خاص "هي": الجذور الثقافية والتراثية منبع الإبداع
أنا من أشدّ المؤمنين بقوّة الإلهام النابع من الداخل. ومع ذلك، أجد إلهامي أيضا في الثقافة والإرث والناس والأحداث المحيطة بي. حين أقدّم نفسي، أقول إنني فنانة ومصممة. فعلى الرغم من أنّ أكثر ما اشتهرت به هو علامتي "بالــعـــــــربي" Bil Arabi، فــــــإن شـــغــفــــــــــــــي الأوّل سيبقى دوما التصميم الغرافيكي وفن صياغة الحروف والتصوير الفوتوغرافي. وتروي قصّتي كيف اكتشفتُ وجهة نظري كفنّانة من خلال احتضان إرثي.
بالتأكيد الشغف الذي يغذّي إبداعي هو نتاج نشأتي وإرثي. وُلدتُ في بيروت، وقد أثّرت التقلبات الاجتماعية والسياسية التي مرّت بها بلادي على رؤيتي للعالم وحبّي للفنون. وجدت إلهامي في الحركة الإبداعية المثابرة في المنطقة، فاستمرّ الفنّانون، والمصمّمون، والشعراء والكتّاب في استخدام فنّهم لتوثيق مشاعرهم والأوضاع الراهنة، على الرغم من الاضطرابات التي حدثت وفترات السلام القصيرة. التحقتُ في تلك الفترة بالجامعة اللبنانية الأمريكية لدراسة فنون الاتصالات وتصميم الإعلانات.
بدأتُ أستكشف محيطي من خلال الكاميرا الخاصّة بي، وسرعان ما وجدتُ شغفي بالإبداع الذي اتّخذ شكل التصوير والتعبير الفنّي. في عام 2006، عرض عليّ أحد الأصدقاء أن نعمل معا على مشروع فريد لفاعلية "ليلة الجمعة في فكتوريا أند ألبرت" في متحف "فكتوريا وألبرت" في لندن. كانت اللحظة مثالية بالنسبة إلي، بعد أحداث 11 سبتمبر التي شوّهت نظرة العالم إلى الشرق الأوسط. قبلتُ التحدّي أملا في أن يسهم صوتي في تقديم قصة بديلة عن أهل هذه المنطقة. وحمل موضوع المعرض الجماعي اسم "عرّبني" Arabize Me.
شارك في مشروعي أشخاص من دول عربية متعدّدة، في مزيج غنيّ من المجالات الفنية والإبداعية والثقافية. وقد التقطتُ لهم جميعا صورا وهم يحملون بطاقات ابتكرتها وكُتبت عليها بأسلوب الخط العربي وباللون الذهبي العبارات التالية: "حبّي عربي"، "تكلّم معي"، و"أنا عربي". اخترت للمجموعة التي تؤكّد بقوة الهوية العربية، عنوان "مين أنا"، وقد حصل عليها الغاليري المحلّي B21 (المعروف اليوم باسم "غاليري إيزابيل فون دن إندي")، حتّى قبل معرض "فيكتوريا وألبرت" المخطّط له. وواصلتُ عرض أعمالي هناك قبل أن أنتقل إلى غاليري "كوادرو فاين آرت" في مركز دبي المالي العالمي في عام 2011.
وما زلت أكرّم تراثي من خلال علامتي "بالعربي" Bil Arabi التي أبني كل مجموعاتها وقطع مجوهراتها حول أناقة الخط واللغة والأحرف العربية. فاللغة العربية تعكس هويّتي وفخري وبالطبع التاريخ الذي قدّمه العرب للعالم.
فيما أقدّمه صلة بين الحداثة والتقليد، وبين الماضي والحاضر، وفكرة نقل رسالة صادرة من القلب أو الإدلاء بتصريح معيّن من دون كلام. منذ تأسيسها عام 2006، ازدادت شعبية "بالعربي"، ورأيناها في إطلالات نساء مؤثّرات، مثل رائدة الأعمال العراقية "هدى قطّان"، ومصمّمة الإكسسوارات والأحذية "أمينة معادي". واليوم، تشتهر علامتي بتلاعبها بالخط العربي في أشكال الخواتم والأقراط والأساور والقلادات والكبكات، مستوحية من الجمال والشاعرية في تلك الأشكال الفنّية.
