كثافة عددية وقليل من الإبداع.. مسلسلات رمضان تقتبس حكاياتها من الدفاتر القديمة
سنوات طويلة وبطيئة مرت على الدراما التليفزيونية حتى إقتنعت أخيراً أن المسلسل ليس بالضرورة 30 حلقة، وشهدت المواسم الدرامية في رمضان الماضي وخارج رمضان مسلسلات ناجحة من 15 حلقة وأخرى من 10 حلقات، وموسم الدراما الرمضاني هذا العام يشهد عرض عدد كبير من المسلسلات المكونة من 15 حلقة، وهذا أمر يعني للمشاهد عدد أكبر من الحكايات والقصص والأبطال، وأعمال تخلو من المط والتطويل، وفرص لعدد كبير من المواهب الفنية للتعبير عن موهبتها في التمثيل والإخراج والتصوير وباقي عناصر ىالعمل الدرامي الأخرى، ولكن المهم ليس العدد بالتأكيد، ويطرح هذا السؤال نفسه: هل جاء هذا العدد الكبير من المسلسلات بأفكار جديدة؟
الكوميديا تقتبس أكثر!
انتصف شهر رمضان وانتهى بالفعل عرض حوالي 8 مسلسلات، وحل محلهم أعمال جديدة، وأصبح تقييم الإتجاه العام للموسم الدرامي أوضح إلى حد كبير؛ فنحن أمام موجة كبيرة من الأعمال تتنافس على جذب المشاهد، والأمر الإيجابي هو تنوع الموضوعات والنوعيات؛ الإجتماعي، والكوميدي، والتاريخي، والميلودرامي، والغموض، والشعبي، وغيرها من النوعيات التي تُلبي تنوع أذواق الجمهور، وجاء مع هذه الكثافة العددية قلة في الأفكار الأصلية؛ فقد لجأ عدد من صُناع الدراما إلى أفكار سبق تقديمها في أعمال قديمة، بعضها أجنبي، وبعضها عربي، وكان واضحاً الحاجة لإنتاج العديد من الأعمال التي تلبي ساعات المشاهدة في القنوات الفضائية والمنصات الخاصة.
البحث عن أفكار جديدة ولامعة للأعمال الكوميدية مثلاً كان أمر في غاية الصعوبة، ولجأت شركات الإنتاج إلى الفكرة الغريبة الطريفة التي قد تتحمل ضعف السيناريو، والباقي دور الممثلين وإجتهادات المخرج؛ وهذا ما نجده في عمل مثل "الكبير أوي"؛ فالمشاهد يتحمل ضعف كتابة بعض حلقاته لإرتباطه بفكرته المُبتكرة وشخصياته خفيفة الظل، وبشكل خاص شخصية العمدة الصعيدي المودرن التي يؤديها "أحمد مكي"، والمسلسل حتى الآن ينافس نفسه في تقديم حبكات تقترب من الإسفاف وتخلو من الإضحاك الحقيقي.
قد يتحمل المُشاهد بعض الخلل والإرتجال في حلقات الموسم الأخير من الكبير؛ فالعمل له رصيد وجمهور قديم، ولكن أغلب الظن لن يتحمل الجمهور إعادة تدوير "محمد سعد" لشخصية الحناوي تاجر قطع غيار السيارات في مسلسل "إكس لانس"، وهى الشخصية التي سبق له تقديمها في فيلم "كركر" عام 2007، أى منذ 16 عاماً، ولم تكن شخصية الحناوي رئيسية في الفيلم، وكانت مُجرد اسكتش ثانوي، ولا أظن أن الجمهور كان مُتشوقاً ليراها في عمل مستقل، ولم يُقدم المسلسل أكثر من حبكة سطحية تُساعد البطل على إلقاء افيهات الحناوي المرتجلة بحثاً عن ضحكات قليلة هنا وهناك.
أزواج وأبناء وحكايات مُعاصرة!
على مستوى الكوميديا الإجتماعية يُقدم مسلسل "كامل العدد" بطولة "دينا الشربيني" و"شريف سلامة" حكاية رجل وإمرأة يقعان في غرام بعضهما في وقت قصير للغاية، وتُخفي المرأة عن الرجل أنها أم لأربعة أطفال من زيجات سابقة، ويخفي هو عنها أنه أب أرمل لثلاثة أطفال، وبعد قرارهما الزواج يُصبح عليهما التأقلم مع وجود هذا العدد الكبير من الأبناء في منزل واحد.
المسلسل يُذكرنا بلاشك بفيلم "عالم عيال عيال" إنتاج عام 1976 وبطولة "رشدي أباظة" و"سميرة أحمد"، وهو مُقتبس من الفيلم الأمريكي Yours, Mine and Ours "أبنائك، أبنائي وأبناؤنا" الذي قام ببطولته "هنري فوندا" و"لوسيل بول" عام 1968، وقد حاول المسلسل الخروج من عباءة العمل الأصلي بتقديم تفاصيل مُعاصرة عن مشاكل الزواج الثاني، وتربية أطفال من أعمار مختلفة.
