خاص "هي" رسالة مهرجان برلين- عندما نظن أننا شاهدنا كل شيء عن المرأة العربية ثم يأتي "تحت سماء دمشق"

خاص "هي" رسالة مهرجان برلين- عندما نظن أننا شاهدنا كل شيء عن المرأة العربية ثم يأتي "تحت سماء دمشق"

أندرو محسن
21 فبراير 2023

رغم كثرة الأفلام التي تناولت الحرب في سوريا، وتابعت قوات داعش والمتطرفين هناك، فإن فيلم "عن الآباء والأبناء" لطلال دركي يظل أحد أفلام الأفلام التي تناولت هذا الموضوع، ليس فقط من خلال اختيار زاوية مختلفة، وهي متابعة الجيل الأصغر من أبناء المتطرفين، ولكن حتى من خلال الجرأة في التناول. لم تبتعد المخرجة هبة خالد أيضًا عن نقل هذه الأجواء من خلال فيلمها القصير "سكان الأرض اليباب" الذي عرض في مسابقة الأفلام القصيرة لمهرجان القاهرة عام 2018. 


يتحد هبة وطلال معًا، بالإضافة إلى علي وجيه الذي عرفه الجمهور مؤلفًا من خلال عدة أعمال سورية، أبرزها "على صفيح ساخن" (2021)، ليقدموا معًا الفيلم الوثائقي "تحت سماء دمشق" المعروض في إطار قسم البانوراما في مهرجان برلين في دورته 73. لا يبتعدون عن الواقع السوري، لكن في هذه المرة بعد نهاية الحرب، وينصف التركيز على المرأة السورية. قد تبدو العبارة التالية مكررة، لكننا نشعر بها في هذا الفيلم بشكل كبير ولهذا علينا أن نقولها مرة أخرى "لدينا الكثير من الهموم المشتركة في العالم العربي، خاصة ما يخص المرأة". ينقسم الفيلم لثلاثة فصول، تتفاوت في المستوى لكنها تجتمع معًا لتقدم عملًا مهمًا.

البحث عن الشخصيات

يتابع الفيلم مجموعة من الشابات يجتمعن لتقديم مسرحية عن متاعب المرأة في سوريا. نبدأ معهن من مرحلة مبكرة، أثناء الإعداد للنص، إذ يقابلن عددًا من النساء اللاتي تعرضن للعنف أو التحرش من الرجال. ويصور الفيلم رحلتهن لإخراج هذه المسرحية.

يتكون الفريق الأساسي للمسرحية في البداية من خمس فتيات، لكل منهن حالة خاصة، نقترب من بعضهم أكثر من الأخريات.. قدم هذا الفصل نظرة سريعة على الواقع السوري دون أن يتوقف عند أحداث سياسية بعينها، بل يستخدم واقع الشخصيات لنستشف منها الواقع السياسي.

رغم تعدد الفتيات المشاركات في المسرحية، فإن الفيلم لا يقدم معلومات كافية عن جميعهن، نكتفي فقط بمعرفة الأسماء، ربما كانت أبرزهن "نانا" التي نتعرف على أسرتها عن قرب، ونشاهد لحظة قرارها بأن تستقل عن الأسرة، ومن خلالها يمكن أن نستشف كيف كان الواقع الخاص ببقية الفتيات. لا تختلف نانا كثيرًا عن الشابات العربيات في نفس عمرها، إذ أنها تحاول أن تقنع أسرتها بأن تستقل، أسرتها التي باتت تشعر بوجود فجوة في المشاعر والتواصل بينهما، وربما كانت اللحظات القليلة التي شاهدنا فيها نانا وأسرتها من المشاهد الأكثر صدقًا والأقرب للكثيرين من جميع مشاهد الفيلم.

عندما يكتمل تشكيل الفريق الأساسي، تبدأ الفتيات في سلسلة من الأبحاث للوقوف على حالات من الاعتداءات والتحرش التي تعرضت لها نساء مختلفات في سوريا. ونجد أن ما يبدأ كمسرحية من مجموعة من الهواة، يتحول لجزء أساسي من حياتهن.

غ

البحث عن الفكرة

يتحول الفصل الثاني، من النمط التسجيلي المراقب، والذي فيه كانت الكاميرا ترصد الأحداث دون مشاركة، إلى النمط التفسيري، والذي نشاهد فيه حوارات مباشرة مع مجموعة من النساء اللاتي تعرضن للتحرش والاعتداء بأشكال مختلفة. قد يكون هذا الفصل هو الأقل جودة داخل الفيلم، إذ رغم ما يضمه من حالات قاسية كانت نواة للمسرحية التي تعمل عليها الشخصيات الأساسية، فإننا لم نتوقف عند إحدى الحالات المذكورة بشكل خاص أو حتى شاهدنا تأثيرها على نص المسرحية في النهاية، فكأنه فقط رصد لأشكال مختلفة مما تتعرض له النساء في المجتمعات العربية، بعضها حالات قد نكون سمعنا عنها بالفعل من قبل والبعض الآخر لحالات ليست شائعة، ولكن قد تكون أهمية هذا الفصل في عرض نماذج مختلفة لا شك أنها ليست إلا قلة مما يحدث للمرأة داخل هذه المجتمعات.

غ

البحث عن الدراما

لكن مفاجأة الفيلم الأبرز تأتي في فصله الأخير والذي تقع خلاله فتاتان من المشاركات في المسرحية ضحية للتحرش، وهنا يختلف الأمر، إذ نشعر كمشاهدين بوطأة الأمر أكثر من السابق، فبعد أن أمضينا وقتًا مع الشخصيات بتنا نتفاعل معها بشكل أكبر، وبعد البناء الحادث في الفصلين الأولين، فإن أقسى ما نود مشاهدته هو أن تتعرض بطلات الفيلم أنفسهن لما يحاولن محاربته وتسليط الضوء عليه.

عندما يحدث هذا في هذا الفصل تحديدًا نشعر بالقسوة والانتهاك أكثر مما شعرنا به عند الاستماع إلى الحالات السابقة. هكذا يبدو أن ما شاهدناه سابقًا إنما كان تأسيسًا للصدمة التي ستقع في الفصل الأخير من الفيلم.

يحتوي "تحت سماء دمشق" على الكثير من الانتقادات إلى المجتمع الشرقي الذكوري وما يحمله من عنف وتحامل على المرأة، يبدو في بعض الأوقات بأنه يحاول جمع أكبر قدر من هذه الحالات، ناسيًا أن يوظفها بشكل منطقي داخل الأحداث، خاصة عندما نذكر شخصية الممثلة "صباح" التي يبدأ معها الفيلم، مما يعد بأنها ستكون ذات أهمية كبرى لاحقًا، لكنها تختفي تمامًا إلا من ظهور عابر آخر خلال مشاهد الفيلم، دون أن توظف بالشكل المطلوب. وليست مبالغة إن قلنا إن الفيلم بدا أن يحمل في كواليسه الكثير من الأفلام التي يمكن أن نشاهدها لاحقًا.

الصور من موقع مهرجان برلين