ما بين المهرجانات ومنصات البث.. هل تنجح سينما شرق آسيا في جذب الجمهور العربي؟
في ظل التطور الكبير الذي شهدته صناعة السينما والترفيه في الشرق الأوسط خاصة بخاصة في الخليج العربي، أًصبح سوق الأفلام العربية ساحة كبيرة تتنافس فيها الإنتاجات المحلية والعالمية، وهو ما أتاح للجمهور قدر هائل من التنوع الثقافي على شاشات السينما.
جمهور السينما الآسيوية
ورغم ذلك التنوع المشار إليه، إلا أن شاشات السينما ما زالت معتمدة بنسبة كبيرة على الإنتاجات المصرية والأمريكية والعربية، بجانب نسبة ضئيلة من الإنتاجات الهندية والشرق آسيوية، وبمتابعة الأعمال المعروض بالسينمات حاليا نجد أن الأعمال الأخيرة يقتصر عرضها في دول بعينها وبنسب متفاوتة ربما ترجع لطبيعة الجاليات الأجنبية المتواجدة فيها.
فعلى سبيل المثال نجد أن دولة الإمارات من أكثر الدول العربية المهتمة بعرض الأفلام الهندية والشرق آسيوية، إذ تستقبل سينماتها حوالي 5 أفلام هندية هي "Pushpa 2: The Rule"، "Sookshmadarshini"، "Singham Again"، "The Sabarmati Report"، "Hello Mummy"، وفيلم فلبيني "Hello, Love, Again"، وفيلم كوري بعنوان "RM: Right People, Wrong Place"، وآخر إنمي ياباني "Solo Leveling: ReAwakening"، فيما حلت السعودية في المرتبة الثانية من بين الدول المهتمة بعرض أعمال من هذه البلدان، إذ تعرض من بين الأفلام السابق ذكرها 3 أفلام هندية، والفيلمين الياباني والفلبيني، واكتفت دولة الكويت بعرض ثلاث أعمال متنوعة "هندي، وكوري، وفلبيني".
في حين أن هذه الأعمال غابت عن شاشات السينما في مصر، رغم أن الدراما التلفزيونية الشرق آسيوية مثلا ازدادت شعبيتها كثيرا بين الجمهور المصري في الفترة الأخيرة، خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل "لعبة الحبار" الذي تصدر قائمة الأكثر مشاهدة على منصة "نتفليكس" في حوالي 90 دولة حول العالم من بينها مصر وعدة دول عربية أخرى، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن سبب تراجع فرص طرح الإنتاجات السينمائية الآسيوية تجاريا في السوق المصرية والعربية.
انحياز شباك التذاكر المصري للسينما المحلية وأعمال هوليوود
أجاب الناقد الفني أندرو محسن، على ذلك التساؤل قائلا إن هناك نشاطا جيدا فيما يخص المسلسلات الآسيوية خاصة الكورية، إلا أن ذلك النشاط يغيب حاليا عن السينما في مصر رغم تواجده بنسبة ضئيلة في الإمارات والسعودية، لافتا إلى أن دور العرض المصرية كانت قد اعتادت خلال فترة التسعينيات على استقبال عدة أفلام هندية نظرا لشعبيتها آنذاك، لكن مع مرور الوقت أًصبحت تُعرض على فترات متباعدة إذا كان ضمن أبطالها نجوم معروفين، أو إذا تحمست إحدى شركات التوزيع لعرضها، لذا فإن فتح المجال للسينما الآسيوية بالسوق المصرية هو أمر ما زال يحتاج لوقت طويل، خاصة وأن الجمهور المصري يحبذ حاليا مشاهدة الأعمال المحلية وأعمال هوليوود، ومن الصعب خلق مساحة أخرى لنوعيات جديدة من الأفلام.
أضاف "محسن" أن خلق المساحات الجديدة يتطلب حماسا كبيرا من قِبل شركات التوزيع، بجانب تكثيف عرض هذه الإنتاجات والانتظام في طرحها مع التسويق الجيد لها، وهي عملية تحتاج لوقت طويل ليتم خلالها بناء الثقة بين الجمهور المصري وبين ذلك النوع من السينما، خاصة وأن الأفلام العربية لم تلق رواجا في السوق المصرية حتى الآن.
فعاليات جماهيرية آسيوية في الأردن بعيدا عن العروض التجارية
من جانبه، أكد أيضُا الصحفي الأردني محمود الخطيب، أن الأفلام الآسيوية لا تحظى بعروض تجارية في الأردن نظرا لأن العروض المصرية والأجنبية هي التي يتوافد عليها الجمهور، مشيرا إلى أن الهيئة الأردنية الملكية للأفلام تولي اهتماما كبيرا لعقد اتفاقيات ثقافية مع وزارات الثقافة في الصين وكوريا الجنوبية واليابان وماليزيا، لتنظيم أسابيع خاصة بأفلام هذه الدول، وعادة ما تحظى هذه العروض بحضور جماهيري كبير سواء من محبي السينما الأردنيين أو من أفراد هذه الجاليات، هذا بالإضافة إلى مؤسسة عبد الحميد شومان التي تنظم منتدى ثقافي يهتم بعرض هذه النوعيات من الإنتاجات الآسيوية واستضافة صناعها لعقد مناقشات تجمعهم بالجمهور.
أسبوع الفيلم الصيني
ووفقا لموقع "China MENA connections" فإن الكاتب ينغ هوانغ، كشف في مقال له عن تاريخ أول أسبوع للفيلم الصيني يقام في الوطن العربي على الإطلاق، إذ كشف عن قصاصة نادرة من قسم الفن في جريدة "الأهرام" المصرية تعود لعام 1957، وتظهر فيها صورة للفنانة الكبيرة الراحلة هدى سلطان بصحبة الممثلة الصينية تشين يي، وقد كُتب أسفلها ملاحظة نوهت إلى أنه تم التقطاتها ضمن أسبوع الفيلم الصيني في القاهرة، ليعقبه بعد ذلك بأسبوعين تنظيم "أسبوع الفيلم المصري" في بكين، مما يشير إلى أن محاولات التبادل الثقافي بين هاتين المنطقتين من العالم ممتدة بالفعل على مدار سنوات عديدة، لكنها لم تنجح في تكوين قاعدة شعبية تفرض على موزعي الصناعة جذب أفلام شرق آسيا لشباك التذاكر.
وتعتبر دولة الإمارات حاليا من أكثر الدول المهتمة باستضافة الأسبوع الصيني، ففي نوفمبر الماضي عرض خلاله حصريا الفيلم الصيني " Panda Plan"، ووفقا لموقع " china daily" فإن السفير الصيني لدى الإمارات تشانغ يي مينغ كان قد قال: "إن أسبوع الفيلم الصيني تطور ليصبح حدثا ثقافيا هاما لتعزيز التفاهم بين البلدين"، وخلال نفس الشهر استضاف المركز الثقافي الكوري في مصر، النسخة التاسعة من فعالية "ليالي الفيلم الكوري" على مدار 4 أيام، وذلك تزامنا مع الذكرى الثامنة لتأسيس المركز، وبحسب موقع " broadcastprome" فإن مدير المركز الثقافي أوه سونغ هو، كان قد قال في كلمته إن ذلك الحدث أتاح فرصة عظيمة للجمهور المصري لاكتشاف جمال وتنوع السينما الكورية.
حضور قوي للسينما الآسيوية بالمهرجانات العربية
وبخلاف أسابيع السينما التي يتم تنظيمها بشكل دوري ببعض الدول، فقد شهدت الدورة الـ 45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي حضورا قويا للسينما الصينية من خلال مشاركة 7 أفلام، وقد صرح الفنان حسين فهمي، رئيس المهرجان، لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا" قائلا إن مصر دائما ما كانت تهتم بالسينما الصينية والدليل على ذلك هو أنه كان يشاهدها منذ أن كان طالبا في معهد السينما، مؤكدا على أن هذا التعاون من شأنه أن يؤدي مستقبلا إلى إنتاجات مشتركة بين البلدين، لافتا إلى أن المهرجان وقع مذكرة تفاهم مع مجموعة الصين للإعلام في أواخر يوليو الماضي، ركزت على إنشاء محتوى مشترك بشأن الأفلام العالمية وتبادل الخبرات الفنية والثقافية ومشاركة الضيوف المحترفين والأفلام وأعضاء لجان التحكيم.
وعلق الناقد الفني أندرو محسن، بصفته رئيس البرمجة بالدورة السابعة لمهرجان القاهرة السينمائي والمدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 44، مؤكدا أن عرض الإنتاجات الآسيوية في المهرجانات هو أمر مختلف تماما، نظرا لأن الجمهور عادة ما يأتي لمشاهدة أعمال لم يعتادها من قبل أو لأنها لا تتاح له بسهولة في السينمات، هذا بجانب متابعة البعض منهم للسوق العالمية وعلمهم بأسماء الأفلام الحائزة على جوائز من كبرى المهرجانات والمحافل الدولية، أو أنهم يعرفون أسماء بعض المخرجين من كوريا واليابان والصين ويرغبون في الاطلاع على أعمالهم.
ولفت "محسن" إلى أن الأفلام الآسيوية عادة ما تلقى رواجا قويا بالمهرجانات، حيث أكد على أن الفيلم الصيني " Caught by the Tide" للمخرج جا جنكي، شهد إقبالا جيدا خلال الدورة الماضية لمهرجان الجونة، هذا بجانب الفيلم الكوري الذي حمل اسم " A Traveler's Needs" للمخرج هونغ سانغ سو.
اختلاف الثقافة واللغة لا يشكل عائقا أمام الفن
وفي هذا الشأن علق الفنان العالمي أمير المصري، في تصريحات خاصة لمجلة "هي" قائلا إنه سواء كان المتفرج يشبه الشخصيات التي يشاهدها أم لا، وسواء كانت القصة المعروضة على الشاشة موجودة في حياتنا أم لا، فإننا سنتعاطف معها إذا كانت مؤثرة، أو سنتعلم منها شيئا جديدا، لافتا إنه دائما ما يحب أن يخوض تجارب مختلفة، لذا فإنه لا يستبعد على سبيل المثال أن يتعلم لغة جديدة إذا عُرض عليه دور حمسه لذلك.
وأكد "المصري" أنه يحب أن ينفتح على ثقافات جديدة، لذا فإنه عادة ما يشاهد الأعمال الآسيوية إذا ما لفتت نظره، كما أنه يهتم بمتابعة أعمال المخرجين الآسيويين ذوي الشهرة الواسعة.
ومن بين النجوم الآسيويين الذين نالوا شهرة واسعة الفنان الصيني جاكي شان، والنجم الصيني الأمريكي بروس لي، الذي تم تلقيبه بالتنين الصغير، وفسر أندرو محسن تلك الشهر التي حصدها كلا النجمين خلال مشوارهما الثري بالعديد من الأعمال الهامة والبارزة هو أنهما شاركا في أفلاما أمريكية، وهو ما ساعد في زيادة شعبيتهما، وعلى عكس ذلك لم نر نجوما آسيويين اشتهرا فقط لمشاركتهما في أعمالا محلية.
ويرى "محسن" أن اختلاف الثقافات لا يشكل عائقا على الإطلاق أمام انتشار الإنتاجات الآسيوية، لأن الفكرة الأساسية تدور حول تعود الجمهور ومدى إمكانية عثورة على الفيلم، هذا بجانب أن السينما الأمريكية تسيطر بشكل كبير على السوق نتيجة الشراكات التي تم عقدها مع كبرى شركات التوزيع في الدول العربية منذ سنوات عديدة، وهو الأمر الذي لم يتح حاليا للأعمال الآسيوية، إلا أن النشاط الفني الهائل الذي تشهده المملكة العربية السعودية في مجال الترفيه والذي يصحبه افتتاح عدة سينمات يمكن أن يشجع بعض الشركات خاصة مع وجود جاليات كبرى من جنسيات آسيوية مختلفة.
استراتيجية منصات البث لجذب الجمهور
ورغم محاولات الاستقطاب المستمرة للجمهور العربي من قِبل السينما الآسيوية، إلا أن الدراما استطاعت أن تشق طريقها وتجذب شريحة كبيرة من جمهور منصات البث الإلكتروني، وقد قال المخرج جانج جون هوان، في تقرير "للجارديان" إن السينما الكورية تعاني بسبب "نتفليكس" وغيرها من المنصات، إذ عادة ما تعرض العديد من الأفلام مما أثر على مبيعات شباك التذاكر، ولكنه أقر بأن هذه المنصات قدمت عدد لا بأس به من المعجبين الدوليين الجدد للمحتوى الكوري، آملا أن يسعى عدد أكبر من الجمهور الدولي أن يشاهد المزيد من الأفلام الكورية.
ذلك الإقبال الجديد الذي تشهده الدراما الكورية مؤخرا، تم تفسيره من قِبل دراسة نُشرت عبر مجلة "جورج تاون للشؤون الدولية - Georgetown Journal of International Affairs"، حيث أوضحت أن المسلسلات الكورية تجذب المشاهدين من خلال تركيزها على مشاعر الشخصيات واستدراجها لتعاطف الجمهور.
استطرد أندرو محسن، حديثه مؤكدا على أنه رغم نجاح المسلسلات التي يتم طرحها عبر منصات البث الإلكتروني، إلا أنها لم تحقق بعد رواجا كافيا للسينما الآسيوية بالعالم العربي حتى الآن.
جميع الصور المرفقة من الحسابات الرسمية للنجوم ومهرجان القاهرة على إنستجرام وفيس بوك.