أعراض وأسباب اضطرابات النوم عند الشباب
ليس غريبًا أن يُجافي النوم بعضنا بين الحين والآخر؛ فهناك أسبابٌ عدة قد تقف وراء ذلك، منها كثرة السهر وتناول الطعام قبل وقتٍ قليل من موعد النوم. ولا ننسى بالتأكيد الآلام والأوجاع الناجمة عن الأمراض المزمنة التي يعانيها البعض، أو الألم الناجم عن حادث أو بعد الخضوع لعملية جراحية.
وهذه كلها مُسبَبات مشروعة لقلة النوم في حال كانت لفترةٍ قصيرة، وعند المرضى وكبار السن بشكلٍ شائع. لكن ما يُقلق خبراء الصحة في الآونة الأخيرة، هو تعرَض فئة الشباب لاضطرابات النوم (وهذه الاضطرابات تشمل النوم المتقطع وتستمر لأيام متتالية أحيانًا)؛ ما قد يؤدي إلى تداعياتٍ خطيرة على صحة هذه الفئة، التي عادةً ما تنعم بنومٍ هانئ وليالٍ طويلة من النوم الجيد دون مُنغصات.
فما هي أسباب اضطرابات النوم عند الشباب، وما أعراضها ومخاطرها على الصحة؟ وكيف يمكن علاج هذه الاضطرابات؟ تحدث موقع "الإمارات اليوم" مع عددٍ من الأطباء المختصين في شؤون الصحة النفسية والجسدية، فكانت لهم الآراء الآتية..
اضطرابات النوم: أحد أكثر مشاكل الناس
يسعى كل فردٍ منا لتحسين جودة ورفاه حياته بطرقٍ مختلفة؛ لكن وجود بعض المعوقات، ومنها قلة النوم، قد تتسبب باضطرابٍ في هذه الجودة. حيث تُظهر إحصاءاتٌ عالمية إصابة نحو ثلث سكان العالم بواحد أو أكثر من اضطرابات النوم، أسبابها الأساسية تعود للحالة النفسية السلبية التي يعيشها معظم الناس والخوف من المستقبل في خضم النزاعات والحروب والضغوط الحياتية التي لا تنتهي.
هذه الاضطرابات، وفي حال استمرارها لوقتٍ طويل، يمكن أن تكون لها تداعياتٌ جسدية ونفسية خطيرة يحذر منها خبراء الصحتين العضوية والنفسية على حد سواء. مؤكدين على ضرورة استشارة الطبيب المختص، لفحص وتبيان الأسباب ووضع الخطط العلاجية المناسبة لها.
أسباب اضطرابات النوم عند الشباب
للوقوف أكثر على مُسبَبات اضطراب النوم الحاد عند الشباب، لا بدَ أولًا من تحرَي أشكال هذا الاضطراب؛ وهو ما عبَر عنه الدكتور عادل أحمد كراني، استشاري الطب النفسي في حديثه لموقع "الإمارات اليوم" مشيرًا إلى أن اضطرابات النوم تتخذ شكلين أساسيين:
- الشكل الأول: النوم بصعوبة، أو بصورةٍ متقطعة، أو عدم القدرة على النوم المتواصل لمدةٍ كافية.
- الشكل الثاني: هو فقدان القدرة على النوم لفترة قد تصل إلى أيام متتالية.
لافتًا إلى تزايد هذين الشكلين عند الشباب بصورةٍ خاصة، بالإضافة إلى الفئات العمرية الأخرى، خلال السنوات الماضية. وهو ما يُشكَل تحدياتٍ صحية ونفسية كبيرة على الجميع.
بالنسبة لهذه الإضطرابات، أكدَ الدكتور كراني أن نمط الحياة الفوضوي وغير المنظم الذي يتبَعه معظم الشباب، وعدم تنظيم الوقت، والقلق والتفكير الزائد؛ كلها أمورٌ قد تتسبب لهم بقلة النوم لفتراتٍ طويلة. مضيفًا أن اضطرابات النوم كثيرًا ما تُصيب الأفراد الذين "يفكرون بطريقةٍ سلبية"، ويزيد الاكتئاب والحزن الشديد من هذه الاضطرابات ويُفاقمها على المدى الطويل، في حال لم يلجأ الشخص الذي يعاني من اضطراب النوم للعلاج النفسي المناسب.
