
عندما تمنح الموسيقى بُعدا جديدا للتمكين.. دانا حوراني لـ"هي": صوتكِ الحقيقي أعظم قوة تمتلكينها
لطالما كانت الموسيقى أكثر من مجرد وسيلة للترفيه؛ بل هي قوة تُحدث التغيير، وتحرّك المشاعر، وتنقل الرسائل العميقة. من الأغاني الثورية التي قادت الحركات الاجتماعية، مثل أغنيات "بوب مارلي" وImagine لـ"جون لينون" التي دعت للسلام والحرية، وأصبحت نشيدا عالميا يدعو إلى السلام والمساواة، إلى أعمال "بيونسيه" التي رفعت راية تمكين المرأة فغنّت (RUN THE WORLD (GIRLS، وصولا إلى تأثير زياد الرحباني في كسر القيود الاجتماعية من خلال موسيقاه، تظل الموسيقى منصة حيوية لإلهام الأجيال المقبلة ووسيلة لتمكين النساء.
مدركة لأهمية الموسيقى بصفتها وسيلة للدعم والتمكين، تطلّ الفنانة دانا حوراني بأغنيتها الجديدة "ما بينخاف علي"، التي تمثل انعكاسا صادقا لتجربة المرأة في مواجهة التحديات، واستعادة قوتها بثقة وثبات. الأغنية، كما تصفها دانا تمزج بين الرقة والقوة، وليست مجرد نشيد تمكيني تقليدي، بل هي رسالة نابعة من تجربة شخصية، تتجاوز العـــــلاقــــات العاطفـــيــــة، لتــــجــســـد الصمــــود أمام الصعوبات الاجتــماعية والمهنية. وبدوره، جسد فيـــديـــــو الأغنية رسالة شــمـــوليــــة وتمكـيــــن، حيـــث استــــعـــرض نـــســـــاء من مختلف الأعمار، ليعكس تنوعهن وقوتهن.

في حوارنا مع دانا، تحدثت عن الدافع وراء اختيار هذه الأغنية، مشـــيــــرة إلى رغبتـــهــــا في تقـــديــــــم عمل موسيـــــــقي يحمل طاقة إيجابية وسط الأجواء السلبية العالمية. أكدت أن الأغنية ليست فقط انعـــكاســــا لتجــــاربها الشخصــــــية، ولكنها رسالة أوسع لكل امرأة خاضت معاركها الخاصة، واستطاعت أن تستـــعـــــيد قوتها. بالنسبة لدانا، ليست الموسيقى مجــــــرد أداة للتمكين، بل وسيلة للتعبير عن الذات وكسر الصــــورة النمطية للمرأة العربية. من خلال أعمالها، تسعى دانا إلى تقديم نموذج للفنـــــانة المســـتــقـــلـــــــة، التي تــــــروي قصــــصــــهــــــا بصـــــــدق، وتلهم النساء ليجدن صوتهن الخاص.
من خلال "ما بينخاف علي"، تثبت دانا حوراني مرة أخرى أن الموسيقى قادرة على أن تكون صوتا للمرأة، وسلاحا يعزز الثقة، ورسالة تعكس حقيقة التجربة النسائية في عالم لا يزال في طور التعلم والاحتفاء بقوة المرأة.
"ما بينخاف علي" أغنية قوية ومؤثرة. ما الذي دفعك لاختيارها؟
أردت أن أقدم عملا موسيقيا خفيفا ومنعشا، وخاصة في ظل الأجواء السلبية التي نشهدها عالميا. شعرت بأن اللحظة كانت مناسبة لطرح شيء مليء بالإيجابية، يحمل إحساسا مريحا لكل من يستمع إليه. أحب هذه الأغنية لأنها تعكس تجربة النساء بطريقة إيجابية، وتجمع بين الرقة والقوة، دون أن تكون نشيدا تقليديا للتمكين. وجدت أن أغنية الحب هي الوسيلة المثلى لإيصال رسالة استعادة المرأة لقوتها وثقتها بنفسها.
