"كريستيان لوبوتان" في حديث لـ"هي": ما أجمل ألّا نبقى داخل فقاعة الموضة فندعها تنفجر وتحملنا إلى أماكن أخرى
حوار: Mai Badr
خلال أسبوع الموضة الأخير في باريس، بهر المصمم الفرنسي العبقري "كريستيان لوبوتان"Christian Louboutin عشاق الموضة والرقص والفنون باستعراض إبداعي مذهل بألوانه وديناميكيته حمل عنوان Paris is Louboutining، وشارك فيه الفريق الأولمبي الفرنسي لرياضة السباحة الفنية، مع أداء حيّ لحركات إيقاعية في الماء وبأحذية عالية الكعب من "لوبوتان"! ولهذا العرض الأيقوني، تعاون "كريستيان لوبوتان" مع المخرج والمصور الأمريكي "ديفيد لا شابيل" ومصممة الرقص الإسبانية "بلانكا لي"، فاحتفى بفنون الرقص بالاستلهام من عروض الباليه المائي في خمسينيات القرن الماضي، كاشفا النقاب أيضا عن حذائه الأيقوني الجديد: "ميس زي"Mizz Z .
بعد أربع سنوات على لقائنا الأخير، اجتمعت مجددا بالمصمم "كريستيان لوبوتان"، الرجل الريادي برؤيته الإبداعية والتقليدي بصونه للحرف الأصيلة، والمنفتح دائما على ثقافات وتجارب مختلفة. في مخيلته حيث لا حدود ولا قواعد، تختلط مصادر إلهامه المتنوعة، ولموسم ربيع وصيف 2025، بنى مجموعته حول قصة "الجميلة والوحش"، متعمّقا في فكرة التحول الرمزي للوحش ومركّزا على رموز أساسية في القصة مثل الوردة الحمراء.
خلال مناقشة هذه المجموعة، وحذاء "ميس زي" العصري الذي سيتحول فورا إلى أيقونة في عالم الأحذية، وعرضه الباريسي الخيالي، وتعاونه مع فنانين ومبدعين مختلفين، وأكثر بكثير، نسافر بشوق وحماس وذهول عبر متاهات مخيلة أحد أهم مبدعي عصر الأزياء الحالي.
كان عرض Paris is Louboutining مذهلا. ما الذي ألهمك تقديم هذا العرض المسرحي المفعم بالحنين إلى الماضي، وتحديدا إلى عروض الباليه المائي في الخمسينيات؟
مصدر إلهامي كان مزيجا من عناصر مختلفة. أوّلا، أردت تقديم عرض يختلف عن عروضنا السنوية الأخرى، عرض يكون استثنائيا بالفعل. ولطالما أحببت فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات في "هوليوود"، ولا سيما الخمسينيات لأنها كانت نقطة انطلاق للكثير من الأفلام المهمة. فكانت الحقبة التي تلت انتهاء الحرب العالمية، وأراد الناس وقتها في الولايات المتحدة وكل أنحاء العالم أن يروا أشياء جميلة ومرحة ومفرحة، ورغبوا في الحلم! نظرتُ تحديدا إلى الممثلة والسبّاحة "إستر ويليامز" وأشهر أفلامها التي ركزت على الباليه، وأيضا على أعمال مصمم الرقص والمخرج "بسبي بركلي" وأعماله الغنية بالألوان.
والعامل الآخر كان أولمبياد باريس الذي شغل العالم كلّه في الصيف الفائت، ودفعني إلى قرار التعاون مع رياضيين، وتحديدا سبّاحي الفريق الأولمبي الفرنسي. ولكنني سرعان ما أدركت أنهم كانوا منهمكين في تمرينات الألعاب الأولمبية، وكانوا تحت ضغط كبير لتقديم أداء تنافسي عالٍ، فاضطررت لتأجيل العمل إلى ما بعد انتهاء الدورة. وكانت التجربة مريحة ومرحة لفريق السباحة الفنية الإيقاعية المشارك.
لماذا اخترتم التعاون مع المصور والمخرج "ديفيد لا شابيل" لهذا الحدث؟
أردت الكثير من الألوان، والعنصر المفاجئ الذي كان وجود الأحذية العالية الكعب في الماء. كانت أفلام "بسبي بركلي" في بالي، ورأيت أن "لا شابيل" هو الشخص المثالي لهذه المهمة، لأنه فنان رائع، ولأن صوره تنبض بطاقة رائعة، حتى أبسطها!
هذه ليست المرة الأولى التي تتعاون فيها مع فنان آخر. ما التعاون الإبداعي الذي كان له الوقع الأكبر؟ ولماذا؟
تعاونت مع عدد كبير من الفنانين، ولكنني سأختار مصمم الرقص "صادق براباح"، الذي قدّم عرضا رائعا تأرجح بين التماثل واللاتماثل، في لوحة مجرّدة من الألوان، سوى لون النعل الأحمر، بهدف التركيز على الحركة، وذلك العنصر الأحمر الذي برز بشكل رائع وسط بحر من الأسود والأبيض. ذلك العرض كان بالفعل مدهشا، لم يكن حزينا أو سعيدا أو مسلّيا حتى، بل كان عرضا عاطفيا تأثّر به الحضور بشكل كبير، ولا أستطيع تحديد السبب.
