في عالم المجوهرات سعي حثيث نحو مزيد من الاستدامة

حملت المجوهرات منذ القدم معاني ورموزا كثيرة. رمزت إلى الحب والحالة الاجتماعية، وكانت وسيلة للتعبير عن الذات، إلا أن وراء ألقها وجمالها صناعة تترك بصمة بيئية عميقة، وتؤثر بشكل ملحوظ في المجتمعات والبلدان المنتجة لها. وبات المستهلك اليوم يهتم باختيار المنتجات المستدامة، أي تلك الأكثر رفقا بالبيئة والمصنوعة بنهج مسؤول، بما فيها المجوهرات.

مبادرات الاستدامة

توحّدت صناعة المجوهرات لإنشاء عدد من المؤسسات والهيئات العالمية لحماية حقوق العاملين في مناجم الذهب والأحجار الكريمة، وتعزيز المصادر المسؤولة، واتباع بعض الأساليب التي تهدف إلى الاستدامة.

إحدى المبادرات المحورية الرائدة في هذا المجال "مجلس المجوهرات المسؤولة" RJC الذي يلعب دورا حاسما في تعزيز الممارسات المسؤولة والمعايير الأخلاقية في صناعة المجوهرات والساعات. يقدم المجلس مجموعة عالية من المعايير العالمية توفر ضمانا واضحا ومستقلا، وتغطي قواعده سلسلة توريد المجوهرات الكاملة من المنجم حتى البيع بالتجزئة، مع تدقيق مستقل من طرف ثالث لأعمال أي عضو من أعضائه.

كما تسهم منصة "مجتمع الأحجار الكريمة والمجوهرات"، وهي مبادرة أسستها "مجموعة عمل الأحجار الكريمة الملونة" CGWG، بشكل كبير في جهود الاستدامة. وتوفر المنصة أدوات وموارد مجانية للعاملين في هذا المجال لتمكنهم من تبني ممارسات أكثر مسؤولية، وخاصة فيما يعني الإمداد بالأحجار الكريمة الملونة المسؤولة المصدر.

أما في عالم الماس، فإن نظام "عملية كيمبرلي" لإصدار شهادات المنشأ يمثل مبادرة مهمة أخرى تهدف إلى تعزيز الممارسات الأخلاقية في صناعة الماس. "عملية كيمبرلي"، التي أُسست عام 2003، تسعى إلى الحد من تجارة الماس الممول للصراعات الذي يعرف بلقب "الماس الدموي". ومن خلال تنفيذ متطلبات صارمة لإصدار الشهادات وآليات التتبع، تساعد هذه العملية على ضمان الحصول على الماس بشكل أخلاقي، وتجنيب المستهلك المساهمة بطريقة غير مباشرة في انتهاكات حقوق الإنسان أو الأعمال الدموية التي ترافق أحيانا عمليات استخراج الماس.

