حديث خاص لـ"هي" مع الفنانة ياسمين برادة.. مؤسسة Loft Art Gallery ترفع إسم الفن المغربي في سماء العالمية

حديث خاص لـ"هي" مع الفنانة ياسمين برادة.. مؤسسة Loft Art Gallery ترفع إسم الفن المغربي في سماء العالمية

سينتيا قطار
5 نوفمبر 2024

تُعدّ الفنانة ياسمين برادة سُنّي، الشريكة المؤسسة لـ "لوفت آرت غاليري" من الأسماء البارزة في عالم الفن الإفريقي المعاصر والصاعد، منذ تأسيسها المعرض عام 2009 مع أختها مريم في مراكش. في هذا اللقاء المميز، نتعمق في رحلتها الشخصية والمهنية التي بدأتها في سن مبكرة مع شقيقتها مريم من خلال رؤيتها الفنية والقدرة على دمج الفن المغربي والأفريقي المعاصر على الساحة العالمية. تكشف لنا ياسمين كيف تمكنت من تحويل معرضها إلى منصة رائدة للمواهب الناشئة، بينما تحافظ على التراث الفني الغني. كما تتحدث عن التحديات والفرص التي واجهتها، وعن الدور الذي يلعبه الفن في تمكين المرأة وتعزيز الحوار الثقافي، بالإضافة إلى مشاركة معرض "لوفت آرت غاليري" في "آرت بازل باريس" حيث أصبح أول معرض مغربي يُمثل في هذا الحدث المرموق.

شـــــاركتِ في تأســيـــس "لــوفــــت آرت غـــــاليري" وأنتِ في الخامـــسة والعــــشرين فـــــقط. ما الـــذي ألهمك أنت وأختك لخوض هذه الرحلة في هذه السن المبكرة؟
كانت بدايــــة مـــسيرتي المهــنــيـة في عالم الشؤون المالية، ولم يكن هــــناك ما يشير إلى أنني سأدخل عالم الفن وأصبح صاحبة غاليري. أعتـــقد أن بــعض الأمور تحدث بالصدفة، ولكن الصدفة لا تكون يوما مجرّد صدفة. فقد نشأتُ محاطة بالفن، لأن والدي كان يجمع العديد من الأعمال الفنية، وعمل عمّي في تجارة التحف الفنية. وبالتالي، وبشكل غير واعٍ، كنت أستمع إلى أحاديث حول الفن، وفي مرحلة لاحقة من حياتي، اتجهتُ إليه بشكل بديهي، بعد دراستي للعلوم المالية وعملي في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية. لا أعرف ما الذي دفعني بالضبط لافتتاح معرض فني مع أختي "مريم"، وحتى اليوم ما زلت أتساءل عن السبب. أحب أن أقول إن الفن هو الذي جاء ليجدني، ولا يمكنني أن أتخيل نفسي أقوم بأي شيء آخر. أشعر بالفعل أنني في المكان الذي يُفترض أن أكون فيه.

حديث خاص لـ"هي" مع الفنانة ياسمين برادة.. مؤسسة Loft Art Gallery ترفع إسم الفن المغربي في سماء العالمية