تحـــمـــل كلـــمـــات الأغنية رسالـــــة عن استـــعــــادة الـــقــــوة والاستقــــلالــــيــــة. هل تعـــكــــس هذه الأغـــنـــيــــــة تجربــــتـــكِ الشخصية، أم أنها تنقل رسالة أوسع للنساء؟
بلا شك، جميع أغنياتي مستوحاة من تجاربي الشخصية بطريــــقة أو بأخرى. هذه الأغنية تحديدا ليست موجّهة لرجل، بل هي انعكاس للتحديات التي واجهتها في مجالات متعددة. إنها تتحدث عن مواجهة الصعوبات، سواء كانت خسارات شخصية، أو تحديات مهنية، أو قيودا اجتماعية حــــاولــــت الـــحـــد من تـقــــدمــــي. إنها أغنية عن الصمود، واكتشاف القوة الداخلية مهما كان مصدرها.

إضافة جـــوقــــة "غوسبل" منحت الأغنية طاقة قوية وملهمة. كيف اتخذتِ هذا القرار الإبداعي؟ وما الذي يرمز إليه بالنسبة لكِ؟
لطالما كنت منجذبة لموسيقى "الغوسبل" منذ طفولتي، فهي تحـمـــل روحانية وقوة خاصة. أثناء العمل على هذه الأغنية مع المنتج سليمان دميان، شعرنا بأن إضافة جوقة "غوسبل" تـناسب هذه الأغنية بقوة. نجح سليمان في العثور على جوقة إفريقية أصيلة لتسجيل الكورال، ثم عمل على دمج أصواتهم بإتقان، وهو ما أضفى على الأغنية طابعا استثنائيا. لم نكن نريد مجرد استنساخ صوت "الغوسبل"، بل سعينا إلى تقديم تجربة حقيقية تعكس جوهره وروحه الأصيلة.
للموسيـــقـــى قـــدرة على الإلـــهــام والتمكين. ما الدور الذي تلعبه موسيقاكِ في دعم المرأة وتمكينها؟
الموســيــــقى أداة قــــويـــــة يمـــكــــن استـــخـــدامها بطرق مختلفة، وكل فـــنــان يخـــتــــار الـــرســالــــة الــتي يـــريـــد إيصالها من خلالها. بالنســـبـــة لي، التمكين الذاتي كان دائــمــــا حاضرا في أعمالي، ليس لأنه كان هدفا محددا، بل لأنه انعكاس طبيعي لما أشــــعــــر بـــه وأرغــــب في مشاركتـــــه. أريــــد أن تمنح موسيقاي المستمعات شعورا بالقوة والقدرة، وأن تساعدهن على مواجهة التحديات بثقة. تمتلك الموسيقى تأثيرا كبيرا على الروح، وأطمح إلى استخدامها وسيلة تلهم وتحفّز كل من يستمع إليها.
برأيكِ، كيف يسهم التعبير عن الذات من خلال الموسيقى في كسر الصورة النمطية للمرأة في العالم العربي؟
في الكثير من المجتمعات العربية، وُضعت النساء ضمن أدوار تقليــــديــــة تــــحدّ من فرصـــتــهــــن في التــعـبـــيـر عن أنفسهن بحرية. من خـــــــلال الموسيــــقــــــى، أو أي شكل آخـــــر ، يمكـــــن للمرأة أن تشارك قصتها وتنقل وجهة نظرها، وتتحدى الصور النمطية، وتقدم منــــظــــورا مخـــــتلــــفـــــا. بالنســـبـــــة لي، المـــــوسيـــقـــــى وسيلة لكسر التوقعات المسبقة، وإثبات أن النساء العربـــــــيـــات لسن مضطرات للانصياع لصورة نمطية محددة. عنــــدما تستخدم النــــساء أصــــواتــــهـــــن في الغـــنـــاء، التمثيل، أو إنشـــــاء المحتوى، فإنهن يسهمن في إعادة تشكيل المفاهيم الثقافية، ويمنحن الأخريات مساحة للتعبير عن أنفسهن بحرية أكبر.
