رؤية نقدية ـ أوسكار 2019.. الصراعات الأعنف في جوائز الفئات الأكثر جدلا
الارتباط الوثيق بين جائزتي أوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج يجعل الحديث عن الأفلام المتنافسة ومخرجيها أمر مستبعد، فمن بين الأفلام الثمانية المرشحة لنيل لقب الأفضل يتنافس مخرجيهم على لقب الأفضل مع مخرج فيلم خامس هو Cold War المرشح بدوره لنيل جائزة أفضل فيلم أجنبى وهى الفئة التي ينافسه فيها أيضًا فيلم من الأفلام الأربعة وهو Roma، أى أن الترشيحات هذا العام ربطت بين فروع أفضل: فيلم، فيلم أجنبى، مخرج.
الأفلام الثمانية هم: A Star Is Born، Black Panther، Bohemian Rhapsody، Green Book، BlacKkKlansman، Vice، The Favourite، Roma، أخر أربعة أفلام مرشح مخرجيهم لنيل لقب الأفضل سبايك لى، آدم مكاى، يورجوس لانثيموس، ألفونسو كوارون، وخامسهم بافل بافليكوفسكى بفيلمه Cold War، وبين الأخير و Roma الرابط الجامع بين أفضل فيلم ومخرج وبين أفضل فيلم أجنبى التي يتنافس عليها 3 أفلام أخرى هم كفر ناحوم، Never Look Away، Shoplifters.
ما بين الفروع الثلاثة هناك منافسة وصراع شديدين، فكل منها يضم أفلامًا جيدة والتدخلات بينها تزيد من صعوبة التفضيلات وحسم القرار بالنسبة لأعضاء أكاديمية علوم وفنون السينما المانحين للجوائز، فالفرصة التي حظى بها فيلم Roma بعرضه المحدود فى الولايات المتحدة قبل أن يطرح رسميًا عبر منصة نتفلكس الموزعة للفيلم مع إنتاجه المشترك بين الولايات المتحدة والمكسيك منحه أفضيلة المنافسة ضمن فئة أفضل فيلم فى حين أن أقوى منافسيه فى فئة الفيلم الأجنبي Cold War و Shoplifters لم يحظيا بنفس الفرصة على الرغم من كون ثلاثتهم لا ينطقون بالإنجليزية، الأمر الذى يعدد من فرص تفوق Roma على منافسيه فى الفئة التي تعد من الأصعب خاصة انها نتاج 89 دولة وصل منهم خمس أفلام فقط بعد تصفيات متعددة، كونه حصد الشهرة وتسليط الأضواء عليه نتيجة وجودة كمنافس فى أهم فروع الجائزة وهى أفضل فيلم، وأفضل مخرج بالطبع أفضل فيلم اجنبى بالشكل الذى يعود بنا لحفل عام 2013 ومنافسات النسخة 85 عندما كان فيلم المخرج مايكل هنكه Amour الذى ترشح لنيل 5 جوائز منهم افضل فيلم وحصد لقب أفضل فيلم أجنبى.
بالتأكيد لن يخرج Roma خالى الوفاض فهو مؤهل لأن يحصد جائزة أو اكثر من الفروع الرئيسية المرشح للفوز بها ضمن 10 ترشيحات، بسبب هذه الحالة الخاصة لفيلم كوارون. الضغط سيزيد فى فئة أفضل فيلم أجنبى وستشتعل فى فئة أفضل فيلم خاصة مع سعى الأكاديمية لفرض توازن بين الأفلام المتنافسة بأن تسعى لنشر حالة التمثيل العرقى وباعتبار الفيلم مكسيكى تدور أحداثه فى المكسيك عن أشخاص مكسيكين ففرص فوزه ستزيد وكونه فيلم جيد الصنع لحد الإبهار سيضعه على القمة بكل تأكيد، الأمر الذى يضعه فى دائرة المنافسة الحقيقية فى فئة أفضل فيلم اجنبى وهى التي ستكون فعليًا بينه وبين Cold War وShoplifters، ستكون هذه المنافسة أشرس امام الأفلام السبعة الأخرى التي تسعى لحيازة لقب افضل فيلم عرض فى 2018.
فمع الافتراض شبه المؤكد بخروج Black Panther من المنافسة الفعلية على اللقب لطبيعته التي تنتمى لعالم مارفل السينمائي وعلى الرغم من كونه فيلم لبطل خارق من أصل أفريقى ويتعامل بتعالى معتاد ويسير وفق موجة تفوق العرق الأفرو- أمريكى على القوقاز- أمريكى، لكنه ناجح كفيلم شعبى تجارى خروجه من سياقه المكمل يضعفه خاصة وأن قيمته الفنية أقل بكثير من منافسيه.
فيلم برادلى كوبر الأول كمخرج A Star is Born بعيد عن المنافسة على لقب الأفضل، خاصة أن كوبر ليس مرشحًا لنيل لقب الإخراج، بخلاف أن الفيلم نسخة مقلدة من فيلم 1976 الأيقونى الذى يحمل نفس العنوان، فمحاولة برادلى لتصدير نفسه كصانع هي محاولة فاشلة لإمكانياته المتوسطة بشكل عام كممثل ومخرج مبدع، بالتأكيد هو وجه هوليوودي ناجح تجاريًا لكنه ليس بقوة الأسماء المنافسة أفلامهم، منافسته الحقيقة كانت ستكون مع Black Panther على الجائزة التي كان من المقرر أن تعتمدها الأكاديمية لهذا العام وهى أفضل فيلم شعبى Best Popular Film وقررت تأجليها لبحث أليات وطريقة حساب الفائزين بها أكثر، وبالطبع كان فيلم Bohemian Rhapsody سيكون ثالثهم، فهذه الأفلام قيمتها الفنية متوسطة فى أفضل الحالات بها عنصر أو اثنين فقط متفوقان ويبدو بشكل واضح مغازلة هذه الأفلام لشباك التذاكر لا الجوائز ووجودهم هو انعكاس لحالة كونهم أفلام مؤثرة فى مشاهديها وليست قيمتها الفنية.
حتى فيلم The Favourite ليس فى مستوى المنافسة على الرغم من اسم مخرجه الكبير وطبيعته التي تصور صراعات القصور فى مطلع القرن الـ18 وباستثناء الأداء التمثيلى وتصميم الإنتاج الفيلم من الناحية الفنية أقل من العادى مقارنة بإعمال سابقة للانثيموس، المنافسة الحقيقة واقعة فى المربع المكون من BlacKkKlansman وGreen Book (وبين كلاهما صراع خاص لقرب موضوعهم وهو العنصرية) وVice وRoma، الثالث يمثل سخرية وإدانة واضحة للحزب الجمهورى بشكل عام وبشكل فضفاض السخرية من الرئيس الحالي ترامب المنتمى لنفس الحزب والرابع عن المكسيك التي يهاجمها ترامب دائمًا بصفتها حسب رؤيته المدخل الخلفى للمخدرات والجريمة والعمالة غير الشرعية التي تضر باقتصاد الولايات المتحدة، وكالعادة فى السنوات الأخيرة ستتحول المنافسة الفنية لصراع سياسى وإجتماعى عرقى يتحكم اكثر فى الفيلم الفائز بالتمثال الذهبى الأهم لأفلام عام 2018.