الشيف موحا لـ"هي": حيوية مهنة الطهي تُحاكي تطلعاتي.. والتراث العريق لبلادي مصدر إلهامي الأول
هل تعلمين عزيزتي أن الطبخ في فرنسا، يُعدَ شكلًا فنيًا جديًأ ورياضةً وطنية؟ ليس ذلك فحسب؛ بل أن العديد من الطهاة حول العالم، ممن يعشقون هذه المهنة ويُكرسون حياتهم ووقتهم ومالهم في سبيلها، هم في حالةٍ دائمة من النشوة والفرح. لأن إطعام الآخرين لا يمنح الجسم الغذاء فقط، بل أن هناك المتعة الحقيقية للسعادة والامتنان التي تغمرنا بعد تناول وجبةٍ لذيذة مُعدَة بأنامل شيف محترف.
يحتاج الطاهي لسنواتٍ كثيرة للتعلم واكتساب الخبرات قبل أن يصبح شيف عالمي موثوق، لكنه في المجمل يحتاج لأمرين مهمين: الموهبة وشغف الطبخ. وهذا بالضبط ما بدأ به الشيف موحا المغربي، الذي يُخبرنا في مقابلة مع "هي" عن بداياته في عالم الطهي، شغفه وتعلقه بالمطبخ المغربي، والأهم؛ نصائحه لجيل الطهاة الجُدد.
أخبرنا المزيد عنك: من هو الشيف موحا،ومن أين أنت؟
إسمي الشيف موحا، ولدتُ وترعرعتُ في مراكش، وهي مدينةٌ معروفة بثقافتها النابضة بالحياة وإرثها العريق في عالم الطهي. بعدما أنهيتُ تعليمي الثانوي، سعيتُ وراء شغفي بالطهي، فالتحقتُ بمدرسة فندقية. وأفتخر بكوني المالك ورئيس الطهاة لدار موها الذي يُعَدّ مطعمًا مرموقًا في مراكش.
علاوةً على ذلك، أشرفُ على العمليات في عددٍ من المطاعم الأخرى، بما فيها مطعم طاجين في منتجع ون آند أونلي رويال ميراج؛ حيث أتشاركُ النكهات المغربية مع الضيوف من مختلف أنحاء العالم.
كيف كانت بداياتكَ في عالم الطهي؟
كانت بداية مسيرتي في عالم الطهو، عندما التحقتُ بالمدرسة الفندقية الشهيرة في جنيف؛ وهنا بالذات اكتشفتُ شغفي العميق بالطهي. خلال فترة عملي في مطعم المدرسة، أدركتُ أنّني أمتلك بالفطرة الموهبة لابتكار أطباقٍ شهية. وبتشجيع من أساتذتي الذين غالبًا ما كانوا يثنون على أخلاقياتي ومهارتي في العمل، عرفتُ أنّ مزاولة مهنةٍ في المطبخ هي الطريق الصحيح بالنسبة إليّ. بسبب شغفي العميق بفنون الطهي، أصبحتُ عضوًا دائمًا في فريق الطهاة.
ما الذي جعلك تقرّر أن تصبح شيف؟
لطالما وجدتُ نفسي منجذبًا إلى عالم الطهو. ومنذ نعومة أظافري، كنتُ أشعر ببهجةٍ كبيرة في المطبخ وأستمتع بالقيام بتجربة المكوّنات وتحضير الأطباق. سمح لي عالم الطهو بالتعبير عن ذاتي وغرس السعادة في قلوب الآخرين من خلال الطعام. كما أنّ طبيعة هذه المهنة الحيوية، إلى جانب فرص التعلّم والتطوّر التي توفّرها، تُحاكي تطلّعاتي تمامًا.
ما هي مصادر إلهامكَ اليومية في رحلتكَ إلى عالم الطهي؟
يبقى التراث الثقافي العريق الذي يتباهى به بلدي الأم ومطبخه الغني بالنكهات، مصدر إلهامي اليومي الأول والأخير؛ كما أنّني متأثّرٌ بالنكهات المتنوعة وتقاليد الطهو في مختلف أنحاء العالم. علاوةً على ذلك، أستمدّ الإلهام من الأعمال الريادية التي يقدّمها زملائي من الطهاة، والشخصيات التاريخية والمبدعين المعاصرين الذين يواصلون تخطّي حدود الابتكار في فنّ الطهو.
ماذا بإمكانكَ أن تخبرنا عن المطبخ المغربي، وما هي أسراركَ عند تحضيره؟
يحتلّ المطبخ المغربي مكانةً مميّزةً على الساحة العالمية؛ فهو يصون هوية الأمّة وتاريخها العريق في عالم الطهو؛ وما زلتُ أحلم برؤية الكسكس المغربي والأطباق التقليدية في بلادي مدرجةً على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وفي كلّ عام، أنطلقُ في رحلاتٍ إلى أكثر من ثمانية بلدان، حيث أروِّج لغنى مطبخنا وتنوّعه.
يُجسّد جوهر الطهو المغربي روح المشاركة والارتجال، بهدف توطيد الروابط من خلال الوجبات الشهية، الصحية والغنية. كما أسعى دومًا لابتكار مفاهيم جديدة وتعديل النكهات لتحضير أطباقٍ خفيفة من دون المساومة على النكهات أو التقاليد التي نفتخر بها. ففي هذا التوازن الدقيق يكمن سرّي في الطهو. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الاستخدام المعتدل للتوابل المميّزة مثل الزعفران على تعزيز مذاق أطباقي الأصلية، إذ يُضفي عليها نكهاتٍ فوّاحة رائعة.