ذكرت سابقا أن الموسيقى والرقص يلهمانك. كيف يؤثر هذان الفنان في عمليتك الإبداعية والطاقة التي تنبض بها مجموعاتك؟
cl حين يكون المرء صادقا مع نفسه ووفيا لذاته، يشعر الناس بطاقته أو أحاسيسه أو أي شيء يريد أن يعبّر عنه ويبعثه من خلال الألوان والأشكال وما شابه. ولأنني أصمم لشركتي الخاصة، أعطي ما أريد أن أعطيه من كل قلبي وبابتسامة على وجهي، وذلك يُترجَم بسهولة في تصاميمي. أؤمن بأهمية أن يكون عالم الموضة ممتعا، بل إن هذا الجانب هو أهم أهداف هذا المجال. وهو ما ألمسه حين يأتي إليّ زبائني ويشكرونني على جعلهم يشعرون بالثقة والقوة والجاذبية والتميز.. إنه بالنسبة إلي أفضل إطراء.
بطل العرض الباريسي الأخير كان حذاء "ميس زي" Mizz Z الجديد. أخبرنا أكثر عنه وعمّا يميّزه عن أحذية "لوبوتان" الأيقونية الأخرى.
"ميس زي" هو جزء ممّا أسميه "ثلاثية" الأحذية العالية الكعب لدينا، وهي عائلة بنيتها قبل عشرين عاما مع حذاء "بيغال"، وتطورت مع حذاء "سو كيت" الذي اختلف عن الأول بطول الجزء الأمامي وشكل الرأس المستدق. أما مع "ميس زي"، فنشعر بأن الكعب عالٍ جدا ولكنه في الواقع ليس كذلك، وهو تأثير تطلّب الحصول عليه تفوّقا تقنيا كبيرا، وجعل الحذاء أكثر راحة. وما يميّز الحذاء الجديد أيضا هو النعل الأحمر الذي يبقى أحمر اللون حتى بعد نزعه، وهي فكرة تطلب النجاح في تنفيذها 25 سنة.
لماذا كانت هذه هي اللحظة الملائمة لإطلاق "ميس زي"؟
مشهد الموضة لا يتغير كل عشر سنوات، بل تمر الأشياء بسرعة أكبر من ذلك بكثير، في ظل وجود بعض الثوابت طبعا. وما يتضح لنا أكثر وأكثر مع الوقت هو حقيقة وجود كل شيء في كل وقت، أي أن أمام الناس عناصر كثيرة يمكنهم التلاعب بها بحسب تغيرات أنماط عيشهم وطِباعهم. فأحيانا نحب البذلات، ومرات أخرى نميل إلى الفساتين أكثر.. عالم الموضة بات يحتضن كل شيء، ولا يلتزم بحكم واحد أو هيمنة صيحة واحدة. ولكن في خزانة المرأة طبعا عناصر أساسية تحتاج دائما إليها.
لمجموعة ربيع وصيف 2025، استقيت إلهامك بشكل أساسي من قصة "الجميلة والوحش". ما الذي جذبك في هذه القصة؟
الأمر كلّه مرتبط بالخيال، فنعيش في فترة يريد فيها الناس إضفاء عنصر المرح والتسلية على إطلالاتهم من خلال أحذيتهم، مع التفاصيل غير التقليدية والأحجام الضخمة. نظرت إلى قصة "الجميلة والوحش" ورموزها، لأنني فكرت في ابنتيّ وفي الأطفال حين يريدون التحوّل إلى شيء آخر أو شخص آخر عبر التنكّر. هناك مزاج طفولي مرح يدعونا إلى الحلم من خلال تصاميم ستحمل لمسة مميزة إلى الإطلالة.
للوردة حضور قوي في هذه المجموعة الجديدة. ما الذي تمثلّه هذه الزهرة بالنسبة لك؟
إن الوردة بالنسبة إلي عنصر طبيعي مختلط، فهي مهمّة في ثقافات كثيرة، ولكن لأسباب مختلفة. في الثقافة الفارسية مثلا، تظهر الوردة في أيدي شخصيات اللوحات الفنية المنمنمة. أما في العالم العربي، فالورد مهمّ في العطور وفي المشروبات، وفي أوروبا كعنصر زيني وفي باقات الزهور.
وهذا يذكّرنا بأن الناس في عالمنا مختلفون والثقافات مختلفة بطقوسها وأفكارها وتقاليدها؛ وعلينا أن نقبل ونحتفي بوجود هذا النظرات المختلفة التي يرى بها الإنسان كل ما في حياته، من ورد وغيره. نعيش في عالم ظالم ومرعب، ومن المهم جدا أن نفكّر في الآخر ونحاول فهمه.
تحتل الحرفية مكانة مهمة في هوية علامتك. كيف تحرص على صون التقنيات الحرفية التقليدية ودمجها في تصاميمك العصرية؟
الحرفية تهمّني كثيرا، وأسافر حول العالم للتعاون مع حرفيين من مناطق وبلدان مختلفة. فتحمل الحرفية في جوهرها قيما تتحدث عن مجتمعات وتقاليد مختلفة من واجبنا أن نحافظ عليها. ومع وجود الذكاء الاصطناعي، ازدادت أهمية رعاية هذه التخصصات ودعم الحرفيين الذين يعكسون تميز مجتمعاتهم وتفوقها وبراعتها.
هل ترى في أسفارك حرفيين شبانا، أم نحن أمام خطر اضمحلال الحرف التقليدية؟
نعم، أرى الكثير من الحرفيين الشبان. أشعر بأننا وصلنا إلى مرحلة من الإنتاج القياسي الموحّد إلى درجة أنه لم يعد مشوّقا للشبان المبدعين. لذلك، نرى اليوم الكثير من المواهب الشابة المهتمة بفهم كيفية فعل الأشياء ومحاولة صنعها. والمضحك أن ذلك بسبب الإنترنت! نعم، للإنترنت جوانب سيئة، ولكنها أيضا شجّعت الناس، ولا سيما الشباب، على الاهتمام بعمليات التصنيع.
كيــــف تتــكــــامــــل منــتــجـــاتــــك الــجــمــاليــــــة مع عـــالم أحذية وإكسسوارات "كريستيان لوبوتان"؟
لطالما كنت مغرما بالفن عموما، وخصوصا بالأشياء الفنية الملموسة. ضمن علامة تجارية متخصصة جدا مثل علامتي، تتكامل التفاصيل كلها في عالم موحّد يعكس رؤيتي. كما في كل ما أقدّمه، أولي اهتماما كبيرا للتفاصيل، وللجمال. وقد حرصتُ على إتقان محتوى هذه المنتجات وأيضا تصميم مظهرها الخارجي، فتصبح قطعا جميلة لا نتخلّص منها حين تصير فارغة، بل نحتفظ بها ونجمعها، مثل أحمر الشفاه الذي يصبح قلادة، وكذلك قوارير العطور الرائعة.
تسافر كثيرا حول العالم، وكنت منذ فترة قصيرة في مدائن صالح. ما العلاقة بين السفر وإبداعك؟
كل ما نمر به في حياتنا يؤثر فينا. والسفر يلهمني كثيرا بمناظره وبالناس الذين ألتقيهم بفضله. حين أكون في مكان جديد، وحتى لو كنت أمام أجمل منظر في العالم، لا أتأثر باللحظة الآنية ولا أعيش في اللحظة، بل أبقى كما أنا وقد أفكر في أشياء عادية مثل شاحن هاتفي أو إحساسي بالجوع والعطش.. ولكن المكان يبقى محفورا في ذاكرتي المرئية القوية جدا، والتي تخزّن الكثير. أحتفظ باللحظة لنفسي، لتعود وتنعكس في وقت لاحق في مزيج مع أشياء أخرى، فتكون مثيرة للاهتمام ونابعة من شغف.
كيف تنعكس جذورك المصرية على تقديرك للثقافات المختلفة؟
إن العيش على أرض غير أرض جذورنا، يغذي ذهننا ويثري مخيّلتنا. ولدت وترعرعت في باريس، ولي جذور مصرية، وقد دفعني ذلك للخروج من منطقة الراحة الخاصة بي والانجراف.. ثقافات العالم متنوعة، وعلينا احترام كل الثقافات.
هل يمكنك أن تشاركنا لحظة من مسيرتك المهنية لعبت دورا كبيرا في تشكيل هويتك الإبداعية؟
كل تعاون فنّي ترك بصمة على عملي. أذكر مثلا تعاوني مع المخرج "ديفيد لينش" الذي طلبت منه تصوير الأحذية، فدخلتُ من خلال ذلك المشروع إلى عالم مختلف عن الموضة، وهو ما جذب فئة جديدة من الناس إلى عملي. فما أجمل ألّا نبقى داخل فقاعة الموضة، فندعها تنفجر وتحملنا إلى أماكن أخرى دون أن ندرك. والأمر نفسه ينطبق على تعاوني الأخير مع "ديفيد لا شابيل" وإدخال فن الرقص والأداء.
وبسبب كل ذلك، أتلقى طلبات كثيرة للتعاون على مشاريع خارج نطاق الموضة، خصوصا بعد العرض الأخير في باريس.
أخيرا، ما نصيحتك للمصممين الناشئين، وبصورة خاصة من هم في منطقة الشرق الأوسط؟
أقول للمصـــــممين في الشــــــرق الأوسط: إنكم محظوظون للغاية، لأن أوجه تراثكم المختلفة تبرز الآن وتسطع في العالم كلّه. بدأت ثقافات هذه المنطقة الغنية بإظهار حقيقتها والتجلّي، حتى في قطاع الأزياء الذي لم تدخله في الماضي بالشكل الكافي. إنها لحظة رائعة لمصممي المنطقة، تتم فيها مشاركة تراثهم العريق.