الشيف ياسمينا حايك لـ"هي": مشاهدة والدتي وهي تبتكرُ الأطباق اللبنانية على طريقتها الخاصة جعلتني أطمح لأكون طاهية
تتعلمُ الفتاة من أمها كل شيءٍ تقريبًا؛ تقفُ بجانبها في المطبخ لتعلَم الطهي، تُقلَدها في وضع الماكياج، وترتدي أحذيتها العالية من عمرٍ مبكر. لتكبر وتصبح نسخةً عنها، بل وأفضل في كثيرٍ من الحالات (شيءٌ لا يُحزن الأمهات فعلًا، إن كانت بناتهنَ أحسن منهنَ).
أكادُ أتصور أن يكون هذا تفكير إم شريف، السيدة ميريل حايك، صاحبة مطعم إم شريف؛ وهي تشهدُ نجاحات وتفوق ابنتها ياسمينا في عالم الطهي. فقد حازت ياسمينا البالغة من العمر 28 عامًا، لقب أفضل طاهية للعام الحالي East & North Africa’s Best Female Chef 2025 من منظمة 50 Best الهادفة إلى تكريم النساء الرائدات في مجال الطهي وإلقاء الضوء عليهنّ. تشغل ياسمينا حايك منصب الشيف التنفيذي لمجموعة المطاعم المشهورة عالمياً EmSherif، وقد رسّخت إسمها في عالم الطهي من خلال الإشادة بتراث عائلتها العريق في الطهي، مع استعراض تميّز المطبخ اللبناني على الساحة العالمية.
قبل حفل استلام الجوائز المزمع عقده الأسبوع القادم في العاصمة أبوظبي، خصَصت ياسمينا حايك بعضًا من وقتها الثمين للحديث مع "هي" عن بداياتها وطموحاتها، وماذا تُمثَل لها هذه الجائزة القيَمة.
تهانينا على منحكِ لقب أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. أخبرينا المزيد عنك: بداياتك وتعليمكِ وما إلى ذلك.
أنا من عائلة متجذرة بعمق في عالم الطهي. نشأتُ محاطةً بطاهية منزلية (والدتي، ميريل حايك، المعروفة باسم "إم شريف") وفي وقتٍ لاحق من حياتها، صاحبة مطعم؛ ليصبح الطعام جزءًا لا يتجزأ من حياتي وثقافتي. حاصلة على درجة البكالوريوس في فنون الطهي والإدارة من معهد بول بوكوز في ليون، ثم درجة الماجستير في تصميم الطعام والابتكار من ScuolaPolitecnica di Design في ميلانو.
أخذتني رحلتي في عالم الطهي من مطابخ مرموقة مثل Geranium في كوبنهاجن ومطعم Le Grand التابع لجان فرانسوا بيج، إلى إنشاء مفاهيمي الخاصة ضمن علامة EmSherif التجارية في عام 2024 مثل EmSherif Deli.
متى اكتشفت ياسمينا أنها تريدُ أن تصبح طاهية؟
أدركتُ شغفي بالطهي في وقتٍ مبكر من حياتي، لكن اللحظة المحورية كانت فهم العلاقة العميقة بين الطعام وتراثي. لقد جعلتني مشاهدة والدتي وهي تبتكرُ الأطباق اللبنانية على طريقتها الخاصة، ورؤية كيف يجمع الطعام بين الناس، شغوفةً بمتابعة مهنةٍ في عالم الطهي. كان من الواضح لي أنه بدلاً من أن أصبح طبيبة، سأصبح طاهيًا!
من / ما هو مصدر إلهامكِ الرئيسي لتصبحي طاهية؟
كانت والدتي، وما زالت، مصدرُ إلهامي الأعظم دائمًا. لقد ألهمني تفانيها في أخذ المطبخ اللبناني إلى المستوى التالي وروحها الريادية الشاملة، لاتباع خطواتها وتنمية ما بنتهُ أكثر. لقد علَمتني أن التفاني والشغف والفضول هي المكونات الأساسية للنجاح في أي صناعة، ولكن بشكل خاص في صناعتنا.
كيف شعرتِ خلال نشأتكِ والمطاعم تحيطُ بك طوال حياتك؛ ما الذي أضافه إلى شخصيتكِ ومسيرتك المهنية؟
لقد منحنتي النشأة في عائلةٍ من أصحاب المطاعم (أشكرُ عمي داني الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لدينا، وأخي نبيل الذي يشغل منصب مدير تطوير الأعمال) منظورًا فريدًا حول أهمية الضيافة وتعزيز المجتمع. تعلَمتُ قيمة العمل الجاد والاهتمام بالتفاصيل ومتعة إعداد وجبةٍ لمشاركتها؛ وغرس فيّ ذلك شعورًا بالتفاني والفخر الذي أحمله في تراثي في عالم الطهي والطريقة التي أتعاملُ بها مع حياتي المهنية بشكلٍ عام. كما ساهم ذلك في تشكيل عقليتي الريادية، حيث أسعى دائمًا إلى خلق تجارب لا تُنسى من خلال ما نقوم به في مطعم أم شريف في جميع أنحاء العالم.