كيف تساهمُ في ترويج المطبخ المغربي للناس حول العالم؟ ما هي أدواتك؟
لا أنكرُعلاقتي التي تترسّخ جذورها بعمق في المطبخ المغربي التقليدي، ولكنّني أستمدّ الإلهام دومًا من مطابخ مختلفة حول العالم. وتقديرًا منّي لتقاليد الطهو المغربية الغنية، سعيتُ إلى تعزيزها عبر دعوة السكّان المحلّيين لتشارُك وصفاتهم العائلية، فبذلك نرتقي بمطبخنا إلى آفاقٍ جديدة من التميّز.
أبحث دومًا عن أساليب جديدة للارتقاء بفنّي، وقد أدخلتُ تغييراتٍ في مطبخنا التقليدي، مثل تقديم حصصٍ أصغر ليتسنّى للضيوف تذوّق تشكيلةٍ متنوعة من الأطباق. يجمع هذا النهج المكوّنات المغربية مع النكهات المحلية والعالمية، كما هي حال طبقنا المشهور الكسكس بكبد الإوزّ. ولا شكّ في أنّ التأثيرات العالمية تُثري المطبخ المغربي وتبعث فيه الحياة.
فأنا على قناعةٍ تامة بأنّه لا يمكن لتقاليد الطهو أن تكون ثابتةً، بل يجب أن تتطوّر مع الزمن. وعبر إدخال مجموعةٍ متنوعة من المكوّنات والنكهات، نُحقّق توازنًامتناغمًا بين التقاليد والحداثة، ليبقى المطبخ المغربي راسخًا وشيّقًا بالنسبة إلى الأجيال القادمة.
إذا طُلب منك تلخيص عدد سنوات خبرتكَفي الطهي ببضع كلمات، ماذا ستكون؟
الشغف، المثابرة والتعلّم المستمرّ.
هل أنت في رحلةٍ مستمرّة من التعلّم؟ وهل برأيك يجب على جميع الطهاة المبتدئين القيام بالمثل؟
طبعاً، يتطوّر عالم الطهي باستمرار؛ ويجب علينا، بصفتنا طهاة، التكيفّ مع التغيرات ومواكبتها. بغضّ النظر عن عدد سنوات الخبرة، يُعتبر التعلّم المستمرّ أساسيًا للبقاء على اطلاع بكلّ التغيرات التي يشهدها هذا القطاع.
وهذه نصيحتي إلى الطهاة الطموحين: اسعوا دائمًا وراء التميّز. يأتي الحفاظ على الجودة في المقام الأول، بما أنّ سمعة الشيف ومصداقيته تعتمدان على ذلك. فمتى ما فُقِدت الثقة، يصبح من الصعب جدًا إعادة بنائها؛ حتى أنّ استعادة الثقة قد تكون في بعض الحالات أمراً بعيد المناي. لذلك، حافظوا على التزامكم، واسعوا دوماً لتقديم أفضل ما لديكم.
تتقدّم التكنولوجيا بسرعة؛ كيف يمكننا مواكبتها كبَشر؟
مع التقدّم السريع للتكنولوجيا، أصبح من الواجب علينا إدخالها في ممارساتنا في الطهو إنّما مع الحفاظ على لمسة الإنسان الجوهرية. ومن خلال الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية، يمكننا تبسيط العمليات، تعزيز الفعالية والارتقاء بتجربة الطعام التي نقدّمها إلى روّادنا. إلا أنّ الحفاظ على الروابط الشخصية والبراعة الفنّية التي يتميّز بها عالم الطاهي، يبقى أمرًا بالغ الأهمية في ظلّ هذا التطوّر الرقمي. ولتحقيق هذا التوازن، لا بدّ من تسخير فوائد التكنولوجيا مع الحفاظ على جوهر مهنتنا.
برأيك، هل يمكن للذكاء الاصطناعي والروبوتات إفساد لمسة الإنسان في الطعام أمتعزيز روح الابتكار فيه؟
يمكن للذكاء الاصطناعي والروبوتات إحداث ثورةٍ في عالم الطهو، عبر تبسيط العمليات وتعزيز الدقّة. صحيح أنّها تقوم بأتمتة مهامٍ محدّدة، ولكن لا يمكن الاستغناء عن لمسة الإنسان في الطهو. تكمن البراعة الحقيقية بالطهو في الحدس، الإبداع والشغف؛ وهي مزايا يستطيع البشر وحدهم دون سواهم تقديمها إلى المطبخ. ويمكن للذكاء الاصطناعي والروبوتات استكمال مهاراتنا، ولكن من المستحيل أن تحلّ مكان العلاقة المعنوية بين الطهاة ومهنتهم.
ما هي نصائحك الأساسية للطهاة الجدد؟
- لا تتوقّفوا عن التعلّم والتجربة.
- احترموا المكوّنات وأصولها.
- اعتبروا الفشل بمثابة فرصة للتطوّر.
- قوموا بتطوير حاسة الذوق لديكم.
- اعملوا بشغف، نزاهة وتواضع.
- أحيطوا أنفسكم بمدرّبين وزملاء مُلهمين.
- تذكّروا دومًا متعة الطهو والسعادة التي يبعثها في قلوب الآخرين.