The son.. مُحاولة باهتة لتكرار نجاح فيلم "الأب" وميلودراما مُشوشة عن علاقة الأبناء والآباء!
يُكمل المخرج والكاتب الفرنسي "فلوريان زيلر" مشروعه السينمائي الذي يتناول العائلة، من منظور يتمحور في كل فيلم حول شخصية واحدة، وعلاقتها بمن حولها، وفيلمه The son (الإبن) مأخوذ عن مسرحية كتبها زيلر وشارك في كتابة السيناريو السينمائي له، ويسير فيها على نفس خطى فيلمه السابق The father (الأب)، الذي حصل بطله "أنتوني هوبكنز" عام 2020 على أوسكار أفضل ممثل، وحصل زيلر وكريستوفر هامبتون على جائزة السيناريو المقتبس، وكان عملاً مؤلماً يفيض بالمشاعر والتعاطف مع أب يُعاني من مرض الخرف، وفيلم (الإبن) يبدو كفصل مكمل للحكاية من زاوية مختلفة.
عائلة مثالية ولكن!
يبدأ الفيلم بتصوير عائلة صغيرة هادئة ومستقرة؛ الأب هو بيتر ميلر (هيو جاكمان) رجل أعمال ناجح، ينتظره مستقبل واعد وربما منصب سياسي مرموق، وهو يعيش حياة أسرية سعيدة بصحبة زوجته الجميلة بيث (فينيسا كيربي)، وطفلهما حديث الولادة، ولكن يذوب هذا الاستقرار مع حرارة القلق الذي يُصاحب ظهور إبن بيتر المراهق من زيجة سابقة، ويدخل الفيلم في دوامة من المشاعر النفسية القاتمة، وتنفتح بوابات مُزعجة عن أثر تصرفات الأباء على نفسية أبنائهم، والفيلم ليس فقط عن علاقة الأب بيتر بإبنه المراهق، بل يرصد أيضاً أثر علاقة الأب بيتر بوالده، وماضي علاقتهما المتوتر، وذلك من خلال المشهد التصادمي بين "هيو جاكمان" ووالده في الفيلم "أنتوني هوبكنز"، وهو المشهد العابر والأكثر جاذبية في الفيلم.
في فيلم (الأب) يعاني الأب "أنتوني هوبكنز" من أعراض مرض الخرف، ويثير كثير من التعاطف؛ فمرضه ينزع عنه ملامح شخصيته ويُشوش عالمه، وفي فيلم (الإبن) صورة أخرى لمراهق يُعاني من مرض عقلي، وهناك مُحاولة حثيثة للوصول إلى نفس ألق الفيلم السابق، تتكأ على إثارة المشاعر حول مُعاناة المراهق النفسية، ولكن الرؤية الإخراجية هنا أكثر اصطناعاً وأقل ابداعاً؛ وهناك إصرار على إصطناع مأساة تهدم عالم بيتر الذي يبدو مثالياً.
أزمة الإبن والأب في حالة "هيو جاكمان" و"أنتوني هوبكنز" - رغم أنها لم تحصل على مساحة درامية كافية - تبدو أكثر عُمقاً ودرامية من أزمة الإبن المراهق المريض والأب الناجح الذي تزوج إمرأة أخرى، والتي تحولت إلى ميلودراما زاعقة تستدر الدموع.
المرض العقلي!
حاول السيناريو الربط بين مشاعر إبن ناضج يلوم والده العجوز على قسوة مشاعره، وأب عجوز مُتغطرس لا يبدو نادماً على ما بدر منه في الماضي، بل يواجه ابنه بعناد، ساخراً من حديث ابنه عن نجاحه العائلي، ومن ناحية أخرى يبدو الاستقرار العائلي في حياة "هيو جاكمان" هشاً ومُزيفاً؛ فابنه المُراهق مستمر في إهمال مدرسته، ويلوم والده وزوجة أبيه على الحاق الأذى بوالدته وبه.