يعرّف "مجلس المجوهرات المسؤولة" المعادن الثمينة التي يجري تعدينها بمسؤولية على أنها خالية من النزاعات بحد أدنى، ويتم إنتاجها بمسؤولية في كل خطوة من خطوات الإمداد. وهذا يعني أن المعايير المناسبة تنطبق على حقوق الإنسان، ومعايير العمل والأثر البيئي وأخلاقيات العمل على النحو المنصوص عليه في مدونة قواعد الممارسات في "مجلس المجوهرات المسؤولة". ويتوفر للمستهلك الذي يسعى لشراء ذهب مستعدن بأسلوب أخلاقي مُراعٍ لمبادئ الاستدامة خيارات مختلفة، أبرزها شهادة ذهب "التجارة العادلة" FAIRTRADE وذهب "التعدين العادل" FAIRMINED التي تمنح الأولوية للأجور العادلة وظروف العمل الآمنة لعمال المناجم، فضلا عن الاهتمام بتقليل الأثر البيئي. فيما تنص شهادة "التعدين العادل البيئي" ECOLOGICAL FAIRMINED على شروط أكثر صرامة للابتعاد عن استخدام المواد الكيميائية في عملية الاستخلاص لتخفيض النفايات المضرة بالبيئة، علما بأن الذهب المصدق بهذه الشهادات قد يزيد ثمنه على غيره، لما يتطلبه من مراقبة ومتابعة. وقد أُسست عام 2019 مبادرة "الذهب من منجم واحد" SINGLE MINE ORIGIN أو SMO، لتقدم معيارا جديدا للذهب الآتي من مصادر مسؤولة، وتسمح بتتبع سلسلة الإمداد من المنجم وصولا إلى قطعة المجوهرات التي يدخل في تركيبها. ويتميز الذهب المصادق بشهادة SMO بأنه مستعدن من مناجم تعمل بأعلى معايير المسؤولية، وأنه يأتي بتكلفة معقولة، فيضاهي سعره سعر الذهب العادي. وعند الحديث عن الاستدامة في المعادن الثمينة، فلا بد من ذكر الذهب المعاد تدويره، والذي يتم الحصول عليه من مصادر توفر شفافية تامة في سلسلة الإمداد، وتقلص الاعتماد على ممارسات التعدين الضارة بالبيئة.

كيف تشترين مجوهرات أكثر استدامة؟

شراء المجوهرات المستدامة يترتب عليه أولا اتخاذ قرارات واعية تتماشى مع قيم الحفاظ على البيئة ومراعاة حقوق العاملين في هذا الحقل والمسؤوليات المجتمعية. كثير من دور المجوهرات تنشر على مواقعها الرقمية معلومات عن سياستها نحو الاستدامة، وبزيارة سريعة للموقع يمكن الاستقصاء والتأكد مما إذا كانت تلتزم بالمعايير التي أشرنا إليها. توجهي للعلامات التجارية التي توفر إمكانية تتبع سلسلة الإمداد، وتلك التي تحمل شهادات مثل شهادة "التجارة العادلة"، و"التعدين العادل"، وشهادة "عملية كيمبرلي" للماس. واحرصي على أن تكون المجوهرات من علامة مصدّقة من "مجلس المجوهرات المسؤولة". كما ننصحك باختيار المجوهرات المصوغة من الذهب الأخلاقي أو الذهب المعاد تدويره، فالأخير يعد خيارا مستداما يقلل من الحاجة إلى عمليات تعدين جديدة. واستثمري في قطع المجوهرات المتقنة الصنع والمصممة لتدوم وتوّرث للأجيال القادمة. قد تكون كلفة المجوهرات المستدامة أغلى عند شرائها، غير أنها على المدى البعيد أقل كلفة عن سواها. 

الرحلة نحو المجوهرات المستدامة هي رحلة تتطلب الوعي والبحث والالتزام بالاستهلاك الأخلاقي. ومن خلال الاهتمام بشراء مصاغ يمكن تتبع سلسلة إمداده، ومن علامات تجارية تعمل على أسس ممارسات مستدامة، فإنك لا تتزينين بحلي ثمينة فقط، ولكنك أيضا تسهمين في الحصول على عالم أكثر مسؤولية، وأكثر رفقا بالبيئة. فلتكن زينتك رمزا لالتزامك بالاستدامة والحياة الواعية.

الدور العالمية والاستدامة

التزمت دار "تيفاني أند كو" TIFFANY & CO من خلال "برنامج تيفاني للاستدامة" باستخدام نسبة كبيرة من المعادن الثمينة المعاد تدويرها في إنتاج مجوهراتها. كما أنشأت مبادرة "مصدر الماس" لتزويد عملائها بالشفافية الكاملة، وإمكانية تتبع كل ماسة ترصع إنتاجها، من المنجم وصولا إلى قطعة المجوهرات. كما تعهدت الدار باستخدام الذهب والبلاتين من مصادر أخلاقية فقط في مجوهراتها، وهو ما يضمن الحصول على مصادر مسؤولة وممارسات عمل أخلاقية.

