فيلم "تاج".. سيناريو خارق السذاجة جمع كلاشيهات أفلام السوبر هيرو ولم يُضف جديدًا!
فكرة البطل الخارق بدأت من قصص الكوميكس الأمريكية في الثلاثينيات من القرن الماضي في الولايات المُتحدة، وكانت نوع من الخيال الجذاب والمريح لمجتمع يعيش حقبة الكساد العظيم، ووجد البعض في البطل الخارق تصويرًا للمُنقذ الذي يستطيع نصرة الضعيف والمظلوم في زمن إنتشار البطالة والفساد والعنف. تجسد البطل الخارق بملامح أكثر إبهارًا على شاشة السينما، وأصبح في السنوات اللاحقة جزء أصيل من صناعة سينما المُغامرات، وصارت له تفاصيل تُفرق بين بطل وأخر، وعوالم تدور فيها أحداث مغامراتهم، وتتنافس شركتا "مارفل" و"دي سي كوميكس" على صناعة قصص السوبر هيروز التي تجذب شرائح كبيرة من المشاهدين، وخارج هوليوود يظهر فيلم "تاج" بطولة تامر حسني" وإخراج "سارة وفيق" كعمل درامي مصري يحاول السير على خطى هذا النوع من الأفلام الذي يصعب منافسته.
السوبر هيرو قبل تاج!
بعد ثلاثية "عمر وسلمى" التي تناولت علاقة الرجل والمرأة من خلال قصة حب وزواج وتكوين عائلة بدأ "تامر حسني" يبحث عن أفكار درامية غير مألوفة في أفلام مثل "تصبح على خير" و"مش أنا"، ووصل إلى ذروة اللأفكار الدرامية الغريبة في "تاج" الذي قام بتأليف قصته، وجسد فيها شخصيتي توأم مُتطابق، كل منهما يمتلك قوة خارقة، وبينما يُكرس "تاج" قوته لفعل الخير يُمارس شقيقه "هارون" الشر بكل إخلاص ويُحاول القضاء على شقيقه لأن هذا ينقل إليه قوى "تاج" الخارقة، ويروج الفيلم لمعلومة تقول أنه أول فيلم سوبر هيرو عربي.
هناك أعمال سبقت "تاج" وقدمت البطل الذي يمتلك القوى الخارقة؛ منها مثلًا فيلم "السبع افندي" عام 1951، وهو من بطولة "سعيد أبو بكر" وكان يمتلك قدرة خارقة على اختراق الحوائط، وفي عام 1952 جسد "محمد فوزي" شخصية رجل لديه القدرة على الإختفاء في فيلم بعنوان "من أين لك هذا؟"، وكان هو كاتب الفكرة التي أخرجها "نيازي مصطفي"، وتم تنفيذ بعض خدع الفيلم في ستديو خاص في باريس.
هناك أيضًا فيلم "عاشور قلب الأسد" الذي كتب فكرته وأنتجه "رشدي اباظة" عام 1961، وجسد فيه "عبد السلام النابلسي" دور رجل فقير وضعيف يسخر منه الجميع، ويسعى هو للفت نظر حبيبته، ويحصل على قوة خارقة لا يعرف مصدرها، وهو نفس ما يحدث مع الشاب تاج "تامر حسني" الذي يُفاجيء بقوته، وعطسته التي تُحطم الأبواب وتُمزق ملابس الأخرين.
تكررت فكرة فيلم "عاشور قلب الأسد" بتفاصيل قريبة في فيلم "أونكل زيزو حبيبي" بطولة "محمد صبحي" وإخراج "نيازي مصطفى" أيضًا، وهناك أعمال أخرى شبيهة تندرج تحت بند النزوات السينمائية التي لم تتبلور تمامًا.
التهريج الخارق!
أغلب الأفلام التي قام ببطولتها مطربون ترتكز على قصة رومانسية، وتُروج للبطل الرومانسي العاشق شديد المثالية، ولم يخرج "تامر حسني" عن نفس المدرسة، ولكنه أضاف إليها أفكاره الشخصية المُتناقضة عن الشاب الشقي الذكوري دائم المزاح، الذي تترامى الفتيات في أحضانه، وهي تركيبة من تأليفه؛ وهكذا بدأ رحلته مع التأليف والإخراج بالإضافة للتمثيل والغناء.
لا أجد مشكلة في تأثر كتابة "تامر حسني" لشخصية السوبر هيرو "تاج" ببطل الفيلم الأمريكي ""Deadpool الذي جسده الممثل "رايان رينولدز"، وهو شخصية تمتلك قوى خارقة تتنقل بين الأكشن والرومانسية والكوميدية، وهو بطل خارق لا يهتم بإنقاذ الأخرين، وليست له أهداف سامية تجعله سوبر هيرو بالمعنى المعروف، وهو ينتمي على مستوى التصنيف إلى عالم البطل المُضاد.
أهداف "ديدبول" هي إستعادة حبيبته والإنتقام ممن تسببوا في تشويهه نتيجة تجربة علمية فاشلة تمت دون إختياره؛ ولهذا يخفي ملامحه خلف رداء يُخفي وجهه المشوه، وهو شخصية لا تتمتع بالرزانة ويميل للمزاح الثقيل، وهذا أحد أهم عناصر جاذبيته على الشاشة، ونجد الكثير من تلك الملامح في فيلم "تاج" ولكن السيناريو الذي كتبه "تامر حسني" قسم صفات السوبر هيرو على شخصيتين، ورغم مثالية "تاج" المُفترضة لكنه لا يتورع عن استخدام البذاءة والإيحاءات الجنسية والتصرفات الذُكورية الفجة والتحرش الصريح بحبيبته "دينا الشربيني"، ويتم تمرير تلك السلوكيات من خلال المزاح الغير مُوظف في أي سياق درامي.