وإخلاصا لإرثي، تضم مجموعات "بالعربي" قطعا تعكس الأصالة، وتتميز في الكثير من الأحيان بحرف النون "ن" العملاق المستوحى من أوّل قطعة مجوهرات صمّمتها. كانت تلك القطعة التي تجسّد الحرف الأوّل من اسمي في لغتي الأمّ، هي ما دفعني إلى تأسيس علامتي التجارية الخاصّة.
وقـــد تطـــــوّر حـــــــرف "ن" الأيــــــــقــــونيّ، ليــــــصــــبـــح مجوهرات مشغولة بالمينا على شكل نجمة تُظهر تكرارا باهرا لأحرف فردية (كجزء من مجموعة "نجوم")، ليتحوّل إلى خواتم "طول" الجذّابة التي تمتدّ على طول الإصبع وتزيّنه بالأحرف العربية أفقيا. وتطغى على معجمي التصميمي كلمات إيجابية، مثل "الحب"، "الحياة" و"النور"، وكثيرا ما ألجأ إلى الكتابة بخطّ يدي، لكي أضفي لمسة شخصية على القطع.
منذ تأسيس "بالعربي"، استطعتُ تطوير علامتي وتجديدها من خلال الاحتفاء بهويّتي وثقافتي وتراثي في كلّ مجموعة أبتكرها. وأعتقد أنّني كنتُ من الرائدين في استعمال اللغة العربية في تصميم المجوهرات، وهو ما لفت الأنظار إلى مجوهراتي. وقد أزهر التواصل الجميل بين الكثير من الناس وعلامتي، ويسعدني أن أرى الكثير من العلامات التجارية الأخرى تُدخل اللغة العربية إلى تصاميمها.
عن طريق تغيير الكلمات التي أستخدمها والألوان التي أختارها وطريقة تصميمي، نجحتُ في التكيّف والتطوّر. وكان هناك دوما شيء جديد وفريد أقدّمه. برأيي، كانت تلك استراتيجية تقليدية لكن في الوقت نفسه عصرية وأنيقة.
على سبيل المثال، كانت مجـــموعـــة "خط" بمنــــزلة بحـــث في كــــيــفـــــــيـــة صياغة أشكال أحرف الأبجدية العربية ضمن تصاميم المجوهرات. تلك القطع الذهبية اللامعة المنحوتة على شكل أقراط وأساور وقلادات وخواتم، تتزيّن بالدرجات الخضراء والسوداء والبيضاء مع أحرف ممدودة، لتلتفّ حول المعصم، أو مصممّة على شكل خواتم ذات ختم مركزي بارز. وقد حرصتُ على أن تكون القطع التي تضم كل أحرف الأبجدية العربية، قابلة للتخصيص والتصميم حسب الطلب حتى صارت هدايا وموروثات مثالية.
بصفتي عربية فخورة، ألهمتني جذوري الثقافية والتراثية كي أبتكر للعالم لغة بصرية معاصرة من خلال مجوهراتي. وتحوّل التعبير الإماراتي الجميل "فديتك" إلى سوار مرصّع بالياقوت والماس والزمرّد بيع في مزاد علني لدار "كريستيز" في دبي؛ وكانت القطعة مثالا على تأثير محيطي في كل ما أنتجه.
أمّا مجموعتي الأخيرة "حبّي"، فهي مستوحاة من الغريزة الطبيعية للتواصل والمشاركة والحبّ. رأت هذه المجموعة النور لتجسّد فرح العطاء وتكرّم العشّاق والأصدقاء وأفراد العائلة. التصاميم مرحة لكن راقية بإحساسها المتناغم الرقيق. وأتمنّى أن تنسج المجموعة خيوط تجارب شخصية لمن يجرؤ على التعبير عن حبّه وعاطفته.
أبحث دائما عن أساليب جديدة لتوصيل معنى أن تكون عربيّا في مجتمعنا اليوم، سواء من خلال علامة مجوهراتي، أو أعمالي الفنية، أو تصويري الفوتوغرافي. أطرح السؤال دائما، وأترك للناس الإجابة.
لطالما تمثّل شغفي في تمكين ثقافتي وإرثي. وأحاول في كلّ مشروع أعمل عليه، أن أظهِر هويّتي من خلال كوني وفيّة لمن أنا. إرثي هو مصدر إلهامي الأساسي، وثقافتي هي ما يصوغ إبداعي، ويتطلّع إلى المواهب التي أعمل معها. بوجه عام، من الإلهام إلى التصوّر، أحاول دائما أن أترك بصمة هويّتي على عملي.