وعند سؤاله عن تلك التداعيات، قال الدكتور كراني أن اضطرابات النوم المستمرة أو المتكررة يمكن أن تتسبب بأمراضٍ عدة مثل الفصام (الأوهام والضلالات)؛ وهو ما يؤكد الحاجة الملحة لزيارة الطبيب المختص وأخذ الأدوية التي تساعد في تخليصه من هذه المشكلة.
اضطراب هرمونات النوم والاستيقاظ عند الشباب
كذلك أشار استشاري الطب النفسي الدكتور كراني إلى أن الجسم يقوم عادةً وقبل النوم، بإفراز هرمون "الميلانوتين" الذي يُساعد المرء على النوم الجيد. لكن كثيرًا ما يتأثر هذا الهرمون بما يحصل في محيطه من أصواتٍ وأضواء، خصوصًا مع لجوء الكثيرين لاستخدام الهواتف النقالة والحواسيب ذات اللون الأزرق ليلًا، ما يتسبب بخللٍ كبير في إفراز هذا الهرمون وعمله بشكلٍ جيد.
كما أن الجسم يفرز هرمون "الكورتيزون" في الصباح لمساعدتنا على الاستيقاظ ومزاولة أعمالنا كالمعتاد؛ لكن كثيرًا من الأعمال والنشاطات الخاصة بالإنسان يتم إنجازهاخلال الليل هذه الأيام، يقول الدكتور كراني؛ وهو ما يدفعبالشباب والمراهقين للسهر ساعاتٍ طويلة خلالالليل، والنوم في موعد الاستيقاظ، أو خلال ساعات النهار. مضيفًا أن هذا النوع من النوم لا يُشبع الجسم، بل وقد يُسبَب عسر الهضم وتعكير المزاج.
هذه الدورة اللامتناهية من قلة النوم واضطراباتها على الصحة الجسدية والنفسية، قد تدفع بالبعض للجوء إلى الحبوب المنومة، وبعضها دون وصفةٍ طبية. لكن التوجه نحو هذا الحل، بحسب الدكتور كراني، قد يُفاقم المشكلة ويؤدي بهؤلاء إلى مشكلة الإدمان. ناصحًا الأشخاص الذي يعانون من اضطرابات النوم، بالرجوع للطبيب النفسي، لتشخيص المشكلة والحصول على العلاج المناسب، بغية التخلص من القلق أو الاكتئاب، خاصةً في حال أثَر فقدان على النوم الجيد سلبًا على صحتهم.
نمط الحياة السريع والتكنولوجيا: أسبابٌ أخرى وراء اضطرابات لنوم
اتفق الدكتور محمد حسن فرج الله، استشاري الطب النفسي، مع الدكتور كراني، حول وقوف نمط الحياة السريع والتكنولوجيا وراء اضطرابات النوم. وقال أن ضغوط العمل والتغير السريع واللامتناهي في نمط الحياة، فضلًا عن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا والابتعاد عن روتين الحياة اليومي التقليدي، كلها أمورٌ أدت إلى زيادة اضطرابات النوم لتصبح تحديًا كبيرًا يؤثر في جودة الحياة.
ودعا الدكتور فرج الله لضرورة فهم أسباب هذه الاضطرات وتأثيراتها على صحتنا، والبحث عن العلاجات الأفضل والأحدث للتخلص منها. محددًا 4 أسباب رئيسية وراء اضطرابات النوم:
- العامل النفسي: الذي يزيد في بيئة العمل المزدحمة، كما هو الحال في معظم دول الخليج؛ حيث يلعب التوتر والقلق والأعباء المهنية دورًا كبيرًا في حدوث الاضطرابات، إضافةً إلى الأعباء المهنية والمسؤوليات الأسرية التي قد تؤدي إلى حدوث قلقٍ مستمر يمنع النوم الجيد.
- العامل الفسيولوجي: أو العامل الجسدي المتمثل في مشاكل صحية مثل انقطاع التنفس أثناء النوم؛ وهي مشكلةٌ شائعة ضمن المجتمعات التي يعاني أفرادها من السُمنة. ولا ننسى بالطبع التغيرات الهرمونية التي تتعرض لها النساء في مرحلتي الحمل وانقطاع الطمث، والتي تقف وراء اضطرابات النوم.