السيناريو والتفاصيل !
من أضعف ما كُتب من قصص تدور في عالم السوبر هيرو سيناريو فيلم "تاج"؛ فهو يرسم شخصية البطل الخارق بحبكة طفولية ساذجة، ويمنحه قوى خارقة بدون تفاصيل تدعمها دراميًا؛ فهو مثلًا لديه قوى جسمانية خارقة، لا يتأثر بالنار أو الرصاص، وقادر على القفز لمسافات طويلة، ويُمكنه الإختفاء فجأة، ولكن السيناريو لا يعرف ماذا يفعل بهذا الكوكتيل العشوائي من القوى الخارقة، فنراه في عدة مشاهد مكتوبة بإرتجال يُنقذ رُكاب حافلة، ويمسك بيده رصاصات وصواريخ أطلقتها جماعة إرهابية كانت تسعى لتدمير الهرم، وغيرها من المشاهد المُقحمة بلا سياق أو حبكة درامية، وكلها مشاهد مُفككة لإستعراض قُدرات البطل الخارق ولكنها لا تصل إلى حد الحبكة المُتماسكة.
رسم السيناريو ملامح شخصية "تاج" في صورة شاب يتيم، يتصف بالدماثة ويرعى جارته العجوز "هالة فاخر"، رومانسي ويحب زميلته مُعلمة الموسيقى تمارا "دينا الشربيني"، وحينما تظهر عليه أعراض القوة يُوظف قدراته لمساعدة الأخرين، ولكن السيناريو يُخفق في صياغة تاريخ لشخصية "هارون"، الوجه الشرير لتاج؛ فهو يظهر فجأة ويمارس الشر بلا مبرر، وبلا هدف مُحدد.
رغم المجهود المبذول من فريق الجرافيك لتنفيذ الخدع بشكل جيد، لكن كل هذا المجهود أفسده ديكوباج مُتواضع، وعدم تصميم المشاهد بسلاسة وإقناع، ويبرز ضعف نقلات المونتاج في صياغة مشاهد الحركة بجدية تجعلها قابلة للتصديق.
تُفسد رغبة "تامر حسني" الدائمة في إفتعال النكات والمزاح أى إمكانية في منح مغامرات "تاج" أى مصداقية؛ فالسيناريو يفتقد القدرة على التركيز وإختيار اللحظات المناسبة للإفيه اللفظي والنكتة البصرية أو مزحة الجرافيك، وكانت نتيجة أغلب تلك المشاهد حالة عبثية ساذجة، وزيادة في العبث يُساعد تاج في مواجهته مع شقيقه الشرير هارون ممثل له جسم عملاق، وفي الفيلم لديه قدرة على إطلاق ريح خارقة تدفع أى شخص إلى مسافات بعيدة.
الأدوار الأخرى!
أبرز الأدوار التمثيلية من حيث المساحة دور الحبيبة تمارا الذي جسدته "دينا الشربيني"، ودور الجنرال "رسمي فهمي نظمي" رئيس المُنظمة الدولية لمُكافحة الخوارق الذي جسده "عمرو عبد الجليل"، وكلاهما يمتلك سابقة أعمال تحتوي على أدوار بطولة في السينما والدراما التليفزيونية، ولكنهما إكتفيا بتجسيد شخصيات باهتة درامية في الفيلم الذي يصنع فيه "تامر حسني" كل شىء تقريبًا؛ فمن ناحية إكتفت "دينا الشربيني" بالضحك بصوت عالِ وتعبيرات مُبالغ فيها على نكات البطل التي لا تُضحِك، وكان خطها الدرامي يظهر ويختفي بشكل حاد جعل الحكاية الرومانسية هشة دراميًا.
حاول السيناريو منح "عمرو عبد الجليل" مساحة أكبر لدور هامشي بلا ملامح؛ فيظهر الجنرال رسمي فهمي رئيس منظمة مُكافحة الخوارق مجرد شخص ساذج وطفولي يطلب من البطل أن يختفي ليُحاول هو أن يُمسك به، ويكلفه لاحقًا بمهام تافهة مثل إحضار طلبات البقالة من السوبر ماركت، وبالطبع كل تلك الأفكار التي حاول من خلالها سيناريو "تامر حسني" صنع مشاهد كوميدية بدت مُتكلفة، ولم يبذل "عمرو عبد الجليل" أى مجهود لإنقاذها أو منحها لمسات كوميدية خاصة، وكان واضحًا أنه لا يُحاول حتى.
تعجل "تامر حسني" وهو يُلمح أكثر من مرة داخل حوار فيلم "تاج" إلى وجود جزء ثانِ من الفيلم، ويبدو أنه كان مُعجبًا بما يفعله على الشاشة؛ فقد صنع شخصية بطل خارق يتحزم ويرقص بلدي داخل مدرسة، ويحمل كل صفات شخصيات "تامر حسني" في أفلامه السابقة، وأعجبه صُنعه وينوي الإستمرار.
الصور صفحة تامر حسني على الفيسبوك وتريلر الفيلم