انطلقت دار "شوبارد" CHOPARD في "رحلة نحو الترف المستدام" عام 2013، مع التركيز على سلاسل التوريد المسؤول والممارسات الأخلاقية والإشراف البيئي. تستخدم الدار الذهب الأخلاقي بنسبة مئة في المئة في إبداعاتها من المجوهرات والساعات والمعتمدة وفقا لمعايير "التجارة العادلة" و"التعدين العادل"، وهو ما يضمن أجورا عادلة وظروف عمل آمنة وحماية للبيئة. كما التزمت الدار باستخدام معدن "لوسنت ستيل" لإنتاج جميع ساعاتها الفولاذية بنهاية العام الماضي، بهدف تضمين 80 في المئة من الفولاذ المعاد تدويره.

كانت دار "كارتييه" CARTIER أحد الأعضاء المؤسسين لـ"مجلس المجوهرات المسؤولة"، وأطلقت "مبادرة الساعات والمجوهرات 2030" لتوحيد العاملين في صناعة الساعات والمجوهرات في الالتزام بأهداف الاستدامة الطموحة. وتبنت الدار سياسة مسؤولية مؤسسية اجتماعية تضفي طابعا رسميا على التزاماتها كصائغ مسؤول. وتشمل بنودا تؤكد أخلاقيات العمل والأداء الاجتماعي والبيئي.

تعمل دار "بولغري" BVLGARI على تعزيز المسؤولية البيئية والاجتماعية عبر سلسلة الإمداد الخاصة بها، وقد حددت أهدافا لتقليص بصمتها البيئية. وهي حريصة على التحسين المستمر للظروف البيئية، وتكشف عن أدائها البيئي سنويا من خلال تقرير "المسؤولية الاجتماعية والبيئية" الخاص بمجموعة "إل في إم إتش".

يوجه شعار دار "بوشرون" BOUCHERON للاستدامة "ثمين للمستقبل" PRECIOUS FOR THE FUTURE أعمالها في ثلاثة مجالات رئيسية هي: المواد الخام، والعمليات، والأفراد. وقد حددت الدار أهدافا لتتبع المواد الخام الرئيسية بنسبة مئة في المئة ولتخفيض بصمتها البيئية بنسبة 40 في المئة بحلول العام المقبل.

تحمل مجوهرات دار "لويس فويتون" LOUIS VUITTON شهادة "مجلس المجوهرات المسؤولة"، وهو ما يؤكد التزامها بالمعايير الأخلاقية والاجتماعية والبيئية. أطلقت هذا العام شهادة LV DIAMONDS الرقمية، التي ترافق كل حجرة ماس أساسية في قطعها، وتوفر معها تفاصيل الماسة، وتتبع رحلتها من المنجم إلى ترصيعها في القطعة. ومن خلال تقنية "سلسلة الكتل" BLOCKCHAIN للأمان، تضمن هذه الشهادة الأصالة، وتعزز الشفافية في ممارسات الإمداد، وتضع معايير جديدة في قطاع المجوهرات الفاخرة.

تلتزم دار "بوميلاتو" POMELLATO بمصادر الذهب المستدامة، وتستخدم الذهب المعاد تدويره في مجموعات مجوهراتها. حصلت الدار على شهادة "مجلس المجوهرات المسؤولة" لممارسات الإمداد، وتضمن استخراج الذهب ومعالجته بطريقة أخلاقية.

مثّلت مجموعة ETERNAL GOLD التي أطلقتها دار "برادا" PRADA عام 2022 قفزة جريئة نحو الاستدامة في عالم المجوهرات الراقية. باستخدام الذهب المعاد تدويره والمعتمد بالكامل في المجموعة، تعيد الدار تعريف الفخامة مع الالتزام بالممارسات المسؤولة بيئيا. ويشمل هذا النهج المستدام كل جانب من جوانب الإنتاج، بداية بالحد من التعدين إلى المصادر الأخلاقية للماس. وهي تستخدم تقنية "سلسلة الكتل" BLOCKCHAIN للأمان لتعزيز الشفافية في ممارسات الإمداد.