الكون، أو الطبيعة الأم، أو الأحداث الجارية والمتغيّرة، أو قد تكون التكنولوجيا مصدر إلهام في مواكبة للتطوّر الحاصل.
بالمقابل، يعمد البعض إلى السفر برحلة عبر الزمن من خلال استحضار إرث حضارات قديمة قد تكون منسية لتراكم الأزمنة، حيث يتم تجسيد ثقافات الشعوب القديمة من خلال زخرفات وتطريزات تعيد الماضي وتجدّده بقالب عصري. من بين المصممين الذين استوحوا تصاميمهم من حضارات وثقاقات قديمة، اخترنا ثلاثة مصممين لبنانيين، أطلقوا فساتين زفاف تجسّد العصور الغابرة بأنماط حديثة. فما هي التصاميم الاستثنائية التي أحضرها عمالقة الموضة زهير مراد وسعيد قبيسي ورامي قاضي إلى طاولة الموضة والتي أتت مستوحاة من الحضارات القديمة؟
فساتين زفاف زهير مراد لربيع 2025: تصاميم تجسّد عمق القصة والتاريخ
خلال عروض زهير مراد لإطلالات زفاف ربيع 2025، أخذنا المصمم اللبناني العالمي إلى رحلة في عمق التاريخ، ما جعلنا نغوض في عمق قصص عتيقة محكية عبر إطلالات زفاف سطّرت حروفاً من ذهب وصقلت روح الزفاف بحب وفخامة.
في عودة إلى الحضارة الفينيقية، جسّدت مجموعة فساتين زفاف مراد الروح الخالدة للثقاقات القديمة، وحملت نفحات روح المتوسط وأمواجه المتلألئة. فأطلّت عروس ربيع 2025 مشرقة ورقيقة من الماضي الرومانسي، ومتناغمة مع البساتين وكروم العنب، لتنشر رائحة الربيع وتروي قصة عشقها في إرث عريق.
وبعد أن رافقتنا تصاميم فساتين زفاف زهير مراد لربيع 2024 في رحلة إلى السبعينات وأجوائها الحالمة، وبعد أن سافرنا إلى عاصمة الفن العمراني، حيث كانت إيطاليا وجهتنا برومانسيتها الرومانية اللاتينية وتفاصيلها الفنية الخيالية المأخوذة من حدائق فلورنسا، رافقتنا عروس 2025 من قلب لبنان، موطن الفينيقية، بصور ظليّة فاتنة وتفاصيل حالمة كي تحتفي بجوهر الرومانسية، وتنقلنا إلى عالم من الخيال، تنسج من خلاله الأناقة العصرية بتناغم مع لمسات مغرية بتفاصيل آسرة.
وكما أسس الفينيقيون لتبادل ثقافي في مهد الحضارات القديمة، كاليونان ومصر وبلاد ما بين النهرين، ظهرت فساتين زفاف زهير مراد متشابكة من خلال الأقمشة المتداخلة بانسيابية في ما بينها والتصاميم المعقدة والبسيطة في الوقت نفسه، لتترك انطباعاً ساحراً يدير الرؤوس. فتراقصت الحروف المطرّزة على قوام العروس، ورسمت خيوطاً رفيعة على الأقمشة التي احتضنتها الزخارف في رباط رومانسي ينسج قصة الحب الأبدية.
وتناغمت طبعات الأغضان مع الدانتيل الأنيق، والتفّت حول الفساتين الضيقة والضخمة في آن؛ بينما تدفقت الطرحات الشرقية على التنانيرالـ over skirt القابلة للفصل بمزيج ساحر. وحضرت الفيونكات الكبيرة حول الخصر، والتي أتت مشغولة بقماش الساتان، لتتوّج الطلّة خطوط العنق العالية في حضرة الأناقة للإرث الفينيقي.
كما حضرت الزهور الثلاثية الأبعاد بقوّة في فساتين الزفاف الربيعية، لتبشّر بإطلالة الموسم الديناميكية والحيوية. فاحتضنت الإطلالات ورود ثلاثية الأبعاد امتزجت مع طبعات الأغضان في لوحات ساحرة. وغزت التطريزات العروس من الطرحة حتى الأكمام وأعلى الفستان وأسفله، لتطلّ عروس العام المقبل نابضة بالسحر والحياة.
المصمم سعيد قبيسي يستوحي مجموعته الأخيرة من إرث الحضارة المينوسية
في تصوّر فنيّ لافت، اختزل المصمم اللبناني العالمي سعيد قبيسي الوقت وقرّب المسافات بين الحضارات المشرقية، ليجسّدها في مجموعة من تصاميم الهوت كوتور لموسم خريف وشتاء 2024-2025 . أتت المجموعة مستوحاة من إرث الحضارة المينوسية التي ظهرت قبل 2500 عام قبل الميلاد، واتخذت امتدادها الجغرافي في منطقة جزر شرق المتوسط، حيث اكتسبت سمعتها الفنية من التأثير الثقافي المتبادل مع مدن المتوسط. جمعت تلك الحضارة العريقة الشرق والغرب برؤيتين للفخامة والسلاسة، وهذا ما عكسته تصاميم قبيسي التي تميّزت جميعها بالأناقة والانطباعات العصرية.