أسلوبكِ جزء أساسي من هويتكِ كفنانة. هل ترين أن الموضة والموسيقى يمكن أن تكونا وسيلتين للمقاومة والتعبير عن الذات؟
بالتأكيد. الموضة، مثل الموسيقى، هي انعـــكاس لشخصية الإنســان، وطـــــريــقـــــة للتعبــيــر عن الــــذات بعيــــــــدا عن القوالب المفروضة. الطريقة التي نرتدي بها ملابسنا والموسيقى التي نؤلفها يمكن أن تكون أدوات لإعادة تعريف المعايير المجتمعية. تمكّن الموضة المرأة من التعبير عن تفردها وثقتها بنفــــسها، بينـــمــــا تتــيـــح لنـــا المـــوسيــــقى سرد قصصنا. بالنسبة لي، الموضة والموسيقى تشكـــــلان مساحة للتعبير الحر، لقول: "أنا كما أنا، ولا أحتاج إلى التأقلم مع معايير الآخرين". عبر اختيار الأزياء والموسيقى التي تعكس هويتنا الحقيقية، نحن نمارس نوعا من المقاومة الناعمة ضد التوقعات التقليدية، ونؤكد أهمية امتلاك روايتنا الخاصة لإيصال رسالتنا للعالم بجرأة ووضوح.

إذا سنـــحــــت لكِ الــفــرصـة للتعاون مع فنانة تجسد القوة والتمكين، فمن تختارين؟ ولماذا؟
أحب شيرين كثيرا، ليس فقط بسبب موسيقاها، بل لأنها مثال للأصالة والقوة. تعجبني صراحتها وجرأتها في الحديث عن قضـــايــــا مثل حـــقــــوق الـــمـــرأة، كما أن رفضها للخضوع لضغوط الصناعة الموسيقية يجــعــلــهـــا مصدر إلهام حقيقيا. رغـــم كل التــــحـــديـــــات التـــــي واجهـــتــهـــا في حيـــاتــهــا الشخصية والمهـــنــيـــة، استــمـــرت في مسيـــرتــهـــا بإصرار، وأصبــحـــت رمزا للتمكين والقوة.
من "أنا" إلى "ما بينخاف علي"، أغانيكِ دائما تحمل رسائل قوية. كيف ترين تطور موسيقاكِ في المستقبل فيما يتعلق بالسرد القصصي والتمكين؟
أسعى دائما لتطوير موسيقاي، مع الحفاظ على جوهري الفني واستكشاف أصوات وأساليب جديدة. لا يتعلق الأمر فقط بتقديم موسيقى جميلة، بل بصناعة أعمال تجعل المستمعـــيــــن يشعــــرون بأنهم مفهومون وممثلون. أريد أن تستمر أغنياتي في تحفيز المشاعر وإثارة النقاشات، لأن التمكين لا يكون بالكلمات فقط، بل بالشعور الذي تتركه الأغنية داخل المستمع. هذا ما أطمح إلى تحقيقه مع كل إصدار جديد.
الكثير من الشاــبات يعتبرنكِ قدوة. ما النصيحة التي تقدمينها للنساء اللواتي يبحثن عن صوتهن الخاص؟
أقول لكل امرأة: ثقي بنفسكِ واحتفي بفرادتكِ. جدي صوتكِ الخاص، سواء في الموسيقى أو الحياة، هو رحلة طويلة، لكنه يبدأ بالإيمــــان بـــأن أفــكــــاركِ ومشاعركِ تستحق أن تُسمع. لا تخافي من التعبير عن نفسكِ أو اتباع شغفكِ، حتى لو تعارض ذلك مع الــــتوقـــعـــــات المجــتـمـعــيــــة. أحيطي نفسكِ بأشخاص يدعـــمـــونــــكِ، ولكن الأهم أن تـــكــــوني أنت أكبر داعم لنفسك. وأهم من ذلك، أن تكوني دائما صادقة مع ذاتكِ، لأن صوتكِ الحقيقي هو أعظم قوة تمتلكينها، والعالم بحاجة سماعه.