خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2023.."Origin" فيلم ضائع بين الروائي والوثائقي
في أحدث أفلامها ”Origin“ (الأصل)، لا تبتعد المخرجة آفا دوفيرناي عن الموضوعات أو الموضوع الذي تفضله في أعمالها السابقة، وهو تاريخ العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة. الفيلم الذي يشارك في مسابقة مهرجان فينيسيا (البندقية) في دورته الثمانين، مستوحى عن كتاب ”Caste: The Origins of Our Discontents“ (الطبقية: بدايات السخط) للصحفية والباحثة إيزابيل ويلكرسون، وخلاله تبحث ويلكرسون عن مفهوم الطبقية كأساس للمعاملة القاسية التي تلقاها السود طوال تاريخهم في أمريكا، وتربط بين ما حدث لليهود في ألمانيا النازية، والتفرقة الطبقية في الهند، مع ما يحدث للسود تحت إطار كبير وهو ”الطبقية“.
حقق الكتاب نجاحًا كبيرًا بالفعل، لكن عند قراءة موضوع الكتاب، سيكون من الممتع تخيل تحويل هذه الدراسة الدقيقة عن الأعراق المختلفة، والتي تبحث خلال فترة زمنية طويلة، إلى فيلم روائي.
دراما بلا معنى
في معالجتها السينمائية للكتاب، قررت دوفيرناي، التي كتبت السيناريو أيضًا، أن تحول الفيلم إلى خطين رئيسيين، الأول هو جزء من السيرة الشخصية للكاتبة إيزابيل (أنجينو أليس)، والثاني تقدم خلاله أفكار الكتاب نفسها، من خلال المزج بين مشاهد البحث الذي تقوم به إيزابيل ومشاهد فلاش باك تمثيلية.
يبدو الخط الخاص بحياة الكاتبة عبارة عن دراما مقحمة للتمهيد لأحداث الدراسة، التي هي الأمر الأبرز في الفيلم، بينما ما يحدث لإيزابيل وحياتها الشخصية تأتي وكأنها تُجبر المُشاهد على التعاطف معها أو مع الفيلم بشكل عام، رغم أن الموضوع الأساسي مؤثر بالقدر الكافي ولا يحتاج إلى فرض مشاعر إضافية، تفقد تأثيرها مع كل مشهد جديد يخص أسرة إيزابيل، إذ نشاهدها تمر بسلسلة من الوفيات المتتالية لأشخاص مقربين. بينما كنا ننتظر أن تكون لهذه الوفيات، أو لهذه المأساويات تأثيرًا قويًا على الحبكة أو على الشخصية، كأن تدفعها لتغيير أو تطوير مسارها بشكل ما، فإننا سنجد أنها لا تؤدي إلى شيء حقيقي على الإطلاق. حتى علاقتها مع زوجها الأمريكي الأبيض، وما ينطوي عليه هذا من أهمية لموضوع الفيلم لم يكن ذو تأثيرٍ كافٍ، وربما ازداد غياب التأثير المطلوب نتيجة ضعف الأداء التمثيلي بشكل عام.
وثائقي أفضل من الروائي
عندما ينتقل الفيلم للتركيز على فصول الكتاب، فإنه يتحول إلى شكل أقرب للمسلسلات الوثائقية، إذ تقدم المخرجة مشاهد تمثيلية لعدة فصول، مع تعليق صوتي لا ينقطع. تتابع ثلاث ثنائيات في ألمانيا النازية، أحدهم من اليهود الذي يتعرضون للتعذيب من النازيين، في مشاهد مكررة تمامًا. في الهند تقدم مشاهد للسياسي أمبيدكار، الذي ساهم بشكل أساسي في وضع دستور الهند، يمكن أن تكون مشاهد مهمة للتعريف بتاريخ هذه الشخصية المؤثرة في الهند، لكنها تأتي في تتابعات سريعة مع التعليق الصوتي لتساهم في الحالة التقليدية للشكل الوثائقي. وأخيرًا فإن الفيلم لا يخلو من مشاهد للممارسات القاسية مع الأفارقة من قِبل الأمريكان في الماضي، وهي أيضًا تبدو مشاهد مقحمة، إذ أن الفيلم منذ البداية وضح فكرته والهدف الذي تعمل الكاتبة لإثباته.
على العكس من كل هذا يأتي أحد أجمل مشاهد الفيلم، عن طفل أسود فاز مع فريقه في بطولة مهمة، وكانت المكافأة أن يذهبوا إلى حمام السباحة. بينما نزل جميع الأطفال إلى الحمام، فإن الطفل الأسود هو الوحيد الذي مُنع من النزول، وعندما أصر بقية الأهالي على نزوله أخلو الحمام تمامًا ووضعوه وحده على عوامة داخل المسبح! هذا التتابع ربما يكون كثف فكرة الفيلم بشكل مميز وجمالي أكثر من أغلب المشاهد الأخرى التي حاولت المخرجة إدراجها لكسر رتابة الحوارات العلمية، لتصبح في النهاية بمثابة ثِقَل على الفيلم.
فيلم "الأصل" هو استمرار واضح لمسيرة مخرجته في مناقشة تاريخ العنصرية، أو الطبقية كما هي الحالة هنا، ضد الأفارقة السود في الولايات المتحدة، لكنها هذه المرة اختارت أسلوبًا تاه بين الوثائقي والروائي فلم تنجح في إمتاع المشاهد بهذا أو ذاك، وربما كان المكسب الأهم هو التعريف بشكل أوسع بهذا الكتاب المهم.