حملت قصات قبيسي لشتاء 2025 ميزتين أساسيتين، أولّهما الفخامة التي تعبّر عن إرث حضاري تميّز بالاناقة والهيبة، وثانيهما الإنسيابية التي أضفت الرؤية العصرية. وأتاحت المجموعة القدرة على الحركة من غير أن تخسر التصاميم جاذبيتها والتي تكرّست في الفتحات على الصدر والظهر والكتفين، ومنحت السيدة إطلالة استثنائية.
ورغم الانطباع الامبراطوري الذي خلّفته التصاميم، فقد ظهرت المجموعة بأنماط عصرية في تقنيات مبتكرة اعتمدها المصمم سعيد قبيسي، مثل طبقات الأورجنزا الثلاثية الأبعاد، والظلال الضخمة. فيما ساعد التطريز بتشكيل هوية خاصة للتصاميم، ساهمت بالتلاقي بين الماضي والمستقبل، وبين التقاليد والحداثة.
واختتم قبيسي المجموعة بفستان زفاف، أتى بمثابة تكريم لإرث الحب والاحتفال الدائم والفرح الذي يتجاوز الزمن، مجسّداً الفخامة والأناقة بنفس الوقت، من خلال تصميم مبتكر، وتفاصيل مشغولة بدّقة.
رامي قاضي يحتفل بالحب والجمال والخلود بإلهام من العلا السعودية
من فساتين تشّع بالضوء في العتمة عام 2015 في مجموعة Glow inthe Dark إلى "Les Miroirs" 2024، انطلقت فساتين المصمم اللبناني العالمي رامي قاضي في خطوة سبّاقة خلال فبراير الماضي من السعودية.
من العلا، المنطقة الشاهدة على العصور، التي تعجّ بالثراء التاريخي والجاذبية الغامضة، استوحى قاضي مجموعة ربيع وصيف 2024؛ ومن المبنى المسرحي في العلا، مرايا، اختار اسم مجموعته، حيث ألهمته المناظر الطبيعية المحيطة، كما قال في حديث خاص مع "هي"، واصفاً من خلاله المجموعة: "انعكست آفاق العلا اللامتناهية وسرابها السحري وواحتها الخضراء الشاسعة في المجموعة البالغ عددها 32 قطعة، وعكس كلّ منها مزيجًا سلسًا من الأناقة الطبيعية والعمق التاريخي الذي يميّز المنطقة".
وكان لعروس ربيع وصيف 2024 حصّة الأسد لناحية الفخامة، حيث أرادها رامي قاضي أن تكون صاحبة الجمال المستدام، كما هي "العلا"، محتفلاً بذلك بالحب والجمال والخلود في آن معاً.
وتضمنت مجموعة رامي قاضي لربيع - صيف 2024 "Les Miroirs" فستانيّ زفاف، يمثلان الإحتفال بالحب والجمال، أتيا مستوحيان من سحر العلا الخالد. وزُيّن الفستان الأول بزخارف متداخلة مستوحاة من العلا، مع الأوراق المتناثرة والمحاكة بدقة على القماش، التي ترمز إلى واحات المنطقة الخصبة، مع طرحة من التول مطعمة بحبات الكريستال. أمّا الفستان الثاني، فزُيّن بالأزهار المستوحاة من نباتات الصحراء في العلا، وتضمن طبعات ناعمة امتدت بأناقة على كامل الفستان، بالإضافة إلى أكسسوار شعر مطرّز أيضًا بتلك الزهور.
وأراد قاضي لكل فستان زفاف من مجموعته أن يكون بمثابة عهد للرومانسية والأناقة الخالدة، لافتاً إلى كونه أول مصمم أزياء عربي يتعاون مع "لحظات العلا": "لقد كان لي الشرف الكبير كوني أول مصمم أزياء عربي تسنح له فرصة التعاون مع لحظات العلا، لعرض آخر مجموعة كوتور صممتها لربيع- صيف 2024 "Les Miroirs". فقد جاءت العلا كخيار طبيعي استوحيت منه، بفضل جمال المنطقة الفريد من نوعه وتراثها الثقافي الغني".
وعن اختياره العلا كمصدر إلهام، قال: " إنّ اختياري لهذه المنطقة كمصدر إلهام، كان نابعًا من رغبتي في تقدير مناظرها الخلابة وأهميتها التاريخية". وتابع، "خلال تواجدي هناك، توغّلت في سحر المناظر الطبيعية في وادي عشار الذي استمديت الإلهام منه؛ وقمت بترجمة النقوش القديمة وفن الصخور الموجودة في جميع أنحاء المنطقة من خلال تطريزها على تصاميمي، مصوّرًا الأنماط الأنثروبولوجية التي تعرّف عن تراث العلا التاريخي".
ووصف قاضي التجربة كنقطة تحوّل "أتاحت لي إدخال روح المنطقة في كل تفصيل من تفاصيل المجموعة، من اللحظة التي بدأت فيها بالتصميم إلى مرحلة التصوير".
وبحسب رامي قاضي، أتى التناغم بين معالم العلا وفساتينه مستلهماً من ذات الطبيعة. "فقد سعيت للحفاظ على جوهر جمال المنطقة الطبيعي وعمقها الثقافي ضمن كل فستان، حيث أدخلت إلى المجموعة عناصر مستوحاة من مناظر العلا الطبيعية وفنها المعماري وزخارفها التاريخية. من الترتر اللامع الذي يمثل الأسطح الانعكاسية لـلمرايا، إلى الزخارف بأشكال الزهور التي تذكرنا بنباتات صحراء العلا، أضفت كل تفصيل بدقة متناهية لنقل روح هذه الوجهة الساحرة".