
مُداعبة الخطر.. مصممو الأزياء الراقية يبرهنون على أن الأزياء الراقية ما هي إلا انعكاس للواقع
بقلم محمد يوسف
بعد التمعّن في عروض موسم ربيع 2025 للأزياء الراقية ومن ثمّ الخروج منها لرؤية الصورة الكبيرة، وجدت أنه، في هذا الأسبوع، استخدم المصممون الأزياء الراقية كمرآة تكشف للجمهور عن كل المخاطر المختلفة التي أحاطت بهم، لربما كانت أيضًا وسيلة لمواجهة الحقيقة. بدأ الأسبوع مع هاجس "دانيال روزبيري" في "سكياباريلي" Schiaparelli من أن تُصبح التعقيدات الخاصة بالأزياء الراقية في العقود والقرون الماضية مجرّد ذكرى قديمة، وأن تستبد البساطة على رؤيتنا الحديثة لهذه الحرفة، ولكن بشكلٍ مفاجئ، كانت مجموعة "روزبيري" هذه المرة قابلة للارتداء أكثر من غيرها. أما جورج حبيقة و"راهول ميشرا"، فقد حوّلا ألمهما العميق النابع من فقدان إحدى الوالدين إلى لوحات سوداء يكسوها العزاء ويصارعها بصيص الامل في أطرافها. انضم إليهم Gaurav Gupta في اليوم الثالث ليروي قصة حادثة حريق حقيقية نالت من يده وأكثر من نصف جسد شريكة حياته.

وفي زاوية أخرى، هناك "ماريا غراتسيا كيوري" في Dior و"أليساندرو ميكيلي" في "فالينتينو" Valentino، كلاهما يواجه خطر متناقض، "كيوري" قدّمت ما يبدو أفضل ما لديها مستلهمةً من خطوط رسمها مؤسس الدار وخليفته "إيڤ سان لوران"، وهربت إلى إبداعات القرون السابقة من منظور عالم خيالي، تمامًا مثل "أليـــــــس" في بلاد العجائب ومرآتها، بدت المجموعة وكأنها وداع مبطّن، إذ أن الشارع مكتظ مؤخرًا بتكهنات خروجها من "ديور" Dior. "مكيلي" في أول مجــمــوعـــة راقية له في Valentino، كان معترفًا بشعوره بالدوار أمام إرث الدار العريق.

كل هـــــــذه المـــــخـــــاوف التي حـــــاكـــــــها المصـــــمــــمــــــــــون في مجـــــمــــوعـــاتـــهـــــم ماهي إلا انــــعكــــاس لخـــــوف أعــظم في الصورة الكبــــيـــــرة، فقــــطــــاع السلع الفاخرة محاط بالخطر أيضًا ويمر بأسوأ أزمة له منذ 15 عامًا بسبب التبـــاطــــــــؤ الاقتــــصـــــادي، ومع عـــــودة "دونالد ترامب" إلى كرســـــي الرئاســــــة لأربعة أعوامٍ اخـــرى، الأمر يزداد إرباكاً، فالدور المستقلة وتكتلات السلع الفاخرة الأوروبـــيـــــة تتـــــرقــــب عن كثب مستـــقـــبـــل تجارتها مع أمريكا. معظم علامات الأزياء الفاخرة كانت تحاول أن تبقي أرقامها في 2024 قريبة أو مساوية لأرقام 2023 ولم يكن هنــــاك ســـوى قلة يطمــــحــــون لأكثر من ذلك. الرؤساء التنفيذيين أصبحوا يتحدثون بصراحة مع الصحافة عن عدم تحقيقهم للأرباح المتوقعة، لعبة الكراسي، أي التغيرات في المناصب الإبداعية داخل دور الأزياء، تسارعت وتيرتها أكثر من أي وقت مضى، حتى في موسم الأزياء الرجالية لخريف 2025، الذي بدأ في منتصف يناير، لاحظنا غياب الكثير من العلامات عن جداول أسبوع الموضة استجابةً لهذه الظروف الصعبة. والعمالقة مثل Dior مثلًا، كان "كيم جونز" هادئًا في مجموعته ومركزًا على ما يمكن ارتداؤه، وPrada كانت تصاميمها عن قصد منفصلة وليست مُحكمة الربط، أما Louis Vuitton فاعتمدت على تجاربها السابقة التي أثبتت نجاحها وأعادت إحياء تعاونها الشهير مع الفنان الياباني "تاكاشي موراكامي"، ولموسم الرجال تعاون "فاريل ويليامز" مع "نيقو".. شريكه الذي شاركه نجاحات سابقة في أزياء الشارع.

الأكيد أن الأزياء الراقية تقع في أعلى هرم السلع الفاخرة، وهذا ما يجعل مصممي الأزياء الراقية أكثر قلقًا من غيرهم من المصممين وإن كان الوضع الحالي يشمل الجميع ولا يقتصر على فئة واحدة من المبدعين. وعلى الرغم من محاولة الجميع، في الأسبوع الخاص بباريس، بإقناعنا دومًا بأن الأزياء الراقية هي ملاذ من الواقع وحلم فاخر منفصل، إلا أن الحقيقة لم يسبق لها أن كانت أكثر وضوحًا من اليوم. اختار معظم مصممي الجدول المشي على أطراف أصابعهم بين الرؤية الفنية للأزياء الراقية وما يمنحه الفن من حرية وكسر للقيود المنطقية للباس وبين التبسيط تحت محاولة بيع واقعية. كانت معظم المجموعات مندفعة لأن تكون مرضية وتنادي العملاء، الأثرياء منهم بالطبع، بنبرة معاكسة لنبرة "شاهد ولا تلمس".

لربما بسبب تطرّف الرؤى الفنية عند بعض المصممين وأخذهم هذه الحرفة إلى جوانب أصبحت فيها متناقضة وغير قابلة للارتداء وأحيانًا تنكرية، احتاجت الأزياء الراقية إلى أن تعيد حساباتها بنفسها وتدعو الجميع إلى أن يعودوا إلى وظيفتها الأولى، أن تكون مصممة خصيصًا للعميل، تمامًا مثلما يفعل "جورجيو أرماني" في Armani Privé، حينما يغوص في بحر الأناقة الساحرة والأقمشة التي لا نظير لها ويجول العديد من الثقافات ويحاول استكشاف سردية جديدة لعناصره الكلاسيكية، ومن ثمّ يعود إلى الواقع ويقدم مجموعة تحمل بداخلها شعور الحلم والفخامة متشبثًا بعهد المنطقية وأن تكون كل قطعة مصممة خصيصًا للعميل وليست له.