كونكِ ابنة "إم شريف" الشهيرة، ماذا يعني ذلك لياسمينا (على كافة الأصعدة)؟
منحني كوني ابنة "إم شريف" امتيازًا ومسؤولية في الوقت نفسه. هذا يعني الحفاظ على إرث الجودة والعمل الجاد مع المضي قدمًا والابتكار في عالم الطهي، وهو عالم يُهيمن عليه الرجال بشكلٍ أساسي. إنه لشرفٌ لي أن أحمل رؤية والدتي وأضيف رؤيتي الفريدة إلى العلامة التجارية التي بنتَها. يتعلقُ الأمر بمواصلة رؤيتها لتقديم وجهة نظرنا في الطعام اللبناني للعالم، ولكن بلمستي وذوقي المعاصر.
أنتِ بالتأكيد تتحدين الصعوبات والصور النمطية لكونك امرأة عربية في صناعةٍ يُهيمن عليها الرجال؛ كيف تنظرين إلى ذلك؟
أرى ذلك كفرصةٍ لتكوين مساحتي وصوتي الخاصين. في حين أن الصناعة قد تكون صعبة، فأنا أُركَز على صقل حرفتي وبناء رؤيتي لإم شريف. لطالما دافعتُ عن التعاون والتوجيه بين النساء، في عددٍ لا يحصى من الصناعات، وتمكين بعضنا البعض لكسر الصور النمطية - داخل وخارج صناعاتنا الخاصة. كما كنتُ محظوظة جدًا لحصولي على لقب أفضل 50 طاهية في العالم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2025 وجائزة ميشلان للطهاة الشباب على سبيل المثال لا الحصر، مما سمح لي أيضًا بترك بصمتي على الصناعة.
هل تشجعين الطاهيات الأخريات على اتباع نفس المسار؟ ما الأدوات التي يحتجنَ إليها للاستعداد، والتحديات التي قد يواجهنَها، والوعود التي يجب أن يقدمنَ لأنفسهم من أجل الاستمرار في النجاح؟
بالتأكيد.. نصيحتي للطاهيات الطموحات هي أن يؤمنَ بأنفسهنَ ويتبعنَ صوتهنَ الفريد. يجب أن يكنَ مستعدات للعمل الجاد، والمثابرة، وتقبل التحديات - وعدم التوقف أبدًا عن التعلَم. من الضروري أن يبقينَ صادقات مع شغفهنَ ورؤيتهنَ طوال الوقت، مع إبقاء أعينهنَ وآذانهنَ مفتوحة. قد تكون صناعتنا مُرهقة للغاية عاطفيًا وجسديًا، لذا على أي طاهٍ طموح أن يعِد نفسه بألا يتوقف أبدًا عن التعلَم والتطور والتفكير خارج الصندوق (لأن - هل الصندوق موجود حقًا؟)
قبل العمل مع العائلة، كانت لديكِ تجارب عمل أخرى؛ أخبرينا المزيد عنها.
قبل الانضمام إلى شركة العائلة، عملتُ في بعض أشهر المطابخ في العالم؛ مثل Geranium في كوبنهاجن، ومطعم Le Grand التابع لـ Jean-Francois Piege، ومطعم Hexagone التابع لـ Mathieu Pacaud، بالإضافة إلى تقديم وجبات عشاء لكبار الشخصيات لـ St. Pellegrino وMcLaren وCarolina Herrera. كما كان من دواعي سروري تقديم عشاء برادا في موناكو خلال سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 الماضي. علَمتني هذه التجارب دروسًا لا تُقدَر بثمن حول التفاني والدقة والإبداع والابتكار؛ كما عرفتَني على مطابخ وتقنيات طهيٍ مختلفة، والتي أثرَت على نهجي في تناول الطعام اليوم.
عمركِ 28 عامًا فقط، لكنكِ حققت العديد من الإنجازات؛ ماذا تخبرينا عنها؟
في عمر 28 عامًا، أنا فخورةٌ بما حققته، وخاصةً في مثل هذه الصناعة. أعدَ نفسي محظوظةً لأنني عملتُ في العديد من المشاريع والفرص الرائعة، لكن عام 2024 كان عامًا رائعًا للغاية - من افتتاح Deli وهو أحد أبرز إنجازاتي، بالإضافة إلى حصولي على جائزة دليل ميشلان وجائزة أفضل 50 مطعمًا في العالم. مثل هذه الإنجازات هي تكريمٌ لوالدتي وفريق عمل EmSherif الرائع وهي تُذكَرني لماذا نفعل هذا - الحفاظ على التقاليد الطهوية اللبنانية ومشاركة ثقافتنا مع العالم.
كما أقول دائمًا، أنا محظوظة جدًا لأنني أستطيعُ أن أُسمَي هذا عملي النهاري (والليلي)!
