غدي في "بالدم".. مرآة خسائرنا التي لا تزول

غدي في "بالدم".. مرآة خسائرنا التي لا تزول

يورغو البيطار
4 أبريل 2025

في عالم الفقد، لا يوجد وداعٌ كامل. يبقى من نحبّ معنا بطرق غير متوقعة، أحيانًا في أغنية سمعناها معهم، أحيانًا في رائحة عطر عابر، وأحيانًا أخرى في لعبة تحمل اسمهم، كما في قصة "بالدم". كتِب الكثير عن هذا المسلسل من تقييم فني وأداء ممثلين وتشابك قصصهم وغيرها الكثير من التقنيات التي لن نتناولها اليوم... بل سنركز على شخصية حضرت ولم تحضر.

في هذا المسلسل، لم يكن "غدي" مجرد اسم، ولا مجرد ابنٍ غاب في ظروف مأساوية، بل كان حضورًا ممتدًا رغم الغياب، ظلًّا لا يفارق ذاكرة أمه "عدلا"، التي وجدت في لعبة تحمل اسمه ملاذًا من الفراغ القاسي الذي تركه رحيله.

غدي في "بالدم".. مرآة خسائرنا التي لا تزول

حين يصبح الغياب حضورًا دائمًا

الفقد تجربة تغيّر ملامح الحياة، وكثيرًا ما نجد من يحاولون ملء الفراغ بطرق غير مألوفة، كأنهم يعيدون تشكيل الذكريات في صور ملموسة يستطيعون لمسها، محادثتها، والعيش معها من جديد. هذا تمامًا ما فعلته "عدلا"، التي لم تستطع تقبّل فكرة أن ابنها لم يعد جزءًا من واقعها، فخلقته من جديد في لعبة حملت اسمه، واحتضنته فيها بكل مشاعر الأمومة التي لم تجد لها متنفسًا بعد رحيله.

"غدي" لم يكن مجرد لعبة، بل كان حياة أخرى تُبعث من الفقد، كان صوتًا للأمومة التي لم تقبل أن تُطفأ. في كل مرة نادته، كانت في الواقع تنادي ابنها، تحاول إعادته إلى العالم، ليس بجسده، ولكن بوجوده الذي لا تزال تؤمن به.

غدي في "بالدم".. مرآة خسائرنا التي لا تزول

لماذا تعلّقنا بـ"غدي"؟

ما جعل "غدي" شخصية مؤثرة إلى هذا الحد ليس فقط القصة الحزينة التي حملها، بل الأداء العميق للممثلة سينتيا كرم، التي جسّدت الألم بواقعية جعلتنا نصدّق أن هذا الطفل لم يكن مجرد وهم. لم تكن لحظات عدلا مع اللعبة مفتعلة، بل كانت صادقة حدّ الوجع، وكأنها توثّق تجربة عاشها كثيرون في حياتهم الحقيقية.

تعلّقنا بـ"غدي" لأننا رأينا فيه أشباح أحبابنا الذين غابوا. كل منا يحمل في داخله "غدي" خاصًا به، سواء كان ذكرى، أو شيئًا ماديًا نتمسك به كي لا نشعر بأن الفقد قد محانا نحن أيضًا. هناك من يحتفظ بصور، وهناك من يتحدث إلى أغراض أحبته وكأنها لا تزال تحمل صدى أصواتهم، وهناك من، مثل "عدلا"، يعيد اختراع الفقد في شكل وجودٍ بديل، يُبقي على وهج العلاقة حيًا، ولو كان ذلك عبر لعبة صغيرة.

في قصته، يُذكّرنا "غدي" أن الحزن ليس شيئًا يمكن تجاوزه بسهولة. لا توجد نقطة نهاية واضحة للفقد، فهو يستمر بطرق غير متوقعة، يتسرّب إلى تفاصيل حياتنا، ويشكل هويتنا من جديد. لكنه أيضًا يخبرنا أن الحب لا يموت، وأنه يمكنه أن يتجلى في أشكال غير تقليدية، تمامًا كما فعلت "عدلا".

"بالدم" لم يعطنا قصة عادية عن الفقد، بل قدم لنا صورة حقيقية عن الحزن الذي يعيش داخلنا حتى بعد أن يظن الجميع أننا تجاوزناه. "غدي" لم يكن فقط الابن الذي رحل أو اختفى (؟)، بل كان كل من فقدناهم، وكل الطرق التي اخترعناها كي نبقيهم معنا. هو الدليل على أن الحب لا يخضع لمنطق الموت، وأن بعض الغيابات تظلّ أكثر حضورًا من أي وجود.