الكوميديا الإجتماعية التي تتناول حكايات العائلة كانت حاضرة في عمل أخر هو "مذكرات زوج"، والعمل مأخوذ عن قصة الكاتب الراحل "أحمد بهجت"، وتم تقديمه سابقاً في مسلسل سابق عام 1990 وكان بطولة "محمود يس" و"فردوس عبد الحميد"، والنسخة الحديثة كتب لها السيناريو "محمد سليمان عبد المالك"، والعمل يُقدم مشاكل الزواج المُعاصر من وجهة نظر زوج يُعاني الملل والوحدة، وهو مُحاولة لتقديم كوميديا خفيفة في إطار إجتماعي بعيداً عن نوعية الكوميديا الكاريكاتورية الصاخبة المألوفة في الأعمال الرمضانية، وقد نجح في تفادي مشاكل المط والتطويل وقدم حدوتة لطيفة في 15 حلقة.
دفاتر الأفكار القديمة!
يقدم "محمد عبد الرحمن" شخصية طبيب نفسي يدعى سهام، يضطر لعلاج قاتل محترف يجسد دوره "مصطفى خاطر"، وذلك في مسلسل "كشف مستعجل"، والعمل دراما كوميدية تتمحور حول شخصيتين غير مألوفتين في الدراما العربية، ويصنع علاقة غير مألوفة ومُركبة عن قاتل محترف يقتحم حياة طبيب نفسي ويطلب منه كبح رغبته في القتل، ولكن للقاتل أهداف خفية أخرى مما يخلق مواقف مُلتبسة عديدة، والحبكة تشبه عدد من الأعمال الأجنبية منها مسلسل The Patient "المريض" بطولة "ستيف كاريل" و"دومينال جليسون"، والعمل لم ينجح في تمصير الفكرة فظلت مجرد إطار هش للمواقف الكوميدية التي يصنعها خاطر وعبد الرحمن.
المسلسل لم يكن العمل الكوميدي الوحيد الذي اقتبس حبكته من عمل أجنبي؛ فهناك مسلسل "الصفارة" الذي تبدو فكرته مُستهلكة ومألوفة، وهو فانتازيا كوميدية عن محاولة العودة بالزمن لتغيير أحداثه، وذلك بواسطة صفارة توت عنخ آمون الأثرية السحرية، وهذه اللمسة المصرية المحلية تقترب من لمسة عفريت الأمنيات في فيلم "طير انت"، وكلاهما تنويع خفيف عن الأصل، وهو شخصية الشيطان الذي يمنح الإنسان فرص مُختلفة لإعادة مواقف سابقة لتصويب مسار حياته، وذلك مُقابل روحه في فيلم Bedazzled "مبهور"، وكل هذه الأعمال إقتباس بتصرف عن مسرحية "فاوست" للكاتب الألماني "جوتة"، وتتمحور هذه الأعمال حول سعى الإنسان لمعرفة الهدف الحقيقي للحياة، وهو نفس سعي شخصية شفيق "أحمد أمين" في "الصفارة"، ورغم عدد من الملاحظات التي تتعلق بالكتابة والأداء قدم "أحمد أمين" و"طه دسوقي" عملاً لطيفاً قد يتطور للأفضل في الجزء الثاني.
سيناريو رشيد وفكرة مُستهلكة!
ونذهب من "جوتة" الألماني إلى "ألكسندر دوما" الفرنسي، والأخير مؤلف رواية الإنتقام الشهيرة "الكونت دي مونت كريستو"، وهى القصة التي بني صُناع مسلسل "رشيد" رؤيتهم الدرامية المعاصرة عنها، وهذا الأمر مكتوب بوضوح في التترات، والحبكة التي يُقدمها المسلسل مألوفة؛ فهى حكاية رجل يتعرض لمؤامرة من بعض رفاقه فيجد نفسه مسجوناً ومظلوماً، وهناك يلتقي بسجين يمنحه ثروة تجعله بعد هروبه من السجن صاحب سلطة ونفوذ وثراء، وهو يستخدم كل ذلك في الإنتقام ممن خانوه، وقبل "رشيد" قدمت السينما المصرية الفكرة في عملين؛ الأول عام 1951 بعنوان "أمير الإنتقام" بطولة "أنور وجدي"، والثاني عام 1964 بعنوان "أمير الدهاء" بطولة فريد شوقي".
مسلسل "رشيد" تأليف "وسام صبري" يبدأ بالخط الزمني المُعاصر الذي يصور قيام رشيد "محمد ممدوح" بتدبير مكائد لبعض الأشخاص، وتُفسر مشاهد الفلاش باك ما حدث لرشيد في الماضي، ودوافعه لسلوكه الإنتقامي في الحاضر، وعلى مستوى الدراما يُقدم العمل نسخة جيدة بتفاصيل مُعاصرة لحبكة الإنتقام.
بحثت كل الأعمال السابقة عن تقديم حكايات بمعالجات مقتبسة ومعاصر ومُعاد تدويرها، وهو أمر مشروع درامياً، ولكن الأمر الأكيد أن هناك قصص أصلية تنتظر الإنتاج؛ فالدراما التليفزيونية تتطور من نواحي كثيرة ولكنها تحتاج إلى الخروج من نفق الإستهلاك والإستسهال.