"إلى كل اللي بيحبوني".. إليسا تفقد إحساسها في 2018!
وجود إليسا في منافسة الألبومات كل عام أو عامين أمر اعتيادي لدى جمهورها منذ بدايتها الفنية في نهاية التسعينيات، ورغم ذلك اختارت إليسا حالة الإشتياق لجمهورها لتصديرها إليهم من خلال أغاني الألبوم وعنوانه الرئيسي "إلى كل اللي بيحبوني.. وحشتوني"، وأغنية الراحلة وردة "وحشتوني"، ووصفت إليسا الألبوم بالأقرب إلى قلبها، ويبدو انه أيضاً الأقرب إلى طريقة تفكيرها واختيارها للأغاني فكان أكثر ألبوماتها اعتيادية وإبرازاً لعيوبها ونقاط ضعفها!
هل فقدت إليسا قدرتها على التفاعل مع الألحان والموسيقى؟!
يظهر الألبوم الجديد لإليسا، من إنتاج شركة روتانا، الحالة والصورة التي تفضل إليسا أن يراها بها الجمهور، منذ بدايتها الفنية، وهي صورة الفنانة مرهفة الإحساس وذكية الاختيارات في الموسيقى والأشعار، والتي تحولت بمرور الوقت إلى صورة السيدة الحكيمة صاحبة التجارب الصعبة والحياة المليئة بالوحدة والآلام، أو بالأدق فإن إليسا لا تزال تعيش تحت شعار "أنا عكس اللي شايفنها"! وتحولت كل هذه التصورات لإليسا عن نفسها وللجمهور عنها إلى نقاط ضعف واضحة في ألبومها الجديد، وظهرت عيوب أخرى بسبب طريقة اختياراتها الجديدة التي تعطي الأولوية للكلمات فوق أي عنصر آخر في الأغنية، مما جعل الانتقادات تتمركز حول الألحان وصوت إليسا كأضعف عنصرين في الألبوم.
أولى نقاط الضعف لدى إليسا وفي الألبوم الجديد: الكم الكبير من الأغاني والتي وصلت إلى "16 أغنية"، ومن قبلها في ألبوم "سهرنا ياليل" بـ14 أغنية، مما يعكس حالة الوفرة الإنتاجية عند إليسا، والتي لم تحسن استغلالها لانتاج أغاني مميزة، بقدر ما أرادت استغلالها لتعزيز صورة السيدة إليسا عند محبيها بعدد كبير من الأغاني التي تحمل العناوين الخادمة لهذه الصورة "المرأة الوحيدة والضعيفة الحساسة والتي تظهر عكس ذلك أمام الجميع"، هذا هو ملخص ألبومات إليسا في الفترة الأخيرة، حتى أصبح الملل الحالة الحقيقية للألبوم، نتج عنه تحدياً صعباً للمستمعين في التفرقة بين الأغاني بسبب الروح الموحدة لأغاني الألبوم، وبسبب التجاهل الواضح لإليسا لأهمية الألحان والموسيقى التي هي مصدر الجذب والتفاعل الرئيسي بين صانع الأغنية ومستمعيها.. فهل لاحظ أحد دور التوزيع الموسيقي في الألبوم؟ أو حتى صوتاً موسيقياً جديداً بارزاً؟ أو جمل لحنية جديدة تعلق بالأذن؟ فإليسا كان همهما الأكبر الكلمات التي تعطي انطباعاً عنها فقط!
تجاهل إليسا للألحان بدا واضحاً في الألبوم الأخير، رغم ان مقدمات ذلك التجاهل ظهرت في ألبوماتها الأربعة الأخيرة، وهي الفترة التي شهدت تخلي إليسا تدريجيا عن الملحنين أصحاب الأساليب الفنية الواضحة مثل مروان خوري ومحمد رحيم ومن قبلهما جان ماري رياشي، وشهدت أيضاُ بداية استخدامها لطريقة الحكي والإلقاء للكلمات بدلاً من الغناء، لذلك أصبحت عملية التفريق بين أغاني إليسا الجديدة تحدياً للمستمعين، خاصة إذا جاء مع هذه الطريقة تشابهاً واضحا جدا في الموضوعات الغنائية وطبقة الصوت! ففي الألبوم قد تعتبر مثلاً كلمات أغاني "انا وحيدة" و "كتيرة عليه" مكملة لأغنية "عكس اللي شايفنها" و "يا مرايتي"، ولحن "مفيش أسباب" مكملاً لنظيره في أغنية "لو بعد سنين" وهكذا.
