في عيد الحب: شاعرات أيقونيات تغنين بالعشق
لا حب بغير امرأة، والحب أنثى. إنها أساسه ومبناه، وأصله ومنتهاه، وموضوعه وغايته، لأجلها خُلق الحب وكان، ولأجلها يبقى ويخلد. لا أجمل من الحب إلا امرأةٌ، ولا أجمل من امرأةٍ إلا قصيدةٌ. وفي مواسم وأعياد الحب نستذكر الشعر الذي نما في بساتين الحب وعلى ضفاف العشق قصائد وأغاني. وهل هناك أجمل من قصيدة أو أغنية يهديها العشاق لبعضهم البعض في عيد الحب؟.
وقبل البدء نعترف بالظلم البيّن والتقصير الشديد حين نتناول موضوع هذه المقالة عن شاعرات عربيات أيقونيات تغنين بالعشق. كتبن قصائد خالدات خلدن فيها مشاعرهنّ وتجاربهنّ ورؤاهنّ. فلدينا آلاف الشاعرات المتميزات من المحيط إلى الخليج بل في طول وعرض خرائط الجغرافيا في العالم كله.
وكذلك عبر التاريخ من ليلى العفيفة إلى ليلى العامرية إلى عائشة التيمورية إلى لينا الطيبي إلى كل صبية شاعرة تولد كل يوم مع كل مطلع شمس ومغربها.. قاموس كبير مفعم بآلاف الأسماء والألقاب. كلهن درر ولآلئ وجواهر كتبن أجمل الشعر وأصدقه. وكنّ بحق مرآة صافية نستشفّ عبرها صدق العواطف وحُسن التعبير ورقّة الأسلوب وتناغم القوافي.
لكن وفيما يلي من سطور معدودات نقدم مختارات منتقاة لشاعرات أيقونيات تغنين بالعشق بمناسبة عيد الحب، مع صادق الاعتذار لكل شاعرة كتبت يومًا قصيدة حب أو خطّت بيت شعر بثّتنا فيه حبّة من قلبها، أو دمعة من مقلتها، ونتفة من مهجتها.
صفية البغدادية
لم تكن صفية البغدادية شاعرة عراقية عباسية، عاشت واشتهرت في القرن الثاني عشر؛ بل كانت سيدة فريدة من نوعها متفردة بشخصيتها سابقة لعصرها. وقداشتهرت بأشعار الحب الرقيقة والتغزل بالرجال الذين سمعت أو تعرفت بهم. كذلك عرف عنها مدحها لنفسها وإنصافها لبنات جنسها.
ومما قالته صفية البغدادية وأثر عنها:
أنا فِتنةُ الدنيا التي فَتَنَتْ حِجا
كلّ القلوبِ فكَلّها فيّ مغرمِ
أترى محيايَ البديعَ جَمَالُهُ
وتظنُّ يا هذا بأنّكَ تَسْلمِ
ولادة بنت المستكفي
ونطير إلى المغرب وندخل الأندلس، وعلى عرشها تتربع ولادة بنت المستكفي. ولادة التي كانت ومازالت أيقونة الحب الأندلسي. وواحدة من عشر أيقونات شعرية ونسوية عبر التاريخ الإنساني. وبذكر أخبارها وتوثيق رحلة حياتها وأشعارها كتبت الكتب ودونت المدونات فضلا عن أطروحات الدكتوراه والبحوث العلمية في شتى فروع التاريخ والأدب.
