هل بدأت ثورة هوليوود ضد الذكاء الاصطناعي؟!
في الموسم الأخير من مسلسل "Black Mirror""مرآة سوداء" جسدت الممثلة "سلمى حايك" شخصيتها في الواقع، وأدت دور بطلة مسلسل داخل المسلسل الذي نُشاهده، ولكنها لم تقم بالتمثيل بنفسها؛ وحسب قصة حلقة "Joan Is Awful" "جوان البغيضة" أعارت "سلمى" صورتها وصوتها لشركة الإنتاج ومنصة العرض، وقام الذكاء الصناعي بمُحاكاة أدائها في مشاهد العمل بالكامل، وكانت تُشاهد حلقات المسلسل الذي لم تُمثل مشهدًا منه بنفسها كأنها واحدة من الجمهور، وقد إكتشفت أن شخصيتها الرقمية تستطيع أداء أي مشهد بأي صورة دون أن يحق لها الإعتراض، وإكتشفت مُتأخرًا أن عليها مُقاومة هذه التقنية البغيضة ولو بالقوة.
البشر ضد الآلة!
تعيش "سلمى حايك" حاليًا مرحلة مخاوف حقيقية من أن يُصبح ما قدمته من كوميديا سوداء في مسلسل تليفزيوني واقعًا، وهي تُشارك ألاف الممثلين من زملائها في نقابة الممثلين في هوليوود إضرابًا هو الأضخم في هوليوود منذ عقود. المطالب الأهم للممثلين تتعلق بحقوقهم المادية عن الأداء العلني لأعمالهم التي تُعرض عن طريق الوسائط الحديثة للعرض والبث، وجزء هام أخر من مطالب الممثلين وأصحاب المهن الإبداعية والفنية تتعلق بضمانات عدم إستبدالهم بالذكاء الصناعي في المُستقبل، وهو مطلب سبقهم إليه كُتاب السيناريو قبل أكثر من شهرين، وذلك بعد أن ثبتت إمكانية الذكاء الصناعي كتابة سيناريوهات كاملة مُتقنة ومُعقدة في دقائق قليلة.
رغم إستخدام هوليوود الكمبيوتر في الأمور التقنية منذ بدايات ظهور الكمبيوتر الشخصي لكن تطور برامج الذكاء الصناعي بسرعة كبيرة زاد مخاوف صُناع الدراما من إستبدال الإبداع البشري بذكاء الآلة، وقد قدمت أفلام هوليوود مُبكرًا تحذيرات من الواقع الحالي، ولكن الأمر بدا مُجر خيال سينمائي جامح يُبالغ فيما يُمكن أن تصل إليه برامج الكمبوتر في بداية الألفية الثالثة؛ فقد جسد آل باتشينو" عام 2002 في فيلم S1m0ne دور مُخرج يبحث عن ممثلة لبطولة فيلمه بعد أن تخلت عنه البطلة المُرشحة للفيلم، وتتوالى إعتذارات النجمات وييأس تمامًا حتى يقبل بعرض مصمم برامج شاب تصميم ممثلة رقمية بجميع المواصفات التي يرغب بها، ويقوم بالأمر بالفعل بصورة سرية للغاية، وتنجح النسخة الرقمية الغامضة في أن تكون نجمة عالمية تملأ صورها وأخبارها المُفبركة جميع الصحف والمجلات، وحينما يحنق المخرج من نجاح الممثلة الساحق الذي يطغى على نجاحه هو يدمر البرنامج وتختفي الممثلة، وتتهمه الشرطة بقتلها ولا يُصدق أحد بالطبع أنها شخصية رقمية تم تصنيعها بالكمبيوتر.
الفلاش باك والشباب الدائم!
هناك عُنصر بشري أصيل يُشرف على كل ما تصنعه الآلة؛ ولا تزال كثير من الأمور مُلتبسة في مدى أصالة ما يُنتجه الذكاء الصناعي، وإلى من يُنسب الفضل في المُنتج النهائي، وقد يصنع هذا أزمات مُستقبلية في أمور تتعلق بمنح الجوائز الفنية؛ فالمساحة بين ما تصنعه الآلة وما يصنعه البشر تداخل وأصبح الأمر يحتاح مساحة من الوقت لإستيعاب إنتاج الذكاء الصناعي.
جزء كبير من الصعوبة التي يتعرض لها صُناع الأفلام تكمن في تصوير مشاهد فلاش باك لشخصيات يُجسدها نجوم كبار في السن، ومؤخرًا ساعد الذكاء الصناعي على تقديم مشاهد فلاش باك للممثل "هاريسون فورد" في الجزء الجديد من فيلم "إنديانا جونز" بعنوان "Indiana Jones and the Dial of Destiny"، وظهر فورد الذي تجاوز عمره 81 عامًا وهو في الأربعينات من العمر في عدد من مشاهد الفيلم، وبدا الأمر مُتقنًا بصورة كبيرة؛ وقد إعتمدت التقنية على أداء فورد التمثيلي، وقامت الذكاء الصناعي بعملية إزالة التجاعيد والإستعانة بصور وفيديوهات قديمة كمرجع لتقديم نتيجة فائقة الدقة.