انعكس ذلك التجاهل في اتجاه إليسا إلى اختيار ألحان قديمة كأغنية "نفسي أقوله" بلحن أغنية سابقة للفنان التركي إبراهيم تاتليسس، وربما يفسر هذا الأمر نجاح الأغنية جماهيرياً مقارنة ببقية أغاني الألبوم، ونفس الحال في أغنية "وحشتوني" لوردة، والتي لم تضف إليها إليسا جديداً بل غاب عنها الجدل والاهتمام على عكس ما حدث مع تجاربها السابقة في ذلك الاتجاه كأغنية "أول مرة" لعبدالحليم حافظ مثلاً.
80% من ألحان ألبوم إليسا جاءت بنفس الأسلوب والروح، وابتعدت أغاني قليلة عن هذه الطريقة التي تراها إليسا علامة على الرومانسية والدراما، كأغاني "بينا نعشق"، و "من عينيا"، و "لسه فيها كلام"، للملحنين مصطفى محفوظ وجان صليبا ورامي جمال، والبقية بدون مبالغة بالإمكان اعتبارها أغنية واحدة موزعة على أجزاء، ولذلك فالجدل المثار حول سرقة إليسا للحن أغنية يارا "حاسس" في أغنية "كل اللي بيحبوني" ليس غريباً بسبب حصر صوتها في دائرة واحدة، وبحالة تعبر عن عجز إليسا عن خلق لحن جديد ومميز أو أن صوتها لم يصبح قادراً على الغناء سوى في هذه المساحة الضيقة!
خلافات إليسا المتتالية والكثيرة مع الملحنين بالتحديد تدل على الأزمة التي تعيشها بسبب اختياراتها وخوفها من سيطرة الملحنين أو فرض شخصياتهم الفنية، فقائمة الملحنين المنسحبين من مسيرة إليسا مليئة بالأسماء التي ساهمت في جماهيريتها، وانضم إليهم عدد آخر مثل فارس اسكندر وزياد برجي، حتى ان رامي الشافعي ملحن أغنية "مريضة اهتمام" عبر عن عدم رضاه عن الأغنية بعد طرحها بيوم واحد، مما يؤكد وجود أزمة حقيقية لدى إليسا في التعامل مع الألحان والملحنين، والدرجة التي قد تصل إلى عدم كتابة أسماء الموزعين الموسيقيين على وصف الأغنية، باستثناء اسم ناصر الأسعد على أغنية "نفسي أقوله".
صوت إليسا نقطة الضعف الأكبر في الألبوم وربما في مسيرتها رغم البصمة المميزة له، إلا ان القدرات المحدودة لصوتها أصبحت واضحة للجميع مؤخراً، فالسمعة التي اكتسبتها إليسا بقدرتها على التعبير عن المشاعر والأحاسيس لم تكن أبداً بفضل صوتها وانما بفضل اهتمامها الكبير في البدايات بالأغاني الرومانسية وبالألحان والموسيقى الجيدة والتي تظهر مثلاًُ في بدايتها بالإيقاعات اللاتينية في ألبوم "بدي دوب" وفي أغانيها التالية مثل "كل يوم في عمري"، "ارجع للشوق"، "سلملي عليه" و"شاغلني وشاغل بالي" و"تصدق بمين" وغيرها، ولكنها تمادت في التخلي عن الموسيقى مقابل الاهتمام بالكلمات فأصبح صوتها مسئولاً على الأغنية بمفرده فظهرت عيوبه ومشكلاته واضحة.