ولها نذكر:
لَوْ كنتَ تنصفُ في الهوى ما بيننا
لمْ تَهْوَ جاريتي ولم تَتَخَيّرِ
وَتركتَ غصْناً مثْمراً بجَمالِهِ
وجَنَحتَ للغُصنِ الذي لم يُثْمرِ
ولقدْ علمتَ بأنّني بدرُ السَّما
لَكن دهيتَ لشِقْوتي بالمشتري
سلطانة بنت عبد العزيز السديري
وبقفزة فلكية نمر على سلطانة بنت عبد العزيز السديري الشاعرة والإعلامية والناشطة الاجتماعية السعودية. وتعد من النساء الرائدات في الأدب السعودي المعاصر. ومن قصائدها الجميلة "سويعات الأصيل" التي غناها المرحوم طلال مداح. ومما قالت في الحب والهوى:
كقَبْضَةِ اليدِ قلبي في مساحَتِهِ
لكنّه ساحةٌ كبرى لأحبابي
يَضُمُّ دنيا عجيبٌ أمْرُها وبِها
صَفْوي وفَرْحي وأحْزاني وأوْصابي
قلبي يَئنُّ كثيرًا مِنْ شَوَائبه
يا ليتني عِشْتُ يَوْمًا مثل أتْرابي
هم يفرَحُونَ لأشياءٍ تعذّبُني
وكمْ مِنْ الشّوْكِ ينمو بين أعشابي
ميسون صقر القاسمي
ونعرّج بالشارقة، في دوحة الإمارات العربية، حيث للعرب عزّ وشموخ، وللشعر دار، وللشاعرات قصور وبروج. ومنها نختار ميسون صقر القاسمي، الشاعرة والفنانة التشكيلية والروائية. ومن بدائع نظمها نختار هذه المنظومة:
أنتَ تنامُ ممطَراً بالحُبِّ
تعاوِدُكَ أطوارُ نموّك
بينَ أكواخِ الطينِ
تلفّكَ أمُّكَ بخِرْقَةٍ
تضعك بجانب الموقد
وهي تخبز
أنتَ كبِرتَ دافئاً
وأنا بمدفأةٍ ولحافٍ أظلُّ بارِدةً
أتقلّصُ كما لو أنني خلية
أو دودةٌ في شَرْنَقَةِ الحياة
هناء المشرقي
ولابد من التعريج على هبة النيل، واختيار زنبقة يانعة من زنابق بساتين القاهرة التي لا تعدّ، وحدائق الجيزة التي لا تحصى. لذلك نختارهناء المشرقي وهي المبدعة المتفردة والعاشقة المصرية التي لا يشق لها غبار:
أحتاجُ عَيْنَكَ يا أنا لأراني
وأبصِّرَ المرآةَ بالإنسانِ
لأفكَّ أسْرَ الحُلم مِنْ يأس الرُّؤى
وأصارحَ التعجيزَ بالإمكانِ
لتُبدَّلَ الأدوارُ والأفكارُ والأنفاسُ
حتى النَّبضُ في الشُّريانِ
لتكفَّ هذي الأرضُ عَنْ دورانِها
وأذوقَ صيفكَ في شتاءٍ ثانِ
وأصالحَ الفجرَ المُخاصمَ شمسَهُ
وأردَّ كفَّ السُّهدِ عنْ أجفاني
ما نفعُ صوتِ العقل لي وأنا التي
سِحرُ الهوى والشِّعر قد مَسَّاني
ناهد شبيب
ونحط الرحال بأرض الشام حيث الحلا والدلال، وحيث البهاء والجمال، وحيث العشق له بيوت عامرات وله أطلال. وعلى ضفاف العاصي الرقراق، وبجوار النواعير المتصابية.. نحيّي ريحانة الشعر، الشاعرة المتسامية، سفيرة القلوب، ناهد شبيب، فارسة القصيد ونجمة الإبداع وشمس الفرادة. ونرهف إليها وهي تقول:
ظمأى ونبعك مَنْهلٌ لا يَنْضَبُ
دعني مِنَ الكفِّالكريمةِأشربُ
أيقظْ مواعيدَ الغرامِفإنّ لي
حرفًاإلى وَعْدِ اللقا يتطيَّبُ
كلُّ الجهاتِ المشتهاةِ ترمَّدتْ
فاصرخْبجمْراتِ المَسا تتأهَّبُ
ومن قصيدة أخرى لشاعرة الحب والعشق ناهد شبيب بعنوان "عتب المحبين" نقرأ:
ينام ُالحبُّ في أحداقِ عيني
وأنت تنامُ بينهما.. وبيني
ولو قطعَ الفراقُ لنا وِصالا
يراكَ القلبُ تبعد ُخطوتين
ونبضكَ لم يزل في الصدرِ حتى
لأحسبُ صارَ نبضيَ دقتينِ
لينا الطيبي
ومسك الختام مع ياسمينة دمشق، لينا الطيبي، حيث صدق البوح وعذوب الكلامورقة الشعور. ولم لا؟!.. وهل يمكن لياسمينة نبتت على ضفاف بردى إلا أن تكون كما لينا الطيبي، وكما دمشق. دمشق حيث للحب دواوين خالدة ومرابع عامرة، وتحت كل زيزفونة نبتت وارتوت من بردى مرّ ملايين العشاق. وغذى وردها الجُوري ملايين المُهج، وسرى في شرايينملايين العاشقين. وعن الحب تحكي لينا الطيبي فتقول:
يُحِبُونَنِي لِيُعَذِّبُونِي
وَأُحِبُّهُم لأَقْتُلَهَم
هَكَذَا يَسْتَقِيْمُ الْحُبُ
بِنِصْفِ قَاتِلٍ وَنِصْفِ مَقْتُولٍ.