تكنولوجيا الـ""De-aging جزء من صناعة السينما خلال السنوات الأخيرة، وقد إعتمد علية "مارتن سكورسيزي" في فيلمه ، وقام بتصوير مشاهد فلاش باك طويلة تصور شخصيات جسدها "روبرت دي نيرو" و"آل باتشينو" و"جو بيشي" وغيرهم في مرحلة الشباب في فيلم "The Irishman" "الرجل الآيرلندي" عام 2019، وقد ظهرت تلك التقنية منذ السنوات الأولى في الألفية الجديدة، ومن أبرزها فيلم "The Curious Case of Benjamin Button" "الحالة المُحيرة لبنجامين باتون" التي صور فيها "براد بيت" شخصية رجل ينمو بصورة معكوسة؛ فقد وُلد عجوزًا وكلما مرت به السنوات يصغر عمره.
يستعد المخرج "روبرت زيميكس" لفيلمه الجديد "Here" "هنا"، ويقوم ببطولته "توم هانكس" و"روبن رايت"، وسيستعين زيميكس بتقنية إزالة التجاعيد بكثافة في الفيلم لتقديم أبطال الفيلم في مواقف متعددة الأزمنة حسب تفاصيل القصة المأخوذة عن جرافيك نوفل تحمل نفس الإسم.
فوائد عظيمة ومخاوف قائمة!
إستفزت "مارفل" كثير من صُناع الدراما مؤخرًا حينما قامت بتصميم تتر مسلسل ""Secret Invasion "الغزو السري" بالكامل عن طريق الذكاء الصناعي، وقد بررت الأمر لاحقًا بأن قرار إستخدام تقنية الرسم والتحريك بواسطة الآلة كان لأسباب فنية؛ فقد رأى المصممين أن الصور التي يُمكن تخليقها ببرامج رسم الآلة تتسم بغرائبية تُعبر عن أجواء المسلسل، وبالطبع من قاموا بتغذية الآلة بتفاصيل الأجواء المطلوب وأسلوب الرسم هم من فريق التصميم من البشر.
الذكاء الصناعي في مرحلة الإختبار والتجريب في مجال السينما، ولكنه نجح في تقديم نتائج فائقة الجودة والدقة لأمور كان يتم تنفيذها سابقًا بببرامج كمبيوتر شديدة التعقيد؛ وبالإضافة إلى إزالة التجاعيد بدأت بعض ستديوهات الدوبلاج في إستخدام الذكاء الصناعي لتقديم نسخ شديدة الدقة من دوبلاج الأفلام والمسلسلات إلى اللغات الأخرى، ومن الممكن أن يُحاكي الذكاء الصناعي صوت الممثل الأصلي فنُشاهد ليوناردو دي كابريو يتحدث الفرنسية والعربية والروسية بدقة وطلاقة في النسخ المُدبلجة من أفلامه في المستقبل القريب.
إستخدمت الدراما الكمبيوتر والذكاء الصناعي في تجسيد ممثلين لا وجود لهم، ولكن الأمر تركز على صناعة نسخ من الكومبارس لصناعة جيوش ضخمة العدد، ورأينا ذلك في مشاهد المعارك الملحمية في أعمال مثل The Lord of the Rings"" "سيد الخواتم" و "Game of Thrones" "لعبة العروش".
اليوم المخاوف زادت من إستبدال شخصيات مصنوعة بالذكاء الصناعي بنجوم الأدوار الرئيسية، وإذا كانت التقنية الحديثة نجحت في صناعة مشاهد أعادت "إنديانا جونز" شابًا أربعينيًا من خلال ممثل ثمانيني فماذا يمنع صناعة أعمال جديدة لإنديانا جونز مُصممة بالكامل بالذكاء الصناعي، أو تصميم شخصيات رقمية جديدة ومُبتكرة بدون مرجعية بشرية مُحددة لتقوم بالتمثيل؟
الواقع يقول أن الأمر وارد ومُرجح للحدوث، وبشكل خاص في الأعمال التي تعتمد على حكايات وشخصيات خيالية؛ فالذكاء الصناعي مثلًا تقاسم البطولة مع نجوم سلسلة أفلام Avatar "أفاتار"، وبالكاد يُمكن التعرف على ملامح الممثلين الحقيقية في الفيلم على الرغم من إستعانة الكمبيوتر بملامحهم الواقعة قبل تحويلهم لشخصيات مجتمع النافي الخيالية.
هناك أعمال السوبر هيروز التي يُمكن تقديمها من خلال تصميم شخصيات بالذكاء الصناعي دون الحاجة للإستعانة بنجوم كبار يجسدون نفس الشخصيات، وقد يبدو الأمر مُغريًا لشركات إنتاج ستوفر ملايين الدولارات من الأجور، ولكن لن تستطيع تعويض كاريزما وبصمة البشر.
قريبًا لن تحتاج الممثلات الإستعانة بخبراء الماكياج وتصفيف الشعر، ويُمكن فعليًا لأى ممثلة البقاء في سن العشرين عشرات السنوات على الشاشة، ويستطيع أي ممثل البقاء شابًا إلى الأبد دون حاجة لجينات الشباب التي يتمتع بها "توم كروز" دون تدخل من الذكاء الصناعي أو برامج إزالة التجاعيد، ولكن سيظل الخوف قائمًا من تصميم الذكاء الصناعي من نجوم تمثيل جدد لا وجود لهم في الواقع.