ما الخطط التي لا تزال في ذهنكِ، لعملكِ ومسيرتكِ المهنية؟
هناك الكثير من الخطط التي تنتظرنا في عالم إم شريف. لدينا الكثير من الافتتاحات المخطط لها لعام 2025، ولا سيما في الفرع الثامن في باريس، "إم شريف باريس". كما أركزُ على توسيع مفهوم إم شريف ديلي، الذي يجلب تجربة إم شريف بأسلوبٍ أكثر بساطة ومعاصر. هناك دائمًا أشياء جديدة تُطهى في مطبخ إم شريف!
كيف تصفين أسلوبكِ العام في الطهي؟
أسلوبي الطهوي متجذرٌ بعمق في التقاليد اللبنانية، إنما مع لمسة عصرية. أركَزُ على المكونات عالية الجودة والحفاظ على أصالة نكهاتنا، مع إيجاد طرقٍ مميزة لتقديمها وتعزيزها. يدور طهيي دائمًا حول تكريم جذوري مع الحفاظ على الإبداع.
بصرف النظر عن المطبخ اللبناني، ما الطعام / المطبخ الذي تحبين تجربته أو الطهي منه؟
أحبُ استكشاف مختلف المطابخ العالمية، وخاصةً تلك التي تؤكد على المكونات الطازجة عالية الجودة والنكهات الجريئة. لقد حظيتُ بامتياز العمل في بعض المطابخ الرائعة التي عرَضتني لتقنيات الطهي الفرنسية والشمالية والمتوسطية؛ استمتعُ كثيرًا بتجربة هذه النكهات ودمجها في طهيي الخاص.
كيف تتخيل ياسمينا حايك قوائم الطعام؟
أتعاملُ مع إنشاء القائمة من خلال مراعاة المكونات أولاً - الموسمية والمحلية هي المفتاح بالنسبة لي. أفكرُ أيضًا في القصة التي أريدُ سردها من خلال الأطباق، سواء كانت تعكس ذكرى أو تقليدًا ثقافيًا أو فكرة طهيٍ جديدة لديَ. أحبُ خلق توازنٍ بين المألوف والحنين والمُبتكر، والتأكد من أن القائمة تبدو متماسكةً ومثيرة دائمًا.
ما هي برأيكِ، الأدوات الأساسية للطاهي الناجح؟
يحتاجُ الطاهي الناجح إلى مزيجٍ من مهارات العمل الجماعي والإبداع والمرونة. أدوات التجارة - السكاكين عالية الجودة وأواني الطهي والمطبخ المُنظم والمُجهز جيدًا - ضرورية، ولكن الأدوات الأكثر أهمية هي القدرة على التكيَف والتعلَم والتواصل مع الآخرين. يجب أن يكون الطاهي الناجح أيضًا شغوفًا ومُنضبطًا ومُلتزمًا بتقديم الطعام - باستمرار.
ما الذي لا يمكنكِ العيش بدونه في المطبخ؟
لا يمكنني العيش بدون أحد كتب الوصفات المكتوبة بخط يد والدتي. إنه رمزٌ لتراثي ويُذكَرني بالمكان والزمان الذي بدأ فيه كل شيء - في نفس الوقت، الابتكار. إنه مصدرٌ للراحة والإلهام كلما كنتُ في المطبخ.
كيف تديرين الصراع والمنافسة بين موظفي المطبخ؟
أؤمنُ بتعزيز بيئةٍ تعاونية وداعمة في المطبخ. يمكن أن تكون المنافسة صحية عندما تُشجع النمو، لكنني أُركزُ على خلق جوٍ حيث يعمل الفريق معًا، وليس بشكلٍ منفصل، نحو هدفٍ مشترك. التواصل الواضح والاحترام والثقة أمورٌ ضرورية للحصول على مطبخٍ متناغم.
أصبحت التكنولوجيا علامة فارقة في كل عمل؛ كيف تؤثر في رأيكِ على الطهي بشكلٍ إيجابي وسلبي؟
تتمتع التكنولوجيا بإمكانية تعزيز صناعة الطهي بشكلٍ كبير؛ فهي تسمحُ بمزيدٍ من الدقة والابتكار والكفاءة في المطبخ. كما أنها تساعدنا كطهاة في البقاء على اتصال بالعملاء ومشاركة رؤيتنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى. مثل أي شيء آخر - يتعلق الأمر بإيجاد التوازن الصحيح.
ما هي نصيحتكِ للطهاة الجدد من خلال موقع "هي"؟
نصيحتي للطهاة الجدد هي ألا يتوقفوا أبدًا عن التعلَم، وأن يجتهدوا ويتبعوا حدسهم. هذه الصناعة تتطلب الكثير من الجهد، ولكنها أيضًا مُجزية للغاية. ثقوا في شغفكم، وكونوا صادقين مع ما يُحفَزكم؛ ولا تخافوا من المخاطرة. لن يكون الطريق سهلاً دائمًا، لكن المثابرة والإخلاص سيوصلانكم إلى أبعد مدى.