صوت إليسا يفتقد في الأساس القدرة على التلوين والتعبير عن المشاعر المختلفة والتي تحتاج صوتاً مرناً وواسعاً، ولكنها ظلت مخلصة للأغاني الرومانسية حتى التصقت بها، وتحول مفهوم الرومانسية عندها إلى الدراما والحزن، وتطور بعد ذلك إلى استخدام كلمات غير منظمة ومباشرة تُعقد من مهمة تماشيها مع الألحان والإيقاع وصوت إليسا، واتضح هذا العيب في أغاني مثل "إلى كل اللي بيحبوني" بلحن مرتبك يفتقد للحيوية، و"مريضة اهتمام" و"انت ومعي" في الطبقات العالية التي فشلت بها إليسا، و"أنا وحيدة" التي تعبر تماماً عن مبدأ إليسا بأن الشخصية الفنية للمطرب تٌفرض بكلمات وعناوين الأغاني التي تتلاءهم مع صورته الشخصية عند جمهوره، وليس بالأسلوب الفني والرؤية الموسيقية وابتكاراته في هذا الجانب مثلاً.
تصعب إليسا المهمة على نفسها في كل مرة باختيار كلمات معقدة وطويلة مع ألحان عادية ومتشابهة لا تناسب صوتها بالأساس ولا تساعد في حل أزمتها المعروفة في الغناء مباشرة على المسرح، بالإضافة إلى انها تقضي على روح الألبوم، ويتحول الأمر إلى سخرية عارمة من الألبوم بسبب نبرة الحزن والكآبة به رغم انه يضم أغاني من المفترض انها تدعو للحب والبهجة مثل "بينا نعشق" و "بين قلبي وقلبك" و "حكايات"، ولكن صوت إليسا لا يعرف سوى طبقة واحدة وطريقة واحدة مما أفقد هذه الأغاني حيويتها وبهجتها، فهي تعبر عن السعادة بنفس طريقة تعبيرها عن الحزن والحيرة والألم، وبسبب الصورة القديمة عنها بالتخصص في الرومانسية والشجن فقط أصبح الجمهور لا يصدق أغانيها المبهجة ولا يتفاعل معها أو يلحظ وجودها في الألبوم.. وهذا دليل آخر على فقر خيالها كمطربة وعجزها عن تقديم صور وحالات متنوعة!
وبطبيعة الصورة التي تفضل إليسا تصديرها في الفترة الأخيرة، برفض الانتقادات ولعب دور السيدة والمطربة الذكية وصاحبة الرؤية الفنية، ستواجه إليسا تحديات أصعب في اختياراتها الفترة المقبلة، وتهديدات لأسطورة "ملكة الإحساس"، بكشف الغطاء مرة تلو أخرى عن عيوبها ونقاط ضعفها بسبب فهمها الخاطيء لمفهوم الأغنية الرومانسية والدرامية بأنها عبارة عن كلمات مباشرة وصادمة كـ"انا وحيدة.. مريضة اهتمام... عكس اللي شايفنها" وغيرها، فيما هي في المقام الأول ألحاناً رومانسية ومميزة وصوتاً حيوياً يعبر عنها بفنياته وإحساسه باللحن وروح الأغنية وبموسيقى حاضرة كعنصر أساسي في الأغنية وليست كخلفية هامشية لتدويناتها.
ويبقى مستقبل هذه المعادلة معلقاً بالإجابة عن التساؤلات التي من المهم أن تحسمها إليسا مبكراً وعلى رأسها: هل تحتاج فعلاً أن تثبت للمنتقدين ان صوتها طربي وقوي لذلك تتحدى نفسها بألحان متشابهة وبمقاطعة الأغاني الإيقاعية والإصرار على تقديم الأغاني الطربية القديمة؟ أم تحتاج إلى معرفة حدود صوتها وطريقة أخرى لصناعة أغنية وموسيقى عصرية ملائمة لإمكانياتها وتخفي نقاط ضعفها؟ وهل الإحساس يأتي بالكلمات فقط أم بالأداء الصوتي والموسيقي معها؟