- العامل الخارجي: ويتمثل ببعض المؤثرات الخارجية، مثل الضوضاء والإضاءة القوية، أو ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف؛ كما أن السفر المتكرر عبر مناطق زمنية مختلفة يُربك الساعة البيولوجية للجسم ويتسبب باضطراب النوم.
- العامل الحياتي: وهو من الممارسات الغذائية والحياتية التي يقوم بها البعض، كالإكثار من شرب الكافيين في وقتٍ متأخر من اليوم؛ تناول وجباتٍ دسمةوثقيلة في المساء؛ ممارسة الرياضة المُكثفة قبل النوم؛واستخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم هي من العوامل التي تؤثر سلبًا في جودة النوم.
هذه الاضطرابات وعلى المدى الطويل، قد تتسبب بخلل في الأداء الجسدي والعقلي؛ بحسب الدكتور فرج الله، وتتسبب بضعف التركيز والأداء في العمل. ليس ذلك فحسب، بل أن اضطراب النوم المستمر قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وضعف الجهاز المناعي، وزيادة احتمالية الإصابة بأمراضٍ مثل السُمنة والسكري.
العلاج بالضوء: أحدث علاجات اضطرابات النوم
لفت الدكتور فرج الله إلى أهمية علاج اضطرابات النوم؛ ومنها العلاج بالضوء الذي توصل إليه الطب النفسي؛ ويُستخدم هذا العلاج لاستعادة تنظيم الساعة البيولوجية للجسم عند الفئات التي تعمل بنظام المناوبات أو تسافر بصورةٍ متكررة. كما تطرق إلى علاج آخر باستخدام تقنية الاسترخاء مثل التأمل واليوغا، والتي يمكن أن تساعد في تهدئة العقل والجسم قبل النوم، مشيرًا إلى تزايد شعبية هذهالتقنيات في الإمارات، فضلًا عن العلاج الدوائي الذي يُستخدم عند الضرورة وبإشرافٍ طبي.
لوصفةٍ وقائية من اضطرابات النوم، نصح استشاري الطب النفسي الدكتور فرج الله باتباع التالي:
- قومي بتحديد أوقاتٍ ثابتة للنوم كل ليلة.
- حاولي الانتظام في ممارسة التمارين الرياضية.
- تجنَبي تناول مشروبات الكافيين واستخدام الشاشات الإلكترونية قبل النوم.
أسبابٌ عضوية وراء اضطرابات النوم
لا يغفل الدكتور منصور أنور، أخصائي طب الأسرة والصحة المهنية، عن الأسباب العضوية (الجسدية) التي قد تقف وراء اضطرابات النوم؛ مشيرًا إلى أن ثمة 3 أسباب عضوية يمكن أن تتسبب بهذا الاضطراب، هي حدوث خللٍ في عمل الغدة الدرقية، اختلال نسبة معدن المغنيسيوم في الجسم، واضطراب كمية الميلاتونين التي يفرزها الجسم والتي تساعد على تحسين جودة النوم.
هذه الاضطرابات تترك آثارًا سلبية على صحة الإنسان، بحسب الدكتور أنور؛ وتشمل
التعرض لنوبات النعاس أثناء النهار، والتي يمكن أن تحدث أثناء قيادة السيارة أو خلال فترات العمل، وتنتج عنها مشكلاتٍ كبيرة على الشخص والمجتمع. ومن الآثار العضوية الأخرى، الشعور المستمر بالإرهاق والتعب؛ العصبية والخمول؛ آلام العضلات وفقدان القدرة على التركيز وعدم تذكر الأشياء؛وضعف الجهاز المناعي للجسم، ما يجعلنا أكثر عرضةً للالتهابات المزمنة والأمراض المُعدية، خصوصًا أن النوم هو أكبر فرصةٍ متاحة للجسم لإعادة ترميم الخلايا.
خلاصة القول؛ أن اضطراب النوم العادي والعابر لا يُشكَل أي خطرٍ على صحتنا النفسية والجسدية. لكن استمراره لفترةٍ طويلة، قد يُنذر بتداعياتٍ كبيرة وخطيرة منها المشاكل الصحية كالتعب وآلام العضلات، ومنها المشاكل النفسية كالفصام.
وعليه، ينبغي تشخيص اضطرابات النوم ومُسبَباتها وعلاجها بالطرق المناسبة، من قبل الطبيب المختص بغية التخلص من هذه الاضطرابات وعدم السماح لها بالتأثير السلبي على حياتنا ورفاهنا.