ظهور الزوجة السابقة كيت (لورا ديرن) على باب بيتر فجأة يُغير كل شيء؛ فعليه مواجهة أزمة التعامل مع ابنه المراهق نيكولاس (زين مجراث)، وهو مُراهق عمره 17 عاماً، لا يذهب إلى مدرسته، ويهيم على وجهه في الشوارع كل يوم بلا هدف، وبعد إنتقال الإبن من منزل أمه إلى منزل والده يبدأ ميلر في التعامل مع حالة ابنه الذي يُعاني من إكتئاب حاد، ويشعر الأب بعد فترة من إنتقال ابنه للعيش معه بالنجاح في تقويم سلوكه؛ فهو رجل الأعمال الناجح، والأب تعلم من طفولته المريرة أن يكون أفضل من والده، وهو مُحب لإبنه بالفعل، لكن الأمر مع هذا المُراهق غريب الأطوار أكثر تعقيداً مما يظن، والأب يكتشف أنه يلجأ أحياناً إلى أساليب والده التي كرهه بسببها.
الفيلم يسرد الحكاية غالباً من وجه نظر الأب، وهناك كثير من مشاهد الفلاش باك التي تصور تعلق ابنه بوالديه في سنوات الطفولة، وهى مشاهد يظهر فيها الطفل أكثر مرحاً وإشراقاً، قبل أن يتحول إلى الشخصية الحائرة الإنطوائية، وهو يلوم والده وزوجته الجديدة على ألم أمه بعد إنفصال زوجها الذي أحبته عنها.
لا تبدو حالة الإبن المراهق مُجرد أزمة عائلية يتعامل معها بيتر، بل هى مقياس نجاحه أو فشله في أن يكون الأب المثالي كما يسعى، وهو لا يريد أن يكون مثل والده، شخص بارد المشاعر مهموم بعمله وشؤونه الخاصة؛ ولهذا يبدو في حالة إنكار لمرض إبنه شديد الوضوح، إنكار يصل درجة الغباء في توقع تصرفات إبنه وتجنب تداعياتها.
أزمة توصيل المشاعر للمتفرج!
يحتاج نيكولاس إلى وجود أبيه بشدة، وهو يترك منزل أمه التي تعلق بها من أجل البقاء بجوار أبيه، ولكنه في الواقع يُعاني من أثر إنفصال والديه، لم يستطع تجاوز إنهيار عائلته بالصورة التي تعود عليها منذ مولده، ويحتاج بيتر إلى أن يكون ذلك الأب الصالح المحبوب من ابنه، وهو يسعى لتحقيق ذلك بوسائله العملية، ويؤخر ذلك ادراكه تجاوز حالة ابنه حدود رعاية الأب ونصحه وارشاده، وحاجته إلى العلاج النفسي والرعاية المُتخصصة.
لا يبدو السيناريو بارعاً في التعامل مع قضايا الفيلم المُفعمة بالمشاعر؛ فقد تفوق طرح المرض العقلي وحساسية علاقة الأب والإبن كموضوعات للأحداث عن طريقة سرد الأحداث نفسها؛ فالفيلم يرتبك حينما يحاول نقل المشاعر المرهفة وتوصيلها للمتفرج من خلال لغة الشكل السينمائي، وهو لا يتعمق كثيراً في نفسية المراهق ومرضه، ولا ينجح في صنع عمل متماسك عن الأبوة، وهذا لا ينفي إجتهاد الممثلين "هيو جرانت" و"لورا ديرن" في أداء شخصية الأب والأم، وأيضاً هناك لمحات جذابة في الصورة من مدير التصوير "بن سميثارد"، وموسيقى "هانز زيمر" التي تعكس الملامح الحزينة التي تُمهد لمأساة الشخصيات، والفيلم افتقر إلى قدرة السيناريو على تقديم الدعم لهذه المجهودات لتوصيل المشاعر للمتلقى، وهنا لم يتبق للمتفرج سوى التعاطف مع الموضوع وليس الفيلم.