بحيرة الملح في عنيزة.. مرآة السماء على الأرض: كيف أصبحت وجهة سياحية مميزة؟
في قلب الصحراء، حيث تلتقي الرمال الذهبية ببياض ناصع أشبه بالثلج، تستلقي بحيرة العوشزية كحكاية من الزمن، شهدت تحولات كبرى جعلتها رمزًا للتغير بين الماضي والحاضر. واليوم عادت البحيرة للحياة كوجهة سياحية مدهشة، محاطة بغموض الطبيعة وسحرها المتغير مع الفصول.
كانت العوشزية يومًا منجمًا للذهب الأبيض، حيث ازدهرت صناعة الملح منذ عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، حين كانت شاحنات تنقل هذا الكنز الطبيعي إلى المدن البعيدة، مثل الطائف التي اشتهرت بدباغة الجلود، معتمدة على ملح العوشزية النقي.
لكن عجلة الحداثة غيرت المسار، فتراجع الإنتاج تدريجيًا، وبدأت البلدة تنأى عن هذه الصناعة، ليبقى الملح شاهدًا على زمن ازدهار مضى.
"ثلج العوشزية".. عندما يتحول الملح إلى لوحة طبيعية
في فصل الشتاء، تتجمع مياه الأمطار لتغمر البحيرة، فتتحول إلى مرآة مائية ساحرة تعكس زرقة السماء وتبهر زوارها بمشهد خلاب يوثق التقاء الأرض والسماء في لوحة طبيعية فريدة. لكن السحر لا يتوقف هنا؛ فعندما تجف المياه تحت الشمس ينكشف سجاد أبيض من الملح البلوري، يكسو الأرض بلمعانه الصافي، ليمنحها أهالي المنطقة لقب "ثلج العوشزية"، حيث يبدو المشهد وكأن الطبيعة قد فرشت رداءً من الجليد وسط الصحراء القاحلة.
في فصل الشتاء تتحول العوشزية إلى وجهة سياحية واعدة، حيث يقصدها الزوار للاستمتاع بتجربة فريدة تجمع بين المشي فوق طبقات الملح، والتخييم في أحضان الطبيعة، فضلًا عن الجلسات الهادئة عند الغروب، حيث ينعكس وهج الشمس على بلورات الملح، في مشهد يخطف الأنفاس.
العوشزية.. كنز القصيم الأبيض
تقع العوشزية شرق محافظة عنيزة، على بعد 10 كلم، وتُعرف بـ "قرية الملح" أو "منجم الذهب الأبيض"، بسبب ثروتها الطبيعية من الملح الذي شكل عبر القرون موردًا اقتصاديًا رئيسيًا للمنطقة.
اليوم، لم تعد العوشزية مجرد بقعة ملحية، بل تحولت إلى لؤلؤة سياحية تعيد تعريف الجمال في قلب الصحراء، حيث يلتقي التراث بالطبيعة، ويولد سحر جديد من رمال الماضي وبلورات المستقبل.
العوشزية في عيون الرحالة.. دهشة أمام الطبيعة
عبر التاريخ، لم تفشل هذه البحيرة في إبهار الرحالة الذين زاروها، تاركين أوصافًا مذهلة عن جمالها الفريد.
الريحاني: "أنهر في نجد؟!"
يقول المفكر والأديب أمين الريحاني عند زيارته للعوشزية:
"عندما وصلنا إلى العوشزية بعد الظهر، تركنا الخدم ينصبون الخيام ويعدون الطعام، وسِرنا أنا ورفاقي إلى القاع شرقًا، فإذا نحن بعد ذلك في أرض سبخة موحلة، وإذا بنهر وقاع قيد بضعة أبواع منا... أنهر في نجد؟! أي نعم، نهر من الملح المتجمد، عرضه نصف ميل، وطوله من الخمسة إلى السبعة أميال، ووجهه كوجه الماء وقد عقده القر جليدًا."
ويضيف، واصفًا اندهاشه بالمشهد:
"خضنا الأرض الموحلة إلى الصفحة البيضاء، فألفيناها جامدة مصقولة كالجليد، وصلبة كالجلمود، ولا باردة هي ولا حارة... جلست هناك، وتربعت وشكرت الله على ذا المظهر الغريب العجيب في الكائنات."
فيلبي: "بحيرة ضخمة من الملح الأبيض"
أما المستكشف البريطاني سانت جون فيلبي (عبدالله فيلبي) فقد وصف البحيرة قائلًا:
"غور واسع من الملح يمتد لعدة أميال على طول الجبل، يبدو كبحيرة ضخمة متجمدة ومغطاة بالثلج، ولكنه في الحقيقة طبقة صلبة من الملح الأبيض الصافي بعمق قدم واحد."
ويضيف فيلبي، مشيرًا إلى أهمية هذه البحيرة للسكان المحليين:
"مخزون ملح العوشزية لا ينضب، وسكان المنطقة يعتمدون عليه بشكل رئيسي، حيث يأخذون حاجتهم منه بالمجان."
جميع الصور من. تصوير: المصور عبدالله العكشان