ثم تطلب النجدة من حبيبها فتقول:
أَنْقِذْنِي مِنْ نَفْسِي
لَيْسَ لأنَنَي لَسْتُ قَادِرَةً عَلَى فِعْلٍ كَهَذَا
بَلْ لأَنَّ نَفْسَكَ يَخْتَلِطُ بِأَنْفَاسِي
وَلأَنَّنِي كُلَّمَا هَمَمْتُ بِالْعِطْرِ خَلْفَ أُذُنِي
شَمَمْتُ رَائِحَتَكَ.
وفي الختام "مُعَاكَسَة"للحبيب، لنصير شمّة:
أَنْتَ أَجْمَلُ الرِّجَالِ وَأَنَا أَجْمَلُ النِّسَاءِ..
لا لأَنَّ شُعَاعًا وَاثِقًا يَرْسُمُ نَفْسَهُ فِي أُفُقِ عَيْنَيْكَ
وَلا لأنَّنِي أَحْلُمُ دَائِمًا بِالأجْنِحَةِ..
بَلْ لأنَّنَا مَعًا تَوَضَّأتْ أَصَابِعُنَا بِمَاءِ الخَسَائِرِ الْجَمِيْلَةِ.
مَعَكَ يَزُورُنِي الْخُسْرَانُ دَائِمًا
وَبِالرَّغْمِ مِنْ هَذَا
أُؤَرِّخُ لِكُلِّ صَبِيْحَةٍ بِقُبْلَةٍ مِنْ فَمِكَ
كَأَنَّ يَومِيَ حَجٌ
وَقُبْلَتُكَ كَعْبَةٌ..
أُسَجِّلُ الْمَسَافَاتِ بِزَمَنِ اقْتِرَابِكَ
وَالأَزْمَانَ بِمَسَافَةِ دُنُوِّكَ..
مَعَكَ أَرْبَحُ حَيَاتِي وَأَخْسَرُ حَيَاتِي
عَلَى مُبْتَدَأٍ مِنْ بِدَايَةٍ
وَعَلَى مُنْتَهَى النِّهَايَةِ
ضِدَّانِ غَائِمَانِ
وَصِنْوَانِ فِي الْتِقَائِهِمَا
صُورَتُكَ وَصُورَتِي
هَدْأتُكَ وَجُنُونِي
جُنُونُكَ وَرِقَّتِي..
مَسْحُوبَةٌ مِنْ نَفْسِي إِلَى نَفَسِي
مُقْتَرِبةٌ إِلَى أَنْفَاسِكَ..
أُدْرِكُكَ حِيْنَ تَعْصِي
وَتُدْرِكُني حِيْنَ أَعْنِدُ..
مَا مِنْ حَيَاةٍ عِنْدِي تَبْتَعِدُ عَنْكَ
وَبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ أُبْعِدُكَ..
مَا مِنْ حَيَاةٍ تَقْتَرِبُ
وَمَعَ ذَلِكَ أُدْنِيْكَ..
كَأَنَّ بِي فِي لُعْبَةِ الْمَوْجِ
شَاطِئٌ
وَأَنْتَ بَحْرٌ
كُلَّمَا جَاءَ مَدُّكَ
جَزَرْتُ
وَكُلَّمَا جَاءَ جَزْرُكَ
امْتَدَدْتُ..
أُحْجِيةٌ لَيْسَ إِلا
نَهَارٌ مُفْرِطٌ فِي تَضَادَّاتِه
شَقَائِقُ النُّعْمَانِ فِي هَشَاشَتِهَا
وَالزِّنْبَقُ فِي امْتِشَاقِه الأَعْلَى..
فِي الْمُحَصِّلَةِ كَلامٌ كَثِيْرٌ لأَقُولَ أُحِبُّكَ بِطَرِيْقَتِي
فِيْمَا أَنْتَ تَعْزِفُ بِأَصَابِعِكَ عَلَى أَوْتَارِي كُلِّهَا
وَتَعْرِفُ كَيْفَ تَشْغَلُنِي بِكَ
فَأُضِيْعُ التَّلَفُّتَ..
وَلا أَعُودُ أُنْصِتُ إِلا إِلَى وَقْعِ خُطْوَتِكَ
بَيْنَمَا تَهْمِسُ
أُحِبُّكِ.
في عيد الحب
في عيد الحب رسالة شكر لكل القلوب العامرة والمترعة بالحب والمشرعة والمنفتحة للحب. ومع مزيد من العرفان في عيد الحب لكل الأجساد التي أضناها العشق والعيون التي أدمعها الهيام والفراق واللقاء. شكرًا لمن يحتفل كل عام بعيد الحب لتعلو رايات السلام والوئام، ويخفت دوي المدافع، وينكتم أزيز الرصاص، وتنتهي الآهات، وتبرد الحسرات. ويظل العالم أبقى وأجمل وأكثر قابلية للحياة.