 ازدهر عمل "لوفت آرت غاليري" عبر السنين، وأصبح منـصة بارزة للفنانين المعاصرين والناشئين. كيف تختارين المواهب التي تمثّلينها، وما هي رؤيتك للترويج للفن على صعيد عالمي؟
عندما يتعلق الأمر بالفنانين الذين نمثلهم، فإن الأمور تحدث بشكل طبيعي جدا. إن موهبة الفنان هي طبعا الأساس، وكذلك إن القصة التي تقف وراء أعماله هي في غاية الأهمية، ولكنني أشدد أيضا على شخصيته وعلاقتنا به، وهذه الأخيرة هي شكل من أشكال الشراكة القوية التي تتيح لنا متابعته في مسيرته على المدى الطويل. يجب أن يكون هناك توافق معيّن، إضافة إلى وجود رؤية مشتركة لا يمكن أن نكذب بها، فعليها أن تكون صادقة شأنها شأن العلاقة الصادقة، لإيصال ثمارها بأصدق طريقة إلى الجمهور. تُبنى مجموعة الفنانين الذين نتعاون معهم شيئا فشيئا. هناك بعض الفنانين الذين كانوا معنا منذ بدايتنا، وتدريجيا صار من المنطقي إضافة فنانين آخرين يتماهون مع خطّنا. لقد مرّت 15 سنة على تأسيس المعرض، ولا تزال هناك أسس مشتركة قوية جدا بين الفنانين الذين عملنا معهم. أذكر على سبيل المثال مجموعة فنانين هم من عمالقة الفن في المغرب، مثل "فريد بلكاهية" و"محمد المليحي" و"محـمـــد شبعـــة" و"عبـــد الـكـــريــــــم الغــــطـــــاس" و"مـــلــيــكــــــة أكزناي". يعبّر كل منهم عن الحداثة المغربية، ويطرحون أســــئلة متــــشابهة حــــول الـــهــويـــــة والحداثة في المغرب، مع مــــدرســــــــــة "الدار البـــيضاء" الفنّـــية، وأنا أشيــــــر هـــنا إلى تــــــــلامذة الحركة ومؤسسيها. اليـــوم هــــناك مـــــشهد كــــــامل من الفــــنــــانـــيـــــن المـــــعاصرين في المغرب، ولكنني أفكّر دائما في الأسئلة التي يطرحها الفنانون الحداثيون المغاربة الرواد الذين أتيحت لي فرصة لقائهم شخصيا. فأشعر أن الفنانين الجدد اليوم يواصلون بطريقة أو بأخرى طرح الأسئلة عينها التي كنا نطرحها على أنفسنا قبل 15 عاما، ولكن في سياق معاصر أكثر بكثير وبممارسات أحدث، وهي أسئلة تتطور بنفسها.

 شاركتم للمرة الأولى في "آرت بازل باريس" في شهر أكتوبر. ماذا يعني هذا الإنجاز الهام بالنسبة لك وللغاليري؟

المشاركة في "آرت بازل" هي علامة فارقة حقيقية ونقطة تحوّل في قصّة "لوفت آرت غاليري". نحن موجودون منذ 15 عاما، وأعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للانضمام إلى هذا المعرض العالمي، إذ نطوّر منذ بعض الوقت معرضنا وفنانينا أكثر فأكثر ليكونوا أكثر حضورا على الساحة الدولية. وكان هذا العام تحديدا مميزا جدّا، إذ افتتحنا فيه مساحة عرضنا الثانية في مراكش المدينة العالمية، التي وجّهتنا أكثر نحو المشهد الدولي. والآن، يشكّل معرض "آرت بازل" فرصة لمقابلة جامعين فنّيين جدد، ومؤسسات جديدة، ولبناء علاقات وتوطيدها واتخاذ خطوات تالية. نحن نعرض أعمال "محمد المليحي" هذا العام، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا لأنه يُعتبر رائدا في مجاله، وبالطبع سيبقى من المهم لنا دعم المواهب الشابّة في المستقبل.

ذكرتِ أنكم تعرضون أعمال الفنان "محمد المليحي" في "آرت بازل باريس". ما مدى أهمية تمثيل أحد أشهر الحداثيين المغاربة على هذا المسرح الدولي الضخم؟

في هذه الدورة، نقدّم ضمن قسم Premise أعمالا للفنان "محمد المليحي" تعود إلى فترات مختلفة من مسيرته المهنية: من نهاية الخمسينيات وصولا إلى أحدث أعماله. إنه نوعا ما معرض استعادي لأهم أعمال هذا الفنان الكبير والمعروف اليوم ليس فقط على الساحة المغربية بل أيضا على الساحة الفنية الدولية. عمله وخطابة غنيّان ومهمّان، ومن خلال فنّه تُطرح أسئلة كثيرة، والاهتمام بأعماله مدفوع بأسباب مختلفة. كانت أعماله صدى لأسئلة عالمية في ذلك الوقت، وجزءا من حركة "الحواف الحادّة"، فارتبطت بإبداع فنانين كبار من تلك الحقبة. هناك أيضا عنصر عاطفي وشخصي في العلاقة التي عشناها معه. فكان المليحي فنانا التقينا به في وقت مبكر جدا منذ إنشاء المعرض، وقد رافقنا منذ بدايتنا حتى وفاته. كان يعمل حصريا مع معرضنا، كما أنه كان صديقا مقربا وجزءا من عائلة الغاليري. نكرّمه من خلال هذا المعرض الفردي، ونعتقد أنه سيجلب لنا الحظ الجيد مرة أخرى في هذه اللحظة المهمة، هو الذي لطـــالــمـــا جـــلب لــنــــا الــحـــظ وكان بــجــانــبــنا في لحـــظات "لوفت آرت غاليري" المحورية.

حديث خاص لـ"هي" مع الفنانة ياسمين برادة.. مؤسسة Loft Art Gallery ترفع إسم الفن المغربي في سماء العالمية

 كيف تريـــن تــطــور دور الــفــــن الــمـغــــربي في الــســـوق الــعــالــمـية للفن المعاصر؟

يزخر المشهد الفني المغربي بالموهبة والإبداع. في الواقع، هذا ينطبق على جميع الممارسات الإبداعية، لكن الفن يبلور هذه الفورة من الإبداع، وهذا الشباب، وهذه التقنيات، وهذه الرسائل القوية التي يجب أن تُنقل. هناك اهتمام متزايد بهذا المشهد الفني، ليس فقط في المغرب، ولكن أيضا على الصعيد الدولي؛ الأمر الذي لا يفاجئني على الإطلاق، لأن الثقافة المغربية غنية للغاية بفضل موقع المغرب الجغرافي في أفريقيا وتقاطع ثقافات متعددة على أرضه. لكل منطقة ما تساهم به، من حيث المعرفة والثقافة والحرف اليدوية وغيرها، وأعتقد أن الفن اليوم يستطيع أن يُبرز أيضا جوانب هذه الثروة الثقافية. يمتلك الفنـــانــــون المــغـاربــــة أشـــيـــاء مهــمـــة ليـــقولـــــوهــــا عن واقع عالمي معين، وقضايا إنسانية ودولية. دورنا اليوم كمعرض هو بناء جسر مهمّ بين المغرب وأوروبا والـــغرب، وبين أفــــريقيا والغرب، وبين العـــالم الـــــعربي وبقية العالم.

 ما هي أكبر التحديات والفرص التي واجهتك في إدارة معرض يهدف إلى ربط الفن الأفريقي بالجمهور العالمي؟

 كان التحدي الأكبر هو أن أبدأ كامرأة شابة، وأن أكون قادرة على ترسيخ مصداقية معينة أولا في بلدنا، وعلى الصعيد الدولي كخـــطــــوة ثـــانــيــــــة. من الــــصــعــــب دائـــــما أن نستكشف أسواقا ليست أسواقنا، وأن نذهب ونلتقي بجمهور جديد، وأن نكون قادرين على سرد قصص فنانينا وعرضها وتقديمها بأكثر الطرق ذكاء ودقة لجذب اهتمام الجمهور. نحن نأتي بقصة، وغالبا ما تكون قصة عالمية، محكية من وجهة نظر فنان مغربي أو فنان أفريقي، فتمس أشخاصا خارج القارّة الأفــــريقية. في نهاية المطاف، هي مجرد حوارات بين البشر، وهذا هو التحدي الأكبر: كسب ثقة الناس.

كيف تــــطوّر المشهد الفني المغربي منذ تأسيس "لوفت آرت غـــاليري" في عام 2009، وكيف ترين مستقبله؟

عندما بدأنا قبل 15 عاما، كان سوق الفن في المغرب محليا وأصغر حجما. ثم، على مدى السنوات الـ15 الماضية، شهدنا اهتماما متزايدا من قبل العديد من المؤسسات الفنية، وبدأ عدد أكبر من جامعي الأعمال الفنية الشباب في الشراء. وقبل كل شيء، أعتقد أن العمل الذي تم القيام به على مستوى السياسة الثقافية، وكذلك من قبل العاملين في القطاع والمؤسسات والمتاحف، قد مكّن صالات العرض من تحقيق هذا الانفتاح نحو العالمية.

 كيف تنظرين إلى أهمية الحفاظ على التراث الفني المغربي مع الترويج للأصوات المعاصرة في الوقت نفسه؟

أفضل طريقة للحفاظ على ثقافة بلد ما هي عدم تجميدها ومنعها من التغير. هذا هو جوهر الحفاظ على التراث! إن دور صالات العرض هو بالتحديد أن تأتي وتغير الرموز قليلا، وأن تعيد النظر في الأمور من وجهة مختلفة، وأن تدفع الحدود، وتعيد تعريف المفاهيم، وتعيد البناء، وتشكك في ما يبدو جامدا. هذا التحدّي هو ما سيسمح لنا بإثراء هذه الثقافة التي من المهم أن نجعلها تتطور ولكن أيضا أن نلقي الضوء على تراثها، لأنه لا يمكن بناء المستقبل دون تاريخ.

لطالما كان الفن وسيلة للتعبير عن القوة والمرونة، خاصة بالنسبة للنساء. كيف تدعمين أو تروّجين لأعمال الفنانات اللواتي يتحدّين المعايير المجتمعية ويعكسن الصمود من خلال فنهن؟

اليوم، ودون أن أدرك ذلك حتى، أعمل مع عدد كبير من الفنانات. أنا حساسة جدا تجاه العمل والتعبير والرسائل التي تحملها النساء، وعلى وجه الخصوص، "علياء علي"، و"أمينة أكزناي"، و"جوانا شومالي"، و"أمينة رزقي"، و"ماريون بوم"، و"بشرى بودوا". ولكن أيضا "مليكة أكزناي"! هي سيدة في الثمانين من العمر، وهي في حد ذاتها شكل من أشكال الفن، وكانت في الستينيات من أوائل الفنانات اللواتي عرفن كيف يقفن في وجه الرجال في ذلك الوقت. كما أن فريق العمل في المعرض مكوّن من نساء فقط، ويضم اليوم حوالي ست نساء. وقد أدركتُ في الآونة الأخيرة أن مهمّتي والقصة التي أرويها هي في حد ذاتها تصريح. لن أنسى أبدا اليوم الأول الذي بدأت فيه العمل وقيل لي إن المعرض لن يستمر أكثر من ستة أشهر، وإننا سنفشل بسرعة كبيرة في هذا العالم.

كيف يمــكــن أن يـــؤثّـــر الــفـــن عـــلى تــمـكين النــســـاء، ســــــواء كفنانات أو كأفراد يتفاعلن مع الفن؟

أعتقد أن الفن هو أنعم طريقة لرواية القصص والنضال من أجل الأفكار. نرى عددا متزايدا من الفنانات النساء، ولكنني أعتقد أيضا أن الفن هو شيء يجمع الناس معا، ويسمح لنا بفتح النقاشات المهمّة. الفن محمّل بالثقافة والتاريخ والواقع والتراث، وهو في الوقت نفسه شيء مليء بالأمل للأجيال القادمة. وللفن اليوم دور في تعزيز هذا الأمل. مع كل التقدم الذي أحرزناه، في كل مكان في العالم، لا تزال المرأة العاملة والملتزمة والتي تحقق النجاح كنزا للمجتمع. ولا يمكننا أن نجرّد المجتمع من نصف قوته العاملة، بل يجب أن تكون جميع النساء قادرات على الإنتاج والإنجاز، حتى بمجرد التفكير في ما يورثنه لأطفالهن. أعتقد أن الفن يثقّفنا بطريقة تفتح عقول الناس، وتجمعهم بدلا